للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وأحبّ ألا يوافي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الموعد، وكان يظهر أنه يريد الغزو في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع ويسير في العرب، فتأهب المسلمون له.

[رسالة أبي سفيان نعيم بن مسعود لتخذيل المسلمين]

وقدم [ (١) ] نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فأخبر أبا سفيان [ (٢) ] وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم. وكان عاما [ (٣) ] جدبا، أعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتل بجدب الأرض. وجعل له عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى رعّب [ (٤) ] المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين ولم تبق لهم نية في الخروج. واستبشر المنافقون واليهود وقالوا: محمد لا يغلب! - من هذا الجمع- فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خشي ألا يخرج معه أحد. وجاءه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما- وقد سمعا ما سمعا- وقالا: يا رسول اللَّه، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا، ولا نحب أن نتخلف فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فو اللَّه إن في ذلك لخيرة.

فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال: والّذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد.

فبصّر اللَّه المسلمين وأذهب ما كان رعبهم الشيطان، وخرجوا بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا.

[خروج المسلمين إلى بدر]

واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة عبد اللَّه بن رواحة، وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة. وخرج أبو سفيان من مكة في ألفين معهم خمسون فرسا ثم رجعوا من مجنة [ (٥) ] ، [وذلك أن أبا سفيان بدا له الرجوع فقال: يا معشر قريش، ارجعوا


[ (١) ] في (خ) «وقد» .
[ (٢) ] في (خ) «أخبر أبا سفيان» مكررة.
[ (٣) ] في (خ) «عامة» .
[ (٤) ] رعب: خوّف.
[ (٥) ] مجنّة: موضع على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران واسم سوق للعرب (معجم البلدان) ج ٥ ص ٥٨.