للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بلغه خبر خروج الأحزاب وإشارة سلمان بحفر الخندق

وكانت خزاعة عند ما خرجت من مكة: أتى ركبهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في أربع ليال- حتى أخبروه، فندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم: أيبرز من المدينة، أم يكون فيها ويخندق عليها، أم يكون قريبا والجبل وراءهم؟ فاختلفوا.

وكان سلمان الفارسيّ يرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يهم بالمقام بالمدينة- ويريد [ (١) ] أن يتركهم حتى يردوا ثم يحاربهم على المدينة وفي طرقها- فأشار بالخندق فأعجبهم ذلك، وذكروا يوم أحد، فأحبوا الثبات في المدينة. وأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجد، ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة.

[خبر حفر الخندق]

وركب فرسا له- ومعه عدة من المهاجرين والأنصار- فارتاد موضعا ينزله، وجعل سلعا [ (٢) ] خلف ظهره وعمل في [حفر] [ (٣) ] الخندق لينشطهم، وندب الناس وخبّرهم بدنو عدوهم، وعيّن حفر الخندق في المراد [ (٤) ] وعسكر بهم إلى سفح سلع، فتبادر المسلمون في العمل، وقد استعاروا من بني قريظة آلة كثيرة- من مساحي وكرازين ومكاتل [ (٥) ]-، للحفر في الخندق. ووكل صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه. وكان الشباب ينقلون التراب، ويخرج المهاجرون والأنصار في نقل التراب وعلى رءوسهم المكاتل، ويرجعون بها بعد إلقاء التراب منها وقد ملئوها حجارة من جبل سلع: وهي أعظم سلاحهم، يرمون بها.

وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل التراب في المكاتل والقوم يرتجزون [ (٦) ] ،

ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:

هذا الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر


[ (١) ] هذا الحرف في (خ) يقرأ ما بين «يريد» ، «يدبر» والأقرب للمعنى ما أثبتناه.
[ (٢) ] سلع جبل قرب المدينة (معجم البلدان) ج ٣ ص ٢٣٦.
[ (٣) ] زيادة للإيضاح.
[ (٤) ] في (خ) «المزاد» .
[ (٥) ] المساحي والكرازين والمكاتل: المجارف والفؤوس والقفف.
[ (٦) ] ترتجزون: يترنمون بالرّجز من أوزان الشعر.