للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكلام، وهو يقول: أنا رسوله ولن يضيعني!

ويردد ذلك أبو عبيدة ابن الجراح رضي اللَّه عنه: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول اللَّه يقول ما يقول! تعوذ باللَّه من الشيطان واتهم رأيك!. فجعل يتعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم حينا.

[كراهية المسلمين الصلح]

وكان المسلمون يكرهون الصلح، لأنهم خرجوا ولا يشكون في الفتح لرؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت فأخذ مفتاح الكعبة وعرّف مع المعرفين، فلما رأوا الصلح داخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. فجعل اللَّه عاقبة القضية خيرا- فأسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم- من يوم دعا رسول اللَّه إلى يوم الحديبيّة-، وما كان في الإسلام فتح أعظم من الحديبيّة، فإن الحرب كانت قد حجزت بين الناس. فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضا، ودخل في تلك الهدنة صناديد قريش الذين كانوا يقومون بالشرك، وما يحدث عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأشباههما، وفشا الإسلام في جميع نواحي العرب. وكانت الهدنة إلى أن نقضوا العهد اثنين وعشرين شهرا.

[خبر أبي جندل بن سهيل بن عمرو]

وبينما الناس قد اصطلحوا والكتاب لم يكتب، أقبل أبو جندل بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري- وقد أفلت يرسف في القيد متوشح السيف خلال أسفل مكة، فخرج من أسفلها حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يكاتب أباه سهيلا، وكان سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من سجن سهيل، واجتنب الطريق وركب الجبال حتى هبط بالحديبية. ففرح المسلمون به وتلقوه حين هبط من الجبل فسلموا عليه وآووه، فرفع سهيل رأسه فإذا بابنه أبي جندل، فقام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبينه [ (١) ] . فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد المسلمين ذلك شرا إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل. فقال حويطب بن عبد العزى لمكرز بن حفص: ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض! أما إني


[ (١) ] في (خ) «بلبته» .