للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع رجل من أسلم، فنحرها عند المروة وفرّق لحمها.

دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمحلقين والمقصرين

فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من نحر البدن، دخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلّق رأسه، ثم أخرج رأسه من قبته

وهو يقول: رحم اللَّه المحلقين! قيل:

يا رسول اللَّه والمقصرين! قال: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، ثم قال: والمقصرين.

ورمى بشعره على شجرة كانت بجنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشعر من فوق الشجرة فيتحاصون فيه [ (١) ] . وأخذت أم عمارة طاقات من شعر، فكانت تغسلها للمريض وتسقيه حتى يبرأ، وحلّق ناس وقصّر آخرون. وكان الّذي حلقه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (٢) ] خراش بن أمية بن الفضل الكعبي، فلما حلقوا بالحديبية ونحروا، بعث اللَّه تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم.

[خبر أم كلثوم بنت عقبة]

وخرجت يومئذ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي عاتق [لم تتزوج] فقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هجرتها ولم يردّها إلى المشركين [ (٣) ] ، وقدمت المدينة، فتزوجها زيد بن حارثة.

[إقامة المسلمين بالحديبية، وما أصابهم من الجوع]

وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحديبية بضعة عشر يوما، ويقال: عشرين يوما، ثم انصرف.

فلما نزل عسفان أرمل [ (٤) ] المسلمون من الزاد، وشكوا أنهم قد بلغوا [ (٥) ] من الجوع، وسألوا أن ينحروا من إبلهم، فأذن لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع لهم فيها اللَّه. فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنطاع فبسطت، ثم


[ (١) ] يأخذ كل منهم حصته.
[ (٢) ] زيادة للبيان.
[ (٣) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج ٣ ص ٣٠٨ في الكلام عن الفوائد الفقهية المستفادة من صلح الحديبيّة: «ومنها جواز صلح الكفار على ردّ من جاء منهم إلى المسلمين وألا يرد من ذهب من المسلمين إليهم، هذا في غير النساء، وأما النساء فلا يجوز ردهن إلى الكفار، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب» .
[ (٤) ] أرمل المسافر: نفد زاده.
[ (٥) ] بلغوا: أدركتهم المشقة.