للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللَّه لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا فرسان، ويوم أحد فرس واحد! فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا اللَّه ووعد نبيّنا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة، فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان! فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة.

فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل لهم به من العدد والسلاح والكراع، والديباج والحرير والذهب. قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري [ (١) ] فقال لي ثابت بن أقرم [ (٢) ] : يا أبا هريرة! مالك، كأنك ترى جموعا كثيرة! قلت: نعم! قال: لم تشهدنا ببدر! إنا لم ننصر بالكثرة.

[مقتل زيد بن حارثة]

وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة، فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السّدوسيّ وعلى الميسرة عباية [ (٣) ] بن مالك، فقتل زيد طعنا بالرماح.

[مقتل جعفر بن أبي طالب]

ثم أخذه جعفر فنزل على فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوقع أحد نصفيه في كرم، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحا. وقيل: وجد- مما قبل يديه [ (٤) ] فيما بين منكبيه- اثنتان وسبعون [ (٥) ] ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته.

مقتل عبد اللَّه بن رواحة

ثم أخذ اللواء بعده عبد اللَّه بن رواحة، فقاتل حتى قتل.

[سقوط لواء المسلمين]

وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، واتّبعهم المشركون. فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم، يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا! فما يثوب [ (٦) ] إليه أحد. ثم تراجعوا، فأخذ اللواء


[ (١) ] كناية عن الفزع والحيرة.
[ (٢) ] في (خ) «بن أقوم» .
[ (٣) ] في (خ) «عياية» .
[ (٤) ] في (خ) «مما قبل من يديه» .
[ (٥) ] في (خ) «اثنتين وسبعين» .
[ (٦) ] يثوب: يرجع