للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرجع أبي سفيان إلى مكة وما قيل له]

وكانت قد طالت غيبته، واتّهمته قريش أنه قد أسلم. فلما دخل على هند ليلا قالت: لقد حبست حتى اتهمك قومك! فإن كنت مع طول الإقامة جئتهم بنجح، فأنت الرّجل! ثم دنا منها فجلس منها مجلس الرجل من امرأته، فجعلت تقول: ما صنعت؟ فأخبرها الخبر وقال: لم أجد إلّا ما قال لي علي! فضربت برجليها في صدره، وقالت: قبّحت من رسول قوم! وأصبح فحلق رأسه عند إساف ونائلة [ (١) ] ، وذبح لهما ومسح بالدم رءوسهما، وقال: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي.

وقالت له قريش: ما وراءك؟ هل جئتنا بكتاب من محمد، أو زيادة في مدّة أمانا من أن يغزونا؟ فقال: واللَّه لقد أبى عليّ، ولقد كلمت أصحابه عليه فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرموني بكلمة واحدة. إلّا

أن عليا قد قال- لما ضاقت بي الأمور-: أنت سيد كنانة، فأجر بين الناس!! فناديت بالجوار، ثم دخلت على محمد فقلت: إني قد أجرت الناس، وما أظنّ أن تردّ جواري! فقال:

أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! لم يزدني على ذلك.

قالوا: ما زاد على أن تلعّب بك تلعّبا!! قال: واللَّه ما وجدت غير ذلك.

جهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للفتح

ولمّا ولّى أبو سفيان راجعا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة رضي اللَّه عنها: جهّزينا وأخفي أمرك. وقال عليه السلام: اللَّهمّ خذ من قريش الأخبار والعيون حتى نأتيهم [ (٢) ] بغتة، [وفي رواية: اللَّهمّ خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة، ولا يسمعون بي إلا فجأة] .

وأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنقاب [ (٣) ] ، وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يطوف عليها ويقول: لا تدعوا أحدا يمرّ بكم تنكرونه إلا رددتموه. وكانت الأنقاب مسلمة، إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفّظ به ويساءل عنه.


[ (١) ] إساف ونائلة من أصنام المشركين.
[ (٢) ] في (خ) «تأتيهم» .
[ (٣) ] الأنقاب: جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين.