للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وأما ما كان من الأمور الدنياوية كالمساحة، والكتاب، والحساب]

فمعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مستعينا بغيره في كثير منها، بل صرح في ذلك بكونهم أعرف بها منه، فيما

روى أنه لما ورد المدينة وجد أهلها يأبرون نخيلهم فقال: ما أرى أن ذلك ينفع فتركوه، فتبين نقص ثمارهم في تركه، فعاودوه، فقال: ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، وأنا أعلم بأمور آخرتكم [ (١) ] .

واعترض العلامة شرف الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد المرسي، على الراغب في هذا المثال، فقال: هذا الأمر من الأمور التي لا يستشار فيها، لأنها راجعة إلى ما أجرى اللَّه- تعالى- العادة فيها، فمن لم يعلم جري العادة في أن الثمار إذ لم تؤبر يسقط ثمرها، فإن الإبار لا ينفع، ومن علم جري العادة فيها قال: إن ذلك نافع، وإذا كان كذلك فلا معنى للاستشارة في ذلك، وإنما صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لم يعلم جري العادة في ذلك

قال: ما أرى أن ذلك ينفع، ثم قال لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم،

قلت: والراغب يبعد من الصواب، فإن منعه لهم من الثابت، إن لم يكن رأيا أشار به فإنه في معناه، بدليل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع عن قوله الأول في المنع، وأقرهم على التأبير ولو لم يكن منعه لهم أشار به، لما رجع عنه.

قال الراغب: وعلى هذا ما يتعلق بأمر الحرب، مثل تهييجها تارة، وتليينها أخرى، والمن والافتداء تارة [ (٢) ] ، ولذلك لما هم صلّى اللَّه عليه وسلّم بمصالحة عيينة بن حصن على ثلث ثمار المدينة، قيل له: إن كان ذلك بوحي فسمعا وطاعة، وإن


[ (١) ] أبر النخل والزرع يأبره ويأبره أبرا وإبارا وإبارة. وأبره أصلحه، وتأبير النخل تلقيحه، ويقال: نخلة مؤبرة مثل مأبورة، والاسم منه الإبار على وزن الإزار. (لسان العرب) :
٤/ ٤- ٣ مختصرا.
[ (٢) ] إشارة إلى قوله- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد: ٤] .