للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: من اختارت من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟

وفيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يحصل، كما لو خير غيره زوجته، ونوى تفويض الطلاق إليها، فاختارت نفسها، وأصحهما: لا يحصل، لقوله- تعالى-: فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (١) ] ولو حصل الفراق باختيارها لما كان للتسريج معنى، لأنه تخيير بين الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفراق باختيار الدنيا، كما لو خير واحد من الأمة زوجته فاختارت الفراق.

وفي السراح الجميل تأويلات: أحدها: أن تطلق دون الثلاث، والثاني:

أن يوفي فيه المهر والمتعة، والثالث: أنه الصريح من الطلاق دون الكناية، والرابع: حكاه ابن القشيري في (تفسيره) ، وهو أن يكون في مستقبل العدة في طهر لم يجامع فيه.

قال الماوردي: هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة؟ أو بين الطلاق والمقام؟ فيه قولان للعلماء، أشبههما بقول الشافعيّ الثاني، ثم قال: إنه الصحيح، فعلى الأول لا شيء حتى تطلق، وعلى الثاني فيه وجهان: أحدهما:

أن تخييره كتخيير غيره، يرجع فيه إلى نيته ونيتها، وثانيها: أنه صريح في الطلاق لخروجه مخرج التغليظ.

وعن أبي عباس الروياني حكاية وجهين، في أن قولها: اخترت نفسي، هل يكون صريحا في الطلاق؟ حكاهما الرافعي عنه، والظاهر أنه ما حكاه الماوردي، فإن قلنا: تحصل الفرقة بالاختيار أو بوقوع الطلاق فطلقها دون الثلاث، ففي كونه رجعيا كما في حق غيره، أو بائنا تغليظا، لأن اللَّه- تعالى- غلظ عليه في التخيير، فيغلظ عليه الطلاق، وجهان: أحدهما: لا يكون السراح جميلا، وثانيهما: نعم لاختيارها الدنيا على الآخرة، فلم تكن من


[ (١) ] الأحزاب: ٢٨.