للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة الثانية عشر: أنه يجب على أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحبوه

قال اللَّه- تعالى-: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [ (١) ] ، قال القاضي عياض: يكفي بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ قرّع تعالى من كان ماله، وأهله، وولده، أحب إليه من اللَّه ورسوله، وأوعدهم بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، ثم [فسقهم] [ (٢) ] بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده اللَّه [ (٣) ] .


[ (١) ] التوبة: ٢٤.
[ (٢) ] في (الأصل) : «خشعهم» وصوبناها من (الشفا) .
[ (٣) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : ٢/ ١٤- ١٥، الباب الثاني في لزوم محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الملا على القاري في (شرح الشفا) : واعلم أن المراد بالحب هنا ليس الحب الطبيعي التابع لهوى النفس، فإن محبة الإنسان لنفسه من حيث الطبع أشد من محبة غيره، وكذا محبة ولده ووالده أشد من محبة غيرهما، وهذا الحب ليس بداخل تحت اختيار الشخص، بل خارج عن حد الاستطاعة، فلا مؤاخذة به لقوله- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها بل المراد الحب العقلي الاختياري، الّذي هو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، وإن كان على خلاف الطبع، ألا ترى أن المريض يكره الدواء المر بطبعه، ومع ذلك يميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله، لما علم أو ظنّ أن صلاحه فيه؟.
وكذلك المؤمن إذا علم أن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح دينه، ودنياه، وآخرته، وعقباه، وتيقن أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشفق الناس عليه وألطفهم إليه، وحينئذ يرجح جانب أمره بمقتضى عقله على أمر غيره، وهذا أول درجات الإيمان.
وأما كماله: فهو أن يصير طبعه تابعا لعقله في حبه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قيل: ومن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم نصر سنته، والذب عن شريعته، والاقتداء بسيرته صلّى اللَّه عليه وسلّم. (شرح الشفا) : ٢/ ٣٤.