للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بموضع ناقته لما فقدت وإخباره بما قال المنافق في ذلك

فقال الواقدي [ (١) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن ابن رومان، ومحمد ابن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قالا: فقدت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء من بين الإبل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت- وكان منافقا وهو في رفقة قوم من الأنصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير-، فقال: أين يذهب هؤلاء في وجه قالوا: يطلبون ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ضلت، قال: أفلا يخبره اللَّه بمكان ناقته؟ فأنكر القوم ذلك عليه فقالوا: قاتلك اللَّه يا عدو اللَّه، نافقت!.

ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: واللَّه لولا أني لا أدري ما يوافق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرمح يا عدو اللَّه، فلما خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء، فوقعوا به جميعا وقالوا: واللَّه، لا يكون منك سبيل أبدا ولا يظلنا وإياك ظل أبدا ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا ساعة من نهار، ثم وثب هاربا منهزما منهم أن يقعوا به ونبذوا متاعه فعمد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به وقد جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر ما قال: من السماء.

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والمنافق يسمع أن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا يخبره بمكانها؟ فلعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة! ولا يعلم الغيب إلا اللَّه وأن اللَّه- تعالى- قد أخبرني بمكانها وأنها في هذا الشعب مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فأعمدوا عمدها فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

فلما نظر المنافق إليها قام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذ هم جلوس لم يقم رجل من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منا!


[ (١) ] (مغازي الواقدي) : ٢/ ٤٢٣- ٤٢٥.