للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر، فوضع يده عليه في الصفحة، ثم قال: كلوا بسم اللَّه، فأكلنا- والّذي بعثه بالحق- حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا، وإذا التمرات كما هي! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أني أستحيي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة عن آخرنا، وطلع غليم من أهل البلد، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التمرات بيده فدفعها إليه، فولى الغلام يلوكهن [ (١) ] .

وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لذي البجادين أن يحرم اللَّه تعالى دمه على الكفار فمات حتف أنفه مع عزمه على القتل في سبيل اللَّه

فقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: وكان عبد اللَّه ذو البجادين [ (٢) ] من مزينة وكان يتيما لا مال له، مات أبوه فلم يورثه شيئا، وكان عمه ميّلا [ (٣) ] فأخذه وكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، كانت نفسه تتوق إلى الإسلام، ولا يقدر عليه من عمه، حتى مضت السنون والمشاهد كلها، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد اللَّه لعمه: يا عم إني قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فأذن لي في الإسلام، فقال: واللَّه لئن اتبعت محمدا لا أترك بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا نزعته منك حتى ثوبيك، فقال عبد العزى وهو يومئذ اسمه:

وأنا واللَّه متبع محمدا ومسلم، وتارك عبادة الحجر والوثن وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره، فأتى أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر، ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان- جبل بالمدينة- فاضطجع في المسجد في السحر،

ثم صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم


[ (١) ] (مغازي الواقديّ) : ٣/ ١٠٣٦- ١٠٣٧.
[ (٢) ] البجاد: الكساء الغليظ الجافي.
[ (٣) ] ميلا: ذا مال. ٣