للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم بالفتن [ (١) ] قبل كونها

فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة [ (٢) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لقد خطبنا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله إن


[ (١) ] الفتن: جمع فتنة، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب كقوله- تعالى-: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله- تعالى- أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وعلى الاختبار كقوله- تعالى-: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، قال- تعالى-: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، ومنه قوله- تعالى- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحى إليك.
وقال أيضا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من اللَّه ومن العبد، كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات: فإن كانت من اللَّه- تعالى- فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر اللَّه فهي مذمومة، فقد ذم اللَّه الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله- تعالى- وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وقوله- تعالى-: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ وقوله- تعالى-:
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ وكقوله- تعالى-: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ.
وقال غيره: أصل الفتنة: الاخبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آئل إليه، كالكفر، والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور، وغير ذلك. (مفردات القرآن) : ٣٧١- ٣٧٢ مختصرا.
[ (٢) ] (فتح الباري) : ١١/ ٦٠٤، كتاب القدر، باب (٤) وكان أمر اللَّه قدرا مقدرا حديث رقم (٦٦٠٤) .