للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل وقال: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه ويكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

وقال الأزهري: معناه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه اللَّه إليه. والمكافأة: المجازاة على الشيء.

فصل في ذكر شمائل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخلاقه

قال اللَّه تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (١) ] قال ابن سيده: والخلق والخلق الخليقة، أعني الطبيعة، وفي التنزيل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، والجمع أخلاق، وتخلق بخلق كذا: استعمله من غير أن يكون موضوعا في فطرته، وفي قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثلاثة أقوال: أحدهما: دين الإسلام، قاله عبد اللَّه ابن عباس ومجاهد، والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن وعطية العوفيّ، وسئلت عائشة رضي اللَّه عنها عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن، تعني كان على ما أمره اللَّه به في القرآن، واختار هذا القول الزّجاج.. والثالث:

أنه الطبع الكريم، وهذا القول هو الظاهر، وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، وسمي خلقا لأنه يصير كالخلقة في الإنسان.

وأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخير، فيكون الخلق هو الطبع المتكلف، والخير هو الطبع الغريزي، وقد اجتمع في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكارم الأخلاق، وشهد له به تعالى بالحكمة البالغة، والأخلاق السمية الرفيعة، والمنازل العلية الرصينة.

قال أبو القاسم: سمي خلقه عظيما، لأنه لم تكن له همة سوى اللَّه تعالى.

وقال لأنه امتثل أمر ربه في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (٢) ] .

وخرّج البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن الزبير في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ، قال: أمرني ربي أن آخذ [ (٣) ] العفو من أخلاق الناس.


[ (١) ] الآية ٤/ القلم.
[ (٢) ] الآية ١٩٩/ الأعراف.
[ (٣) ] (سنن أبي داود) ج ٥ ص ١٤٣ حديث رقم ٤٧٨٧.