للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في ذكر اجتهاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طاعة ربه ومداومته على عبادته

خرّج البخاري من حديث حيوة عن أبي الأسود، سمع عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم الليل حتى تتفطر [ (١) ] قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ فلما كثر لحمه صلّى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع [ (٢) ] .


[ (١) ] تتفطر: تتشقق
[ (٢) ] (فتح الباري) ج ٨ ص ٧٥١، كتاب التفسير، سورة (٤٨) : باب (٢) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً حديث رقم (٤٨٣٧) .
وحيوة: هو ابن شريح المصري. وأبو الأسود: هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عروة، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه مدنيون. قوله: «فلما كثر لحمه» ، أنكره الداوديّ وقال:
المحفوظ «فلما بدن» أي كبر، فكأن الراويّ تأوله على كثرة اللحم.
وتعقبه أيضا ابن الجوزي فقال: لم يصفه أحد بالسمن أصلا، ولقد مات صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين، وأحسب بعض الرواة لما رأى «بدن» ظنه كثر لحمه، وليس كذلك، وإنما هو بدن تبدينا أي أسنّ، قاله أبو عبيدة.
قال الحافظ ابن حجر: وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر، فإنه يكون من جملة المعجزات، كما في كثرة الجماع، وطوافه في الليلة الواحدة على تسع وإحدى عشرة، مع عدم الشبع وضيق العيش، وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع، وبين وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الأكل؟
وقد أخرج مسلم من طريق عبد اللَّه بن عروة، عن عائشة قالت: «لما بدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وثقل كان أكثر صلاته جالسا» ، لكن يمكن تأويل قوله: «ثقل» ، أي ثقل عليه حمل لحمه، وإن كان قليلا لدخوله في السن.
قوله: «صلّى جالسا، فإن أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع» في رواية هشام بن عروة عن أبيه، «قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع» ، أخرجاه.
وأخرجا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة بلفظ، «فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأها وهو قائم ثم ركع» .
ولمسلم من طريق عمرة عن عائشة: «فإذا أراد أن يركع قام فقرأ قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية» .
وقد روى مسلم من طريق عبد اللَّه بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيه: «وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد» . وهذا محمول على حالته الأولى قبل أن يدخل في السنّ جمعا بين الحديثين. (المرجع السابق) : ٧٥٢.