للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبائل قريش كلها، وأحاطوا به وهو يطوف بالبيت ويصلى، حتى كادت أيديهم أن تخبط به أو تلتقي عليه، فصاح أبو بكر: أتقتلون رجلا أن يقول ربى اللَّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟

فقال: دعهم يا أبا بكر، فو الّذي نفسي بيده، إني بعثت إليهم بالذبح، فتفرجوا عنه. فكانت فتنة شديدة وزلزال شديد، فمن المسلمين من عصمه اللَّه ومنهم من افتتن.

[أول من جهر بالقرآن ومن رجع عن الإسلام]

ويقال: أول من جهر بالقرآن عبد اللَّه بن مسعود فضرب. ورجع عن الإسلام خمسة وهم: أبو قيس بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة بن الأسود، والوليد بن الوليد بن المغيرة.

[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

فلما اشتد البلاء أذن اللَّه لهم في الهجرة إلى الحبشة، فكان أول من خرج من مكة فارا بدينه إلى الحبشة: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتبعه الناس.

فخرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة متسللين حتى انتهوا إلى الشعيبة [ (١) ] ، منهم الراكب والماشي، فوفّق لهم ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار. وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه: عن قبيصة بن ذؤيب أن أبا سلمة ابن عمة رسول اللَّه أول من هاجر بظعينته [ (٢) ] إلى أرض الحبشة.

وقيل: أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك، وذلك في رجب سنة خمس من المبعث، وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة، فأقاموا شعبان وشهر رمضان وبلغهم أن قريشا أسلمت، فعاد منهم قوم وتخلف منهم قوم. فلما قدم الذين قدموا إلى مكة بلغهم


[ (١) ] الشعيبة: مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز وهو كان مرفأ مكة ومرسى سفنها قبل جدة.
(معجم البلدان ج ٣ ص ٣٥١) .
[ (٢) ] الظعينة: الراحلة يرتحل عليها. والهودج. والزوجة (المعجم الوسيط ج ٢ ص ٥٧٦) .