للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن إسلام أهل مكة كان باطلا، فدخلوا مكة في شوال سنة خمس من النبوة، وما منهم من أحد إلا بجوار أو مستخفيا.

وأقام المسلمون بمكة وهم في بلاء، فخرج جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وجماعات- بلغ عددهم بمن خرج أولا اثنين وثلاثين- فآواهم أصحمة النجاشي ملك الحبشة وأكرمهم.

[بعثة قريش لإرجاع المسلمين من الحبشة]

فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد اللَّه بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وعمرو بن العاص، بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك، فشفعوا إليه بقواده فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه أن هؤلاء يقولون في عيسى عليه السلام قولا عظيما: يقولون إنه عبد.

فأحضر المسلمين إلى مجلسه وزعيمهم جعفر فقال: ما تقولون في عيسى؟

فتلا عليه جعفر سورة كهيعص [ (١) ] فلما فرغ أخذ النجاشيّ عودا من الأرض وقال: ما زاد هذا على ما في الإنجيل ولا هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم شيوم [ (٢) ] بأرضي من سبّكم غرّم، وقال لعمرو وعبد اللَّه: لو أعطيتموني دبرا من ذهب (يعني جبلا من ذهب) ما سلمتهم إليكما. ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا بشرّ خيبة [ (٣) ] .


[ (١) ] أول سورة مريم عليها السلام.
[ (٢) ] شيوم: كلمة حبشية معناها آمنون.
[ (٣) ] وقد أورد الحافظ أبو نعيم الأصبهاني هذا الخبر مفصلا في (دلائل النبوة) ج ١ ص ٢٤٣ حديث رقم (١٩٣) ، حيث قال:
حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عمر بن خالد الحراني قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزّبير في خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، قال:
فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السّهميّ، وأمروهما أن يسرعا السّير حتى يسبقاهم إلى النجاشيّ، ففعلا، فقدما على النجاشيّ فدخلا عليه، فقالا له: إن هذا الرجل الّذي بين أظهرنا، وأفسد فينا، تناولك ليفسد عليك دينك، وملكك وأهل سلطانك، ونحن لك ناصحون، وأنت لنا عيبة صدق، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف، ويأمن تاجرنا عندك فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك، وهؤلاء نفر من أصحاب الرجل الّذي خرج فينا، ونخبرك بما نعرف من خلافهم