للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتديّن به قبل أن يوحي إليه

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رويم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول ما نهاني ربي عن عبادة الأصنام وعن شرب الخمر وعن ملاجأة الرجال [ (١) ] .

قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل رحمه اللَّه: من قال أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل مما ذبح على النصب؟.

وقد خرج البيهقي من حديث يونس بن شبيب عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر عثمان بن أبي سليمان عن نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على دين قومه وهو يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من اللَّه عزّ وجل له. قال البيهقي: قوله على دين قومه معناه: على ما كان قد بقي فيهم من إرث إبراهيم وإسماعيل في حجهم ومناكحهم وبيوعهم دون الشرك، فإنه لم يشرك باللَّه قط. وفيما ذكر من بغضه اللات والعزى دليل على ذلك [ (٢) ] .

وقال أبو نعيم: وما أضيف إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الذبح على النّصب خلاف ما كانت قريش تذبحه، لأن قريشا تذبحه عند الآلهة تقربا وتدينا وهو شرك وكفر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عصمه اللَّه من هذا، ويجوز أن يكون هذا الفعل في موضع ذبائحهم، فيكون القربان للَّه، كما لو صلّى إنسان من المسلمين في كنيسة صلاة الإسلام جاز، وهو في الظاهر مستقبح، ويحتمل أن يكون يحضر مذابحهم مداريا لأعمامه وعماته كما رواه ابن عباس رضي اللَّه عنه في قصة عيد بوانة على ما تقدم ذكرنا مع طمأنينة قلبه للإيمان وبغضه لأنصابهم وأعيادهم كما روينا، مع أن بعض الناس من أهل العلم كان يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على دين قومه في أكل ذبائحهم


[ (١) ] تلجّأ من القوم: انفرد عنهم وخرج عن زمرتهم وعدل إلى غيرهم. وفي حديث كعب: «من دخل ديوان المسلمين ثم تلجّأ منهم فقد خرج من قبة الإسلام» (المعجم الوسيط) ج ٢ ص ٨١٥.
[ (٢) ] (دلائل البيهقي) : ٢/ ٣٧.