للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكِن السَّبَب فِي ذلك أنهُ أتى فِي السنة التَّاسعةِ أو العاشرةِ بعدَ أنِ استقرَّ الإِيمان فِي القلوبِ، فلا حاجة إِلَى أن تُدَرَّج النفوس من مرحلة إِلَى مرحلة.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كيف نَجْمَعُ بينَ حديثِ ابنِ عبَّاس: "إِنَّ اللهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيَكُمْ فِي الحَضرِ أَرْبَعًا وِفي السَّفَرِ رَكعَتَيْنِ" (١)، وبينَ حديثِ عائشةَ؟

قُلْنَا: أنا لا أَدري صِحَّة هَذَا الحديثِ، وَعَلَى فَرض صِحَّته وقد قالَه ابنُ عبَّاس، فحديثُ عائشةَ أصحُّ، فحديثُ عائشةَ: "أَوَّل مَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ" (٢) صَريح صحيح، وَعَلَى هَذَا فالجمعُ أنْ يُقالَ: فُرِضَتْ أربعًا ثُمَّ فُرضتْ ركعتينِ ثُمَّ قُسم إِلَى حَضَر وسفرٍ.

مسألة: هل يجوز التدريجُ فِي الأحكامِ لمِن يُسْلم؟

الظَّاهر لي أنهُ يجوزُ، وأن نأمرَه بالأهمّ فالأهم، مثلما أمر الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، مَعَ أنَّ الأحكام مستقرَّة. قَالَ: "أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ إِقَامُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ" (٣) مَعَ أنَّ كُلّ هذه كانتْ


(١) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (٦٨٧).
(٢) رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب التاريخ من أين أرخوا التاريخ، حديث رقم (٣٧٢٠)؛ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (٦٨٥).
(٣) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تبارَكَ وَتَعَالى، حديث رقم (٦٩٣٧)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث رقم (١٩)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولفظ مسلم: لما بعث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس".

<<  <   >  >>