للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسُوءِ العاقبةِ للعُصَاةِ والفاسقينَ، وهَذَا مِنَ الحِكْمَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ أهلُ الخير للدعوةِ إِلَى اللهِ سبحانه وتعالى وبَيَان الحقّ وبَيَان العاقبةِ الحميدة لمن تَمسَّكَ بدينِ اللهِ؛ لأجل أنْ يَكْثُرَ ثوابُهم ولأجلِ أنْ يَدْخُلَ النَّاس فِي دين اللهِ عنِ اقتناعٍ؛ لأني أتصوَّرُ أن النَّاس لو مثلًا وُجِدُوا عَلَى حالةٍ معيَّنةٍ فهم لا يُدْرِكُون هذه الحالة المعينة عَلَى حقيقتها؛ لِأَنَّهَا أمرٌ معتادٌ عندهم، وقد لا يَفهمون ما يَنْتُجُ عنها من خيرٍ أو من شرٍّ، لكِن عندما يُوغِلون فِي الشرّ وَينتَهُون إِلَى غايته، ثُمَّ يُبَيَّنُ لهم الحقّ ويَرجعون إليه، يَكُون هَذَا أحسنَ حالًا منَ الحالِ الأُولى، وهم الَّذِينَ وجدوا آباءَهم عَلَى شيءٍ فَمَشَوا عليه؛ لِأَنَّهُم الْآنَ سوف يأتون عنِ اقتناعٍ وعن محبَّة لهذَا الأَمْرِ الجديدِ الَّذِي بُيِّن لهم.

ولذلك الْآنَ -والحمدُ لله- هُنَاكَ بادرةٌ طيِّبة فِي جميعِ الأقطارِ الإِسْلاميَّة، وهي بادرةُ الرجوعِ إِلَى الإِسْلامِ عنِ اقتناعٍ، ولَا شَكَّ في ذلك، وهَذَا منَ الحِكْمَةِ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُقَدِّر مثل هذه الأُمُورِ المكروهةِ فِي الدينِ لأجلِ أنْ تكونَ غايةً لمِا هُوَ أحمدُ.

قوله: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} العليم معناه المتَّصِف بالعِلْم، والعلمُ كما حدَّه أهلُ الأصولِ: هُوَ إدراكُ الشَّيْءِ عَلَى ما هُوَ عليه إدراكًا جازمًا مطابقًا. ولَا شَكَّ أنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى له مِن هَذَا الوصفِ أَتمُّه وأعلاهُ، فَهُوَ عليمٌ عِلمًا مُطْلَقًا، لم يُسْبَق بجهلٍ ولم يُلحَق بنسيانٍ، ولا يحدُّ بحدٍّ. وعلم المخلوق مسبوق بالجهلِ وملحَق بالنسيانِ ومحدودٌ أيضًا، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، بِخلافِ علمِ اللهِ سبحانه وتعالى.

وهنا قُدِّمَ الحكيمُ عَلَى العليمِ، وأكثر ما يَرِد فِي القرآن تقديمُ العليمِ عَلَى الحكيمِ، فما هِيَ الحِكْمَةُ من تقديمِ الحكيمِ هنا عَلَى العليمِ؟

<<  <   >  >>