للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم يؤمنوا كالموتى، لو أتيتَ إِلَى ميتٍ وقلت: يا فلان، اعبدِ الله وآمِن بالرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - واتقِ الله، فإنه لا يَنتفِعُ، كالحجَر لا ينتفع، ولَا شَكَّ أنَّ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قرَّر الحَقِّ عَلَى الَّذِينَ أُلقوا في قَليب بدرٍ وقال لهم: "هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا" (١)، وقال: "لسْتُمْ بِأسْمَعَ لمِا أَقُولُ مِنْهُمْ" (٢) لكِن هَذا عَلَى سبيلِ التوبيخِ، لا عَلَى سبيل الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مهما كَانَ لا يمكن أنْ يُجيبوا فِي هَذِهِ الحالِ إجابةَ دعوةٍ.

ولهَذَا فالكافرُ لا يَنتفع انتفاعَ ثوابٍ بما يسمع عند قبرِهِ من تلاوةٍ أو ذِكر، وبه نَعرِف بدعة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ابتدعوا القراءة عَلَى القبورِ، يَظُنُّون أن الميِّت يَنتفع، فنَقُول: لا يمكن أن ينتفعَ انتفاعَ الثوابِ، أَمَّا انتفاع تَخْفِيف عِقاب فهَذَا ربما يَنْفَع، لكِن لما لم يَرِدْ؛ فصار منَ البِدَع، وإلّا فهم يزعمون أن ذلك يخفِّف العذاب؛ لِأَنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الجريدتين: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُما مَا لَمْ يَيْبَسَا" (٣)، وقَالُوا: إن العِلَّة فِي ذلك أَنَّهَا قبل اليُبْسِ تُسَبِّح الله، فيُخَفَّف عنه لكونِهِ يُسَبَّحُ عندَ قَبْرِهِ، ولكِن هَذَا لَيْسَ بصحيح.

إِذَنْ: قوله: {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} يَحتمِل أن يُراد بالموتَى هنا مَوْتَى القلوب، وحينئذٍ فالآيَةُ لَيْسَ فيها تشبيهٌ، أو أَنَّهُم مَوتَى الأجسامِ، فيَكُون هَؤُلَاءِ مُشَبَّهِين بالموتَى.


(١) رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النَّار عليه، حديث رقم (٢٨٧٤)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، حديث رقم (٣٧٥٧)؛ ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النَّار عليه، حديث رقم (٢٨٧٤)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنهما -.
(٣) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب عذاب القبر من الغيبة والبول، حديث رقم (١٣١٢)؛ ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدَّلِيل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، حديث رقم (٢٩٢)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>