للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحوال المسلمين في بلغاريا

عماد الدين بكري إسماعيل

ساءت حالة المسلمين في كثير من بلدانهم بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط

الدولة العثمانية، واستُعْمِرَ الكثير منها إن لم نقل كلها، وازدادت الحالة سوءاً بعد

الحرب العالمية الثانية وبشدة في مناطق الأقليات، ومن البلدان التي تعرض فيها

المسلمون لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد حيث منعوا من إقامة شعائر دينهم، دولة

(بلغاريا) .

لمحة موجزة عن بلغاريا:

تقع بلغاريا في الجزء الشمالي الشرقي من شبه جزيرة البلقان، وتبلغ مساحتها

١١١٠٠٠ كيلو متر مربع، وسكانها ٩ ملايين نسمة وعدد المسلمين في بلغاريا

حوالي ثلاثة ملايين مسلم، أي ثلث سكان بلغاريا تقريباً.

والمسلمون هناك يتكلمون لغتين: التركية، وهؤلاء من أصل تركي سكنوا

بلغاريا مع أوائل الفتح العثماني لبلغاريا ١٣٩٦ م، والذي دام حتى عام ١٨٧٨ م،

وهم يشكلون ثلث السكان هناك.

والبلغارية: وهؤلاء السكان الأصليون، ويعرفون بـ (البوماك) وهي كلمة

بلغارية تعني الأنصار، فهم الذين نصروا العثمانيين وآزروهم عند فتحهم لبلغاريا

وكانوا في ذلك الوقت على دين الإسلام، ولذلك نجدهم يقولون ويُصِرُّون على أنهم

أسلموا قبل دخول العثمانيين بلغاريا بقرون، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقيموا دولة

لضعفهم، والله أعلم.

حال المسلمين في فترة الحكم الشيوعي ١٩٤٥ - ١٩٨٩ م:

حكم العثمانيون بلغاريا ما يقرب من خمسة قرون (٤٨٢ سنة) كان الحكم

الإسلامي في بدايتها واضحاً قوياً، ثم تدنى الحكم فيها كما تدنى في كثير من

المناطق التي شملها الحكم العثماني، إلى أن وصل مرحلة التفكك والاضمحلال في

القرن التاسع عشر الميلادي. وبخروج العثمانيين من تركيا ١٨٧٨ م (وهو ما يعبر

عنه البلغار بالاستقلال عن الإمبراطورية التركية) واجه المسلمون عقبات كبرى،

وضغوطاً شديدة من البلغار الذين يرون الدولة العثمانية مستعمِرة، فأخذوا يلفظون

كل ما خلفه الأتراك في بلدهم وأول ما أرادوا لفظه الإسلام والمسلمين الموجودين

في بلغاريا، لأن كلمة الإسلام عندهم تعني الأتراك وهم المستعمرون في نظرهم.

فضيق على المسلمين كثيراً، وازداد الضغط وبلغت الحملة ضد الإسلام ذروتها إبان

الحكم الشيوعي إذ أجبروا المسلمين وفي مناطق البوماك بالذات على تغيير أسمائهم، وهدمت كثير من المساجد وحول بعضها إلى متاحف كما هو الحال في مسجد

صوفيا الجامع الكبير ومسجد بلوبدف الجامع كذلك فكلاهما حول إلى متحف

يعرضون فيها كل ما يمت إلى تاريخهم بصلة متجاهلين تاريخ المسلمين، إذ لم

نشاهد في أي من المتحفين (المسجدين) شيئاً عن الإسلام إلا روعة المسجدين الذين

بُنِيا على الطراز التركي القديم.

وازداد الضغط سوءاً في أوائل السبعينات على الإخوة البوماك بالذات. وفي

الثمانينات أذاق الحكم الشيوعي المسلمين من أصل تركي الويلات مما اضطر الكثير

منهم إلى الرجوع إلى تركيا - التي لم يرها الكثير منهم - مفضلاً الوضع فيها على

هذا الضغط الذي يعانيه في بلغاريا، فاراً بدينه إلى منطقة أكثر أمناً وأقل اضطهاداً.

وممن ساعد الحكومة الشيوعية في الآونة الأخيرة في حكمهم وللأسف الشديد

ما أسموه بالمفتي الذي وضعته الدولة الشيوعية رقيباً لها على المسلمين إذ يأتيهم

بأخبار المسلمين، وعمله الأصلي ضابط مخابرات، وهو يتسمى باسم المسلمين،

ومن أبوين مسلمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فكانت حالة المسلمين إبان الحكم الشيوعي - يرثى لها، منعوا من تعليم

القرآن بل حتى من اقتناء المصحف إلا خفية، ومنعت النساء والفتيات من الحجاب، وصودرت المدارس الإسلامية التي حافظت على كيانها حتى بعد خروج الأتراك

وقبل الحكم الشيوعي، صودرت وحولت إلى نواد تجمع الشباب الشيوعي من

الجنسين، أو إلى أمكن للخياطة، أو إلى مرابط للخيول، إلى غير ذلك مما يسيء

إلى المسلمين.

وبعد مصادرة الدارين وتحويل بعض المساجد إلى متاحف وهدم بعضها،

تعطل التعليم وتعطلت الدعوة، فنتج عن ذلك جهل المسلمين الشديد بشعائر دينهم

وعقيدتهم والذي رآهم عن قرب يحس بذلك ويتألم له.

حال المسلمين اليوم:

بعد نهاية الحكم الشيوعي في ١٩٨٩ م، فرح المسلمون فرحاً شديداً بذلك

وتوجهوا إلى المساجد وعادت البشاشة إلى وجوههم، ورجعوا إلى مساجدهم القديمة

يرممونها ويصلحون من شأنها، ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن في المسجد في

الأمسيات وأيام عطلة نهاية الأسبوع، وأعادوا بعض المدارس وعاد الحجاب إلى

الشارع، وتقف أخي المسلم مدهوشاً كيف عاد المسلمون والحجاب بالذات بهذه القوة، إذ رأينا قرى في مناطق (مادان) وما حولها: كل نسائها وبناتها محجبات، في

الشوارع والأسواق والطرقات، وفي المدارس ... الخ. إنها عودة قوية صادقة

تحتاج إلى من يدعمها ويقف إلى جانبها.

أهم ما يحتاجه المسلمون بإلحاح:

إن هذه العودة الطيبة والإنابة الصادقة إن شاء الله تعالى تحتاج إلى ترشيد

وإنارة، فمما يؤدي إلى ذلك ويلبي رغبات المسلمين في بلغاريا أن يتولى المسلمون

المخلصون:

١ - إعادة بناء المدارس: مادياً، وذلك بإصلاح المدارس القديمة المتصدعة، أو إنشاء مدارس جديدة في مناطق يشكل المسلمون نسبة عددية كبيرة فيها.

وعلمياً: وذلك بإعداد منهج علمي وفق منهج أهل السنة والجماعة مترجماً

باللغتين التركية والبلغارية حتى يتسنى لهم الفهم السريع مع تزويدهم بالمعلمين

الأكفاء والتعهد بتغطية نفقاتهم، إذ إن عامة المسلمين هناك من الفقراء.

٢ - إنشاء داخليات (سكن داخلي) للطلاب الذين يأتون من خارج مدينة

المركز، مما يساعد على توطيد آصرة الأخوة والعمل الجماعي والذي به بعد توفيق

الله يكون إكمال البعض للبعض في جو إيماني أخوي.

٣ - إعادة ترميم المساجد القديمة وإنشاء الجديدة في مناطق التكتل مما يكون

له عظيم الأثر بإعادة دور المسجد للصدارة في بناء الشخصية المسلمة كما كان حاله

في صدر الإسلام، يخرج الدعاة والمجاهدين في آن واحد.

مناطق تكتل المسلمين واحتياجاتها:

١ - منطقة كيرجلي:

وهي في الجنوب الشرقي لبلغاريا وكل سكان المنطقة مسلمون، ويقدر عدد

المسلمين بها بحوالي ٢٠٠.٠٠٠ نسمة، يحتاجون إلى مدارس جديدة وترميم

القديم من المدارس والمساجد مع إنشاء مساجد جديدة في بعض المراكز والقرى

التابعة للمنطقة.

٢ - منطقة رازقراد:

تضم المسلمين في الشرق والشمال الشرقي لبلغاريا، وعدد المسلمين فيها يقدر

بحوالي ٢٥٠.٠٠٠ نسمة موزعين على مدن وقرى المنطقة وأهم مدن المنطقة

هي:

أ - مدينة (شومان) :

وتعداد المسلمين فيها حوالي ٥٠.٠٠٠ نسمة، وفي المدينة أضخم مسجد

وأجمله، بني قبل ثلاثمائة وخمسين سنة، وما زال يعمل، وبها مسجد آخر أقل

ضخامة من الأول.

وبها مدرسة النواب المشهورة وهي واحدة من ثلاث مدارس رُخِّص لها

بالعمل، عملت اثنتان منهن، والثالثة تحتاج إلى من يتكفل بها مادياً وعلمياً ومعنوياً، ومدرسة النواب هذه تحتاج إلى دعم كبير فهي مدرسة مهمة واقعة في منطقة زاخرة بالمسلمين وفي مدينة من أهم مدن بلغاريا.

ب - مدينة (روسى) :

وتقع في الشمال الشرقي مع حدود (رومانيا) وعدد المسلمين فيها حوالي

٤٠٠.٠٠٠ نسمة، تحتاج إلى مدرسين، مع العلم أن بها مدرسة ضخمة بحاجة

إلى إعادة تعمير وتأسيس، مساحتها (٢٥٠٠) متر مربع، فيها فصول الدراسة

وسكن الطلاب وتحتاج إلى جهد كبير حتى تقوم. وبالمدينة مسجدان يسدان حاجة

المسلمين الحالية.

ج - مدينة رازقراد (عاصمة الإقليم) :

عدد المسلمين بها ٢٥٠.٠٠٠ نسمة بها ثلاث مساجد، يعمل منها واحد فقط ...

والآخران بحاجة إلى صيانة وإعادة تعمير.

وتحتاج المدينة لمدرسة واحدة على الأقل لتغطية حاجة الطلاب بالمدينة

وضواحيها، ولابد من إنشائها إذ لا توجد بالمدينة مدرسة قديمة كغيرها من مدن

المسلمين.

٣ - منطقة (مادان) :

وهي من مناطق البوماك، وتقع جنوب بلغاريا قريباً من الحدود اليونانية،

وتعداد المسلمين بالمنطقة حوالي ٨٠.٠٠٠ نسمة، وتعدادهم بمدينة مادان نفسها ...

حوالي ١٥.٠٠٠ نسمة، وهي بحاجة ماسة إلى مركز يجمع مسلمي المنطقة

ومدرسة لتعليم أبنائها.

٤ - جوتس دلجف:

وهي من مناطق البوماك كذلك، وهي في الجنوب الغربي لبلغاريا وقريبة من

الحدود اليونانية كذلك. وسكان هذه المنطقة يقدرون بـ ٦٠.٠٠٠ مسلم وفي

المدينة نفسها حوالي ١٠.٠٠٠ مسلم بحاجة ماسة إلى مسجد كبير ومدرسة.

٥ - منطقة بلوبدف:

عاصمة بلغاريا الأولى، عدد المسلمين في هذه المنطقة أكثر من ٤٠ ألف

نسمة، بها مسجد ضخم بني عام ٨٧١ هـ الموافق ١٤٥٠ م تقريباً وما زال يعمل، وبها مسجد آخر جميل حوّله الشيوعيون إلى متحف، والمسلمون يحاولون

استعادته. ويحتاجون إلى مدرسة في الوقت الراهن لتحل ضائقة التعليم.

٦ - مدينة خاسكوفو:

تعداد المسلمين بها أكثر من ٢٥ ألف نسمة، فيها مسجد واحد يعمل، وثانٍ

أحرقه الشيوعيون وثالث هدم قبل عشر سنوات، وهم بحاجة إلى مدرسة حيث

يبلغ مرتادو المسجد يومي السبت والأحد من الأولاد أكثر من (٢٠٠) .

وهناك قرى تحتاج إلى مساجد صغيرة وأماكن لتحفيظ القرآن الكريم ترفق

بالمساجد أو منفصلة، في كثير من المناطق.

ولا يتسع المجال هنا لذكر كل هذه القرى بل بعض المدن التي تتبع المناطق

المذكورة آنفا.

هذه هو حال إخوانكم ببلغاريا فهلا مددنا يد العون لهم وأنقذناهم بتلبية

احتياجاتهم أو بعضها وأبرأنا ذمتنا أمام الله تعالى.