للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحة

[تحصين الأطفال]

د. محمد صايل أهليِّل

يعتبر الهدف الأول والأخير الذي يسعى له الطب دائماً هو الوصول بالمريض

إلى الحالة الطبيعية من سلامة الجسم، سواء بالعلاج الدوائي أو الجراحي عند

حدوث مرض ما أو دفع غائلة المرض عن الجسم السليم، ومنع حصولها بمختلف

الوسائل من نظافة عامة وحجر صحي، ومنع الاختلاط بالمصابين أو عن طريق

التحصين بإعطاء التلقيحات.

يكون - أحياناً - من الصعب علاج بعض الأمراض التي تصيب الأطفال،

لذا فإن المحافظة على سلامة الجسم السليم هي بنفس القدر من الأهمية - إن لم تكن

أكثر أهمية - من علاج الطفل المريض. نعم إن الطفل المريض يحتاج إلى

المعالجة، ولكن منع إصابة الطفل السليم بالمرض أهم، وذلك لأن المضاعفات التي

ربما تنجم قد تكون بسيطة أو شديدة، وقد تكون طارئة أو دائمة تلازمه طيلة حياته، وقد تشل بعض قدراته العقلية أو الحسية أو الحركية أو غيرها، لذا فإن المثل

القائل: درهم وقاية خير من قنطار علاج هو أصدق ما يمكن أن يقال في مثل هذا

الموضع من درء غائلة المرض بتحصين الطفل.

إن الطفل - بحكم صغر حجمه وعدم تعرضه مسبقاً للأمراض - وضعف

مناعته النسبي - أقل قدرة إذا ما قيس بالكبار، على مقاومة الأمراض التي قد تحل

به، لذا فإن بعض الأمراض أسرع انتشاراً وأشد خطراً على الأطفال منها على

الكبار.

إن أمراضاً كالتدرن الرئوي والخانوق (الدفتريا) والكزاز، والشاهوق (السعال

الديكي) وشلل الأطفال: من الأمراض التي قد تفعل الأعاجيب بالطفل إذا أصيب

بأحدها، لما تسببه من مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة، إضافة إلى صعوبة

علاجها وارتفاع كلفته. وإن نتائج مثل هذا العلاج غير مضمونة أحياناً، فالعلاج لا

يقدر أن يمنع حدوث المضاعفات الناجمة. لذا كان تحصين الأطفال باللقاحات

الخاصة بهذه الأمراض أسلم وأنجح السبل.

إن بعضنا قد تعود أن يرى أمراضاً كثيرة تنتشر بين الأطفال وكأنها أمر

حتمي لابد للطفل أن يمر به خلال سني عمره، أو كأنه مرحلة من مراحل نموه،

فالحصبة، والنكاف والحصبة الألمانية - بشكل أقل شيوعاً - تنتشر بين الأطفال

بشكل سريع جداً كأنها النار تدب في الهشيم خصوصاً الأطفال في سني الدراسة

الأولى، أما خطورة هذه الأمراض فهي بما تسببه من مضاعفات تكون أحياناً غاية

في الخطورة، فشيوعها وانتشارها بين الأطفال لا يعني انتفاء أضرارها بتاتاً. لذا

فإن اللقاحات الخاصة بها تمنع أيضاً انتشارها بين الأطفال، وتقلل من المضاعفات

الناجمة عنها.

إن اللقاحات تُعطَى للأطفال حسب خطة زمنية معينة، ويعاد تكرارها لبناء

مناعة كافية في جسم الطفل طول عمره مما يقلل من احتمال إصابته بالمرض الذي

حُصِّنَ ضده حال حدوث تعرضه لطفل مصاب، وتعطى اللقاحات حسب الجدول

الزمني التالي:

١ - لقاح التدرن الرئوي - يعطى خلال الأشهر الأولى خصوصاً في المناطق

التي ينتشر فيها المرض بشكل واسع.

٢ - لقاح الخانوق - الشاهوق - الكزاز: يعطى بالعضل على الشهر الثاني

ثم يعاد في الشهر الرابع، وتعطى جرعة ثالثة في الشهر السادس من العمر. يسمى

هذا اللقاح باللقاح الثلاثي. يعطى الطفل جرعتان منشطتان من هذا اللقاح على

العمر سنة ونصف، وأخرى على العمر بين ٤ - ٦ سنوات.

٣ - لقاح شلل الأطفال وهو يعطى عادة بالفم ولكن بنفس مواعيد اللقاح

السالف.

٤ - لقاح الحصبة - النكاف - الحصبة الألمانية: يعطى على عمر ١٥

شهراً مرة واحدة فقط.

بهذا يكون الطفل قد أكمل تحصينه ضد الأمراض الخطرة التي يمكن منع

حصولها خلال سني الطفولة الأولى.

هل لهذه اللقاحات من آثار جانبية؟

هذا ما قد يسأله البعض، والجواب: نعم، ولكن غالباً ما تكون الآثار الجانية

بسيطة ومؤقتة تظهر عادة كحمى لا تتجاوز ٣٦ ساعة أو بشكل ألم موضعي في

مكان الحقنة العضلية، أو ظهور طفح جلدي خفيف لا يستلزم علاجاً، أما بالنسبة

للمضاعفات الرئيسية فهي نادرة الحدوث وأن الضرر الناجم عن اللقاح أقل بكثير

من المضاعفات الناجمة عن الإصابة بالمرض نفسه إذا ما أصيب الطفل به.

إن هذه اللقاحات فعَّالة جداً، فهي تحصن الطفل من المرض بنسبة عالية قد

تصل إلى مائة بالمائة في بعض اللقاحات، لذا فإن تحصين الطفل ضد الأمراض

المذكورة حق للطفل على والديه، فلا يقصران في تأدية هذا الواجب.