للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتب

أقوال العلماء في كتاب

إحياء علوم الدين

اختيار: أم قتيبة

إن كتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي المتوفى سنة (٥٠٥ هـ)

رحمه الله وعفا عنه، وهو كتاب عرفه العامة والمثقفون والعلماء والجاهلون، وقد

كثرت فيه أقوال العلماء سلباً وإيجاباً، وقيل عنه بأنه يحتوي على أحاديث وآثار

ضعيفة بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم، وقد رأيت

أن أورد أقوال بعض العلماء في هذا، الكتاب:

١- الذهبي:

قال في (سير أعلام النبلاء) [١] :

(أما (الإحياء) ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير، لولا ما

فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً

نافعاً، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول -صلى الله

عليه وسلم- قولاً وفعلاً ... )

إلى أن قال معرضاً:

(وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضيات، وجوع الرهبان،

وخطاب طيش أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه

بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم) .

٢- ابن كثير:

قال في (البداية والنهاية) [٢] عن الغزالي:

(وصنف في هذه المدة كتابه (إحياء علوم الدين) وهو كتاب عجيب،

يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوّف

وأعمال القلوب، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب، ومنكرات، وموضوعات، كما

يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام، فالكتاب

الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمراً من غيره.

وقد شنَّع عليه أبو الفرج ابن الجوزي، ثم ابن الصلاح، في ذلك تشنيعاً

كثيراً، وأراد المازري أن يحرق كتابه (إحياء علوم الدين) وكذلك غيره من

المغاربة، وقالوا،: هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا، فإحياء علومه كتاب

الله وسنة رسوله، كما قد حكيت ذلك في ترجمة من (الطبقات) ولقد زيَّف ابن

شكر مواضع (إحياء علوم الدين) . وبيّن زيفها في مصنَّف مفيد، وقد كان الغزالي

يقول: أنا مُزْجى البضاعة في الحديث..) .

٣- ابن تيمية:

قال في (درء تعارض العقل والنقل) [٣]

(ذكر أبو حامد في كتاب الإحياء كلاماً طويلاً في علم الظاهر والباطن، قال: (وذهبت طائفة إلى التأويل فيما يتعلق بصفات الله تعالى، وتركوا ما يتعلق

بالآخرة على ظواهره، ومنعوا التأويل، وهم الأشعرية - أي متأخروهم الموافقون

لصاحب (الإرشاد) - قال: وزاد المعتزلة عليهم حتى أولوا كونه سميعاً بصيراً

والرؤية والمعراج وأنه لم يكن بالجسد، وأولوا عذاب القبر والميزان والصراط،

وجملة من أحكام الآخرة، ولكن أقروا بحشر الأجساد والجنة، واشتمالها على

المأكولات) .

قلت -أي ابن تيمية -،: تأويل الميزان والصراط، وعذاب بالقبر، والسمع

والبصر، إنما هو قول البغداديين من المعتزلة دون البصرية.

قال أبو حامد: وبترقّيهم إلى هذا الحدّ زاد الفلاسفة، فأولوا كل ما ورد في

الآخرة إلى أمور عقلية روحانية ولذات عقلية.

إلى أن قال: (وهؤلاء هم المسرفون في التأويل، وَحَدُّ الاقتصاد بين هذا

وهذا دقيق غامض لا يطَّلع - عليه - إلا الموفقون، الذين يدركون الأمور بنور

إلهي لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هم عليه، ونظروا إلى

السمع والألفاظ الواردة فيه، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف

أوَّلوه، فأما من يأخذ هذه الأمور كلها من السمع، فلا يستقر له قدم) .

قلت - أي ابن تيمية -: هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر ...

الرسول -صلى الله عليه وسلم- شيء من الأمور العلمية، بل إنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة. وهذان أصلان للإلحاد فإنَّ كل ذي مكاشفة إن لم يزنها بالكتاب والسنة وإلا دخل في الضلالات.

وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوي) [٤] في معرض كلامه في الصفات

والأسماء ونقضه كلام الفلاسفة:

(وأبو حامد في (الإحياء) ذكر قول هؤلاء المتأولين من الفلاسفة وقال:

إنهم أسرفوا في التأويل، وأسرفت الحنابلة في الجمود، وذكر عن أحمد بن حنبل

كلاماً لم يقله أحمد، فإنه لم يكن يعرف ما قاله أحمد، ولا ما قاله غيره من السلف

في هذا الباب، ولا ما جاء به القرآن والحديث، وقد سمع مضافاً إلى الحنابلة ما

يقوله طائفة منهم، ومن غيرهم من المالكية والشافعية، وغيرهم من الحرف

والصوت. وبعض الصفات مثل قولهم: إن الأصوات المسموعة من القراء قديمة

أزلية، وإن الحروف المتعاقبة قديمة الأعيان، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا ويخلو

منه العرش، حتى يبقى بعض المخلوقات فوقه، وبعضها تحته، إلى غير ذلك من

المنكرات. فإنه ما من طائفة إلا وفي بعضهم من يقول أقوالاً ظاهرها الفساد، وهي

التي يحفظها من ينفر عنهم، ويشنع بها عليهم، وإن كان أكثرهم ينكرها ويدفعها،

كما في هذه المسائل المنكرة التي يقولها بعض أصحاب أحمد ومالك والشافعي، فإن

جماهير هذه الطوائف ينكرها، وأحمد وجمهور أصحابه منكرون لها.

٤- ابن الجوزي:

قال في (تلبيس إبليس) : [٥]

وجاء حامد الغزالي فصنف لهم كتاب (الإحياء) على طريقة القوم، وملأه

بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون

الفقه، قال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم -صلوات

الله عليه- أنوار هي حُجُبُ -عز وجل-، ولم يرد هذه المعروفات! وهذا من جنس

كلام الباطنية!

وقال في (منهاج القاصدين) [٦]

واعلم أن في كتاب (الإحياء) آفات لا يعلمها إلا العلماء، وأقلها الأحاديث

الباطلة الموضوعة، والموقوفة وقد جعلها مرفوعة، وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه

افتراها، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع، والاغترار بلفظ مصنوع.

٥- محمد ناصر الدين الألباني:

قال في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) [٧] :

(وكم في كتاب (الإحياء) من أحاديث جزم بنسبتها إلى النبي - صلى الله

عليه وسلم - وهي مما يقول الحافظ العراقي وغيره فيها: لا أصل له) .


(١) ١٩/٣٣٩.
(٢) ١٢/١٨٠.
(٣) ٥/٣٤٧.
(٤) ١٧/٣٦٢.
(٥) ص ١٨٦.
(٦) المختصر ص ٣.
(٧) ١/١٨.