للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مقابلة مع الشيخ:

عبد الولي بن عاشور علي

من علماء المسلمين في أوزبكستان

إعداد: د. مالك إبراهيم الأحمد

انعتق المسلمون في الاتحاد السوفييتي من ربقة الهيمنة الروسية والسيطرة

الشيوعية التي جثمت على ديارهم واستنفدت خيرات بلادهم وحاولت اجتثاث الدين

من نفوسهم، وبدؤوا مسيرة جديدة وطويلة في إعادة الدين إلى النفوس، وإصلاح

البلاد بعد الخراب، ومن باب توطيد العلاقة مع الدعاة في هذه البلاد الإسلامية ذات

التاريخ الإسلامي المجيد، تلتقي البيان مع أحد الشيوخ من أوزبكستان ليلقي الضوء

على أحوال المسلمين هناك والتحديات التي تواجههم.

* في البداية نرجو من الضيف الكريم أن يعرف بنفسه

اسمي عبد الولي بن عاشور علي، ولدت عام ١٩٥٠ م في مدينة أنديجان في

جمهورية أوزبكستان، درست على يد الشيخ عبد الحكيم قاري والشيخ قاسم دملة،

حفظت القرآن الكريم في سن الخامسة والعشرين، ونظراً لقلة المعلمين فقد كنت

أدرس ولم أكن أدرس في نفس الوقت على نظام الحجرات، وأعمل الآن مدرساً

للعلوم الإسلامية في أوزبكستان، وأخطب في جامع أنديجان.

* وما هو نظام الحجرات؟

نظام الحجرات هو أسلوب التعليم الخفي أيام الشيوعية، حيث يتبرع بعض

المخلصين بجزء من بيوتهم لتعليم الأولاد القرآن والعربية وأصول الدين، بعيداً عن

أعين الشيوعيين، ويظل الطالب ما يقارب الأربع سنوات حبيساً داخلها أغلب

الزمن، حتى ينهي متطلبات الدراسة، وخريجو الحجرات هم أعمدة الدعوة

الإسلامية الحالية، حيث تربوا تربية جادة وقوية وحصلوا على الكثير من العلوم

الأساسية النافعة.

* وما هي الكتب التي كانت تدرس في تلك الفترة؟

لا يخفى عليكم شح الكتب وندرتها وخطورة اقتنائها في تلك الأيام، حيث

كانت تعتبر جريمة وخصوصاً إذا كانت كتباً حديثة كمؤلفات الأستاذ سيد قطب،

وقد كان الطلاب يحفظون القرآن ويقرؤون في كتب النحو المعروفة واللغة والأدب

مثل أدب الدنيا والدين للماوردي، وفي العقيدة كان كتاب العقائد النسفية معروفاً،

وكذا كتاب التوحيد لمحمد عبده، وذلك قبل أن يتضح للمشايخ ما فيها من أخطاء،

وفي الفترة الأخيرة وصل كتاب التوحيد للزنداني وهو جيد، بالإضافة إلى كتب

الحديث المعروفة.

* كيف كان وضع التعليم الديني في بلادكم أثناء الحقبة الشيوعية؟

بعد قيام الثورة الشيوعية قتل كثير من العلماء، وسجن الكثير وهرب إلى

الخارج البعض منهم، ولم يبق إلا القلة، وكان الأمر صعباً جداً في الفترة الأولى

حتى عام ١٩٥٠ حيث خرج بعض العلماء من السجون وبدؤوا حركة التعليم

بالطريقة السرية (الحجرات) بأعداد محدودة جداً حتى عام ١٩٧٠ تقريباً.

بعدها بدأت حركة التعليم تزدهر حتى بداية الثمانينات حيث أحس الشيوعيون

بالخطر، وبدؤوا حملة اعتقالات وتعذيب، وبالأخص من يوجد لديه كتاب من

الكتب الإسلامية الحديثة حيث يعتبر ذلك جريمة قصوى لأنه يدل في نظرهم على

اتصاله بالخارج، وخفت الأوضاع عندما ضعفت الدولة في آخر أيامها حتى سقطت

بحمد الله.

* ما هو الدور الذي قام به الشيوعيون من المسلمين؟

لا يخفى أن المرتد أشد كفراً من الكافر الأصلي، وهذا كان وضع الشيوعيين

المسلمين. كانوا شديدي الوطأة على أبناء دينهم، ينفذون توصيات أسيادهم من

الروس، ورغم ذلك كان الكثير منهم على ولائه للإسلام كهوية، ولا يرضى أن

يوصم بالكفر، ويحرصون على دفن موتاهم على الطريقة الإسلامية، وكان

أخطرهم أئمة مساجد ومسئولو الإدارات الدينية، فقد كانوا يوطدون للشيوعية،

ويراقبون المتدينين ويدعون للحكم الشيوعي، باعوا دينهم بعرض من الدنيا، عدا

طائفة قليلة كانت تدعو إلى الإسلام، وتقول الحق ولا تتهاون في دين الله.

* بعد انحسار الشيوعية ما هي أوضاع المسلمين الآن؟

بعد اندحار الشيوعية، تحرر المسلمون كغيرهم - وبدؤوا باستعادة مساجدهم

التي حول الكثير منها إلى متاحف بل وبارات ومستودعات، وكذا مدارسهم

ومراكزهم الإسلامية، وانتشرت موجة بناء المدارس والمساجد في كافة البلاد.

وأما من جهة المدارس الرسمية فما زالت نفس المناهج المنحرفة تدرس،

وهناك أفكار مطروحة لإعادة كتابة التاريخ الذي مسخه الشيوعيون وكذا اقتراح

بتدريس الدين في المدارس الحكومية، والإعلام ما زال كما هو، وإن اختفت لهجة

الهجوم على الدين وتشويهه، ويدعي الحكام انشغالهم بالجانب الاقتصادي للبلاد.

* ما هي الأحزاب التى نشأت في الجمهوريات الإسلامية؟

هناك حزب الحرية، وحزب الاتحاد وهو رسمي فقط في طاجكستان ومواقفه

في المعارضة قرية، وأما الأحزاب الإسلامية فيوجد حزب النهضة الإسلامي.

* حبذا لو أعطيتنا نبذة عن حزب النهضة؟

تأسس حزب النهضة مع قيام الإصلاحات في عهد جورباتشوف قبل حوالي

خمس سنوات، وقبل التقسيم وبعد التقسيم سعى إلى التسجيل في كل دولة، فهو

معترف به مثلاً في بعض الجمهوريات مثل أوزبكستان ويرأسه الشيخ عبد الله أوته، وكذا في طاجكستان وأيضاً في روسيا ويرأسه أحمد قاضي. والحزب له مجلس

شورى وللعلماء فيه دور فعال، ويركز على الجانب التعليمي بالدرجة الأولى،

وإنشاء المدارس، خصوصاً للبنات، وكذا بناء المساجد وتجهيز المكتبات الإسلامية، ويصدر بعض الصحف الإسلامية مثل (الدعوة) في أوزبكستان، (النجاة) في

طاجكستان و (الوحدة) في روسيا، وقام بطبع ونشر العديد من الكتب الرسائل

بالعربية وباللغات المحلية والحزب بحاجة ماسة للدعم بكافة أنواعه كي يقوم بالمهمة

الملقاة على عاتقه، وبالأخص توفير الكتب والمدرسين واستقبال الطلاب في

الجامعات الإسلامية في البلاد الإسلامية.

* هل مررتم بمشاكل طارئة؟

نعم، فقد اتهمنا بالوهابية في بلادنا وقام بعض الشيوخ المتعصبين والصوفية

ضدنا، وأثاروا العامة وحرضوهم علينا.

* ماذا كان موقفكم؟

استخدمنا أسلوب الرد الإيجابي، فقد تركناهم جملة، ونشطنا في نشر الأفكار

الإسلامية الصحيحة، ونجحنا بفضل الله، وقد عاد إلينا بعض من كان يتهمنا

ويعادينا.

* وهل الوهابية مذهب؟

لا، إنها دعوة تجديدية للشيخ محمد بن عبد الوهاب سار على خطا أسلافه من

الأئمة المعتبرين كابن تيمية وابن القيم، والأئمة المتبعين كابن حنبل.

* ما هي المشكلات التي تعانيها الدعوة في الداخل؟

- الصوفية: وهي قديمة في هذه البلاد، وأغلب المنتسبين إليها من العوام

الذين لا يفقهون من الدين شيئاً، فقط يعتمدون على أقوال شيوخهم.

- القومية: وقد ساهم الروس في تأصيلها بين المسلمين، ونسعى للقضاء

عليها عن طريق التعليم وخصوصاً بين الدعاة عن طريق التعارف والاجتماعات.

- العلمانية: وهي داء ينخر في المجتمعات الإسلامية، والحكام لدينا لا

يعلمون من الإسلام شيئاً مما يجعل بعضهم يدعو إلى تطبيقها، والطامة أن بعض

المنسوبين للعلم صرح بأن الإسلام لا يعني بالحكم وشؤونه.

- الاقتصاد: فالشيوعيون نهبوا خيرات بلاد المسلمين وأنشأوا بها المصانع

في روسيا وتركوا للمسلمين الفقر والتخلف.

* هل هناك تحديات من الخارج؟

- إيران: فلها نشاط محموم خصوصاً في طاجكستان حيث اللغة مشتركة

(الفارسية) وكذا في أذربيجان حيث الأغلبية شيعية، أما العامة لدينا (أوزبكستان)

فعداوتهم للشيعة ظاهرة، لكن المشكلة في بعض العلماء الذين يستدرجهم الشيعة.

- تركيا: وخطرها في محاولة نقل النموذج التركي العلماني للجمهوريات

الإسلامية وذلك بدعم وتوجيه من الولايات المتحدة.

- التنصير: حيث الأناجيل توزع مجاناً، ومن يتنصر يجد الرعاية والدعم،

وأكبر خطر في قرغيزيا حيث أكثر السكان لا يفهمون من الإسلام شيئاً حيث إن

لغتهم هي الروسية، فهم مهددون.

- اليهود: وهم موجودون في كل الجمهوريات، وإن هاجر أكثرهم فما يزال

لهم وجود مؤثر، ويحاولون السيطرة الاقتصادية على بلاد المسلمين ويقومون

كعادتهم بإثارة الفتن والمشكلات.

* هل كان للجهاد الإسلامي في أفغانستان أثر على المسلمين في الجمهوريات السوفييتية؟

نعم، وخصوصاً في طاجكستان حيث اللغة المشتركة، وفقد المسلمون الكثير

من أبنائهم ظناً منهم أن القتال كان لنصرة الحق ضد الثوار المجرمين، لكنهم

اكتشفوا حقيقة الأمر في نهاية المطاف، وتأثر الشباب المسلم الذين وقعوا في أيدي

المجاهدين من مواقفهم الطيبة، حيث أنهم أطلقوا سراح الكثيرين منهم بعد إشهارهم

الإسلام ونطقهم بالشهادتين.

* ما هو سبب سقوط الشيوعية؟

سقطت بسبب دماء الشهداء ودعوات المظلومين.

* مشاكل الأمة الإسلامية كثيرة ما هو العلاج؟

لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها.

* التعصب المذهبي موجود في كثير من بلاد المسلمين، ما توجيهكم في ذلك؟ ...

المذاهب الفقهية ثروة للأمة، فنحن نجل أئمة المذاهب ونحترمهم ونسير على

أقوالهم (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ولا نتعصب لأي منهم، بل التعصب للحق

فقط.

* هل هناك حركات إسلامية وافدة على بلدانكم؟

نعم هناك جماعة التبليغ، ولهم دور طيب ومحمود في انتشال الناس من

الفسق والانحراف، ونحن نكمل ما نقصهم، ونقوم بتربية الناس وتعليمهم.

في الختام: نشكر الضيف الكريم، ونسأل الله له ولإخوانه التوفيق والسداد

في مسعاهم.

ملاحظة: ويسر المنتدى الإسلامي استقبال تبرعات المحسنين وزكواتهم

لدعم المشاريع الإسلامية في أوزبكستان ونشر منهج أهل السنة والجماعة في تلك البلاد.