للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شعر

[صرخة من أحفاد صلاح الدين]

د. عبد الرحمن صالح العشماوي

أنا بينكم شعبٌ دمي مطولُ ... أُصغي وألسنةُ الرَّصاص تقولُ

أنا بينكم، أصلى بنار قذائفٍ ... وتُصاغ قصّةُ حسرتي، وتطولُ

أنا بينكم، شعبٌ يُقسَّمُ جهرةً ... والشمس في كبد السماءِ تجولُ

شعبٌ يُغذَّى بالأسى أطفالُه ... ويُشرَّدون وللنساءِ عَويلُ

أنا بينكم يا مسلمون سعادتي ... نُقِضَتْ، وحَبْلُ تعاستي مفتولُ

هذي الجراح، أما تحرَّك ساكناً ... فيكم، أما للغافلين عقولُ؟

ما زلتُ أحزم للجهاد حقائبي ... لكنني عن ساحتي معزولُ

أوَ ما ترون القومَ يدفع بعضُهم ... بعضاً إلَّي، فقاتلٌ وقتيلُ؟

خانوا صلاح الدين في أحفاده ... فأعزُّهم للغاصبين عميلُ

أوَّاه لو أبصرتم الطفل الذي ... أمسى، وهيكلُ عظمه مشلولُ

أوَّاه لو أبصرتم الأمَّ التي ... ماتت، ولا كفنٌ ولا تغسيلُ

هذا فتىً بالأمس هاجر خائفا ... مترقّباً، والاسمُ إِسماعيلُ

من أسرةٍ معروفة بصلاحها ... ما شابها زيف ولا تضليلُ

خرجوا من البيت القديم، أمامهم ... دربٌ من القصف العنيف طويلُ

رحلوا من البيتِ المهدَّم خمسةً ... والجوع قاسٍ، والطعام قليلُ

وصلوا إلى (زاخو) بغير أبٍ ولا ... أمٍّ فلم يَشف القلوبَ وصولُ

وصلوا وقد نقصوا وشُتِّت شملُهم ... وأصابهم بعد الصعود نزولُ

وصلوا إلى (زاو) فما وجدوا سوى ... كفَّ الصليب، غذاؤُها مبذولُ

وصلوا وأعينهم سؤال دامغٌ ... لو كان يدرك ما جرى المسؤولُ

أين الأحبة، يا صخورُ تحدثي ... هل من أخٍ يمحو الأسى ويُزيل؟ !

أين الأحبَّة، واستجاب منصَّرٌ ... لندائنا، في كفِّه الانجيلُ!

(هابيلُ) يرسم لوحةً من جرحه ... فمتى ينال جزاءه (قابيلُ) ؟ !

يا قومنا، إنَّا نرى جزَّارَنا ... وعليه من إِغضائكم إكليل

أو سنَّ هذا في الحياةِ (محمَّدٌ) ... أتلاه في قرآننا جبريلُ؟ !

يا إخوةً الإسلام، ساومنا على ... إيماننا مَنْ قلبُه مغلولُ

عُرضتْ قضيّتُنا وليس لمتنها ... شرحٌ يفيد، ولا له تذييلُ

يا إِخوةَ الإسلام، هذا ثوبُنا ... بدموعنا ودمائنا مبلولُ

عجباً، أتنتظرون أنْ تُمحى بكم ... أرضٌ، ويدعو الناسَ إسرافيلُ؟ !

عجباً، أتنتظرون أنْ يُلغى بكم ... في البحر، تعبثُ بالرؤوس ذيولُ؟ !

عجباً، وينطفئُ السؤال، وينمحي ... أثرُ الجواب، ويخطئُ التعليلُ

لا البدرُ أنشدنا الضياءً، ولا شدتْ ... فينا النجومُ، ولا استضاء دليلُ

كلاّ ولا روت الشموعُ حكايةً ... من نورها، أو أفصح القنديل

عذراً - أخا الإسلام - صوتك ظاهرُ ... لكنَّ سمع الغافلين ثقيلُ

شغلتْهم الأهواء عن أمجادهم ... فالَّشهمُ فيهم خائفٌ مخذولُ

عذراً - أخا الإسلام - إنَّا أمةٌ ... ما زال يقلب رأسها التطبيلُ

أجفانُ أمتنا تُكحَّل بالقذى ... أيراكَ جَفْنٌ بالقذى مكحولُ؟ !

أو ما رأيتَ رجالها قد هرولوا ... ووراءهم بالسَّوط (إسرائيل) ؟ !

كم أوَّلوا معنى السلام فأشرقتْ ... شمسُ الضحى فتهافت التأويلُ

يا مَنْ صلاحُ الدين منكم، لم أزلْ ... أرنو إليه، وسيفُه مسلُولُ

كسر الصليبَ وحرَّر الأقصى، فما ... عاش الصليبُ ولا استقرَّ دخيلُ

ما زلتُ أبصره يناجي ربَّه ... والنجمُ غافٍ، والهلالُ كليلُ

يدعو وقائمُ سيفه مُعْشَعوشبٌ ... بالمكرماتِ، وحدُّه مصقولُ

يدعو فتنتعشُ الدروب وينتشي ... (قدسٌ) ويفرح باللقاءِ (خليلُ)

يدعو فيُفْتَح كلُّ بابٍ مقفلٍ ... ويصُكُّ سمعَ الغافلين صهيلُ

ما زلتُ أبصره، وأبصر أمتي ... في عصرنا، وإزارُها محلولُ

فأكاد أخرج من ثياب عزيمتي ... وينالني بعد الثبات نُكولُ

عذراً - أخا الإسلام - إنَّ مشاعري ... نَهرٌ، خريرُ مياهه تبجيلُ

كم من أخٍ قتلوه ظلماً بينكم ... فكأّنما أنا، لا هو المقتولُ

هذا دليل أخوَّةٍ في الله لا ... يخفى ولا يتغيرُ المدلولُ

صبراً - أخا الإسلام - إنَّ نهارنا ... آتٍ يصول بنوره ويجولُ

طرقُ السياسة يا أخي معوَجةٌ ... كم ضاع فيها سائسٌ ودليلُ

الله مولانا ومولاكم وفي ... كَنَفِ المهيمن نصرُنا المأمولُ