للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقابلة مع: الشيخ أحمد قاضي

والشيخ محمد حاج

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي قام المسلمون في كافة الجمهوريات الوليدة

بالسعي لاستعادة هويتهم، وانبرى الدعاة والعلماء لأخذ دورهم الهام في إعادة الناس

إلى استئناف الحياة الإسلامية التي فصلوا عنها زماناً طويلاً، ومن جهود العلماء

المسلمين في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) تأسيس حزب النهضة الإسلامي، الذي يعد

أكبر تجمع للمسلمين. ونلتقي في هذه المناسبة برئيس الحزب الدكتور أحمد قاضي، ... ونائبه للعلاقات الخارجية الشيخ محمد حاج ليحدثونا عن الحزب خصوصاً، ...

وأوضاع المسلمين هناك عموماً.

حبذا لو تحدثونا عن إرهاصات إنشاء الحزب؟

مرت بالمسلمين - كما لا يخفى عليكم - أيام سوداء قاتمة زمن الشيوعية ...

اضطررنا خلالها للعمل السري للمحافظة على كياننا الإسلامي، وكان في مناطق

المسلمين أربع إدارات دينية للإشراف على شؤون المسلمين - زعموا - تحت

توجيه وإشراف المخابرات، وكان لكل إدارة مفتٍ منصّب (شيوعي) .

وعندما تحسنت الأوضاع - أيام البيروسترويكا - تحرك المسلمون ضد هذه

الدمى وأطاحوا بمفتي آسيا الوسطى شمس الدين بابا خان وكذلك مفتي داغستان

محمود حقي.

ثم تحرك الجميع لإنشاء الأحزاب القومية والعلمانية، وكذا أحزاب النصارى، مما دعا المسلمين إلى التداعي لإنشاء حزب يضم المسلمين ويخدم قضاياهم. فهب

العلماء والدعاة إلى الاجتماع في منتصف ١٩٩٠ وحضر ٢٢٠ مندوب من مناطق

المسلمين كافة، وقرروا إنشاء حزب النهضة الإسلامي في جميع أنحاء الاتحاد

السوفييتي (قبل تفككه) ، وتألف مجلس شورى من العلماء (١٧ عالماً) ولجنة تنسيق

(٧ أعضاء من مختلف المناطق) .

ما هي أهداف وبرامج الحزب؟ ...

الحزب إسلامي، وأهدافه نبيلة وتشمل أساساً توحيد المسلمين من كافة

مناطقهم، وكذلك تربيتهم على الأصول الإسلامية من الكتاب والسنة، والدعوة إلى

الالتزام بأوامر الدين واجتناب نواهيه. ومن ناحية أخرى العمل على رعاية حقوق

المسلمين السياسية والاجتماعية في المناطق التي يكونون فيها أقلية.

كيف تطورت أوضاع الحزب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؟ ... ...

في البدء كان لنا فروع في (٩) جمهوريات أكبرها طاجيكستان وأزبكستان،

واستطعنا إنشاء صحف في مختلف الجمهوريات مثل: (الدعوة) و (النجاة) ...

في أزبكستان و «بيان الحق» و «الوحدة» وغيرها في المناطق الأخرى.

وكذلك قمنا بتوزيع الكثير من النشرات الإسلامية. وبعد انهيار الاتحاد

السوفييتي، أصبحت الأحزاب ذات الصبغة العامة غير معترف بها، وبالتالي قمنا

بتسجيل الحزب في مختلف الجمهوريات تحت الاسم نفسه وتجمعها رابطة النهضة

الإسلامية، حيث سجل فيها (٧٠) ألف عضو من كافة مناطق الاتحاد السوفييتي

(سابقاً) .

هل للحزب أدوار سياسية؟ ...

قبل سقوط الاتحاد السوفييتي شارك الحزب في الانتخابات، وفي طاجكستان

شارك الحزب مع المعارضة القومية في الضغط على الحكومة ورئيسها (الشيوعي)

عن طريق الاضرابات والاعتصام حتى قدم الرئيس الكثير من التنازلات. وتعتقد

قيادة الحزب أن الوقت الآن للتربية وتوجيه الناس وانتشالهم من الجهل الذي يعانونه، أما الجانب السياسي فقادم في المستقبل إن شاء الله.

هل لكم أن تعطونا فكرة عن عدد أعضاء الحزب الآن، وواقعه؟ ...

لعلمكم فإن روسيا وعدد سكانها ما يقارب ١٥٠ مليون تحوي ما يقارب ٢٦

مليون مسلم يتركز بعضهم في مناطق تتميز بالحكم الذاتي - مثل داغستان التي

ننتمي إليها - ويتوزع الآخرون في روسيا نفسها، وعدد أعضاء الحزب في

داغستان فقط ثلاثة آلاف عضو، يجمعهم مجلس شورى من تسعة عشر عضواً،

وهم يمثلون مليوني نسمة من أهالي داغستان. ويعاني الحزب من آثار الشيوعية

الباغية حيث كل المساجد والمدارس مدمرة، ولك أن تتصور أن داغستان أيام

القيصرية كانت تحتوي ٢٧٠٠ مسجد و٨٠٠ مدرسة فضلاً عن آلاف العلماء الذين

قتلوا أو هربوا.

هل هناك أحزاب إسلامية أخرى؟

نعم يوجد حزب ديمقراطي إسلامي! ! وهو صوفي النزعة ويستخدمه

القوميون مطية لهم، وكذلك «جماعة المسلمين» وهم شافعية ملتزمون بالكتب

المذهبية ويصفون من يخالفهم - ممن يستفيدون من جهود الآخرين وبالأخص

المعاصرين - بأنهم وهابيون، وقد كان لهم جهود طيبة سابقاً في محاربة الشيوعية.

ما أخطر المشكلات التي تواجه الحزب الآن؟

في الحقيقة تعتبر اللغة مشكلة كبيرة، وعائقاً أمام أعمال الدعوة ولك أن

تتصور مليوني نسمة (في داغستان) يتكلمون (٣٣) لغة وبالتالي فاللغة الروسية هي

السائدة، أما العربية - التي كانت رسمية قبل أيام القياصرة - فإنها تستعيد دروها

تدريجياً، والإقبال على تعلمها كبير رغم قلة المعلمين والكتب الدراسية.

من ناحية أخرى تمثل العلمانية خطراً داهماً على المسلمين، وذلك بسبب

جهل العامة بالإسلام رغم حبهم وعاطفتهم تجاه هذا الدين أما طبقة المثقفين (أغلبهم

كانوا شيوعيين في السابق بسبب المصالح الدنيوية) فإنهم لا يعادون الدين، وفي

الوقت نفسه لا يعادون العلمانية لجهلهم بمقاصدها ومراميها وتبقي النخبة الباقية التي

يغلب عليها التوجه العلماني ومضادة الدين، والمدعومة من تركيا العلمانية بالخبراء

والمستثارين. وهذا مع قلة علماء الشريعة والدعاة المصلحين.

يعاني المسلمون - في عموم الجمهوريات الإسلامية - بعد سقوط الاتحاد السوفييتي مشاكل عديدة، هل لكم أن تلخصوا لنا أبرزها؟ ...

تعلمون أن المسلمين هم أكبر المتضررين في الوقت الحاضر فالمشاكل

الاقتصادية تعصف بهم من غلاء معيشة، وفقر ومرض، وكذلك المشكلات

الاجتماعية من خمور ومخدرات وملاه ومنكرات تملأ المجتمعات، وفي جانب

التعليم: الروسية هي اللغة التعليمية وهي إلزامية في المدارس، وفي الجانب

العسكري فإن الجمهوريات الإسلامية تعاني من قلة السلاح الذي ذهب كله إلى

روسيا وأوكرانيا، وما عدا كازخستان، وهي مجبرة على التخلص من أسلحتها

النووية، أما في الجانب السياسي فالمسلمون بين فكي كماشة؛ فمن جهة إيران

تتربص وتتتحين الفرص لنشر مذهبها؛ ومن جهة أخرى تركيا العلمانية التي تسعى

لنشر مبادئ أتاتورك - بتوجيه أمريكي غربي -، واليهود الذين استفادوا كثيراً من

الوضع المتردي والسيطرة على الكثير من المؤسسات الاقتصادية. والدول الغربية

تعمل بجد على نشر الإنجيل والتوراة في أوساط المسلمين - رغم علمهم بأن

بضاعتهم كاسدة - فنجد الترجمات بكافة اللغات المحلية والنشر على أوسع نطاق،

فضلاً عن المحاضرات والندوات.

الطوائف المرتدة عن الدين مثل البهائية والقاديانية تندّس وتزدهر في أوساط الجهل، فهل لهذه الطوائف وجود في بلادكم؟ ...

بالطبع، فالبهائية لها نشاط قوي ملموس وخصوصاً في موسكو وهم أكثر من

١٠٠٠ فرد، أما القاديانية فلهم دُور خير في روسيا وسيبريا ولاتفيا وروسيا

البيضاء، وهم يذهبون لجهلة المسلمين حيث يبنون لهم المساجد ويأتون لهم بالأئمة

من باكستان وانجلترا وبالتالي يجدون لمذهبهم رواجاً، وهذا يحمّل المسلمين

المخلصين المسؤولية، وبالأخص المقتدرين منهم، وأعتقد أن نشر الكتب باللغات

المحلية وكذا بالروسية (التي يتقنها أكثر المسلمين) سوف ينفع كثيراً في هذا المجال.

ختاماً نشكر الأخوين على المعلومات المفيدة التي عرضاها، ونضع الأمر بين

يدي المعنيين ليقوموا بدورهم في هذا المجال، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه،

والحمد لله رب العالمين.