للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[الهمة العالية]

محمد العبدة

من أشد ما تصاب يه أمة من الأمم أن يكون أفرادها ذوي همم ضعيفة،

وعزائم واهنة وتطلعات قاصرة، يرى أحدهم نفسه قزماً أمام المتغيرات الكبيرة،

والتحولات التاريخية، فلا يفكر في التغيير، ولا البدء في مشاريع مستقبلية، ومَنْ

هذا وصغه كيف يرجى له الشفاء إذا كان اعتقاده أنه لا يشفى، ذلك أنه أسير تربية

ذليلة، لم يقم يوماً يعمل مستقل أو بعمل تعاوني كبير، لم يتدرب يوماً على القيادة،

فإذا فجأة أمر تقوقع وانزوى لأنه لا يملك الخبرة لإدارته.

إن عدم الثقة بالنفس مرض يفتك بالدعوة ورجالها، فتعيش دهراً وهي لم

تفعل شيئاً ذا بال، وحتى إذا ما واتتها الظروف التي يهيئها الله سبحانه وتعالى

رحمة بعباده المؤمنين فإنها لا تقدم على اهتبالها، وذلك كله لعدم الثقة بالنفس، بل

تصاب بالدوار إذا نظرت إلى ما هو مطلوب منها أو ما ينتظره الناس منها، ومن

العجيب - والعجائب جمة - أن تتاح الفرصة أمام الدعوة فلا تقتنص، ثم لا يأتي

مثلها إلا بعد دهر.

إن الخروج من المأزق له منافذ، ومنها أن أرض الله واسعة لمن يريد

الانطلاق، ولمن يريد تأسيس أعمال كبيرة، والطاقات متوافرة ولكنها بحاجة إلى

عزمة أكيدة وثقة بوعد الله، ولقد بعث الله موسى عليه السلام ليخرج قومه من الذل

والاستعباد، إلى التمكين في الأرض، والاسترواح بشرع الله، ولكن نفوسهم كانت

ضعيفة صغيرة، لا تستطيع حمل مثل هذا العمل العظيم، وذلك لما أنسوه من

العبودية لفرعون وملئه، فتصاغرت نفوسهم وهانت عليهم حتى لم يعودوا يرون

أنها جديرة بمرتبة الاستخلاف في الأرض.

بينما نجد أن العربي الذي تلقى من التربية النبوية المباشرة، والذي لم يتلوث

بهاتيك المفاسد يحمل بين جوانحه من الآمال والطموحات ما يغريه على اقتحام

الأهوال وجوب البحار لتبليغ هذا الدين.

لا بد أن ينعتق الفرد المسلم من مثل هذه الأجواء التي تقيده وتشعره بضالته

وتشعره بأنه جزء صغير من آلة ضخمة، ومن عجلة تدور لا يستطيع الفكاك منها، لا بد أن يقتنع الفرد المسلم بأن عنده طاقات وقدرات يستطيع فيها القيام بأعمال

كبيرة.