للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

[الزلزال]

كثرت الزلازل في هذا العصر، وهذا تأكيد وتصديق لما جاء في الحديث:

«لا تقوم الساعة حتى يقبض العالم وتكثر الزلازل...) [١] ، والحديث عن الزلازل لا

بد أن يقودنا إلى الحديث عن إحساس المسلم تجاه هذه الظواهر الكونية التي يخوَّف

الله بها عباده، أو عقوبات لما تعج به الأرض من المحادة لله ورسوله، ومن

الموبقات المهلكات، لقد تبلَّد شعور كثير من الناس تجاه هذه الظواهر فلا يرتدعون، ولا يتراجعون حتى يروا العذاب الأليم، والأصل في المؤمن أن يكون مرهف

الحساسية لمثل هذه الأمور المخيفة، فقد جاء في الحديث:» كانت الريح الشديدة

إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- « [٢] ، وكأنه يخشى -

صلى الله عليه وسلم- أن تكون مقدمات يوم الفزع الأكبر.

إن الزلزال الذي وقع في مصر هذه الأيام كان مفاجئاً لم يتوقعه أصحاب

الاختصاص في علم باطن الأرض، فلم يعرف عن مصر أنها بلد زلازل كما في

بعض البلدان الأخرى، وما ذلك إلا دليل على أنه من المنذرات حتى تعود هذه

الأمة - وليس شعب مصر فقط - حتى تعود إلى باريها، وتستغفره من ذنوبها،

ويرجع لها الإحساس بما هي عليه من الضعف والانحطاط في كل شيء، مما جعلها

في مؤخرة الأمم، قال تعالى: [فَلَوْلا إذْ جَاءهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ولَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ

وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] [الأنعام: ٤٣] ، وقال تعالى: [ونُخَوِّفُهُمْ فَمَا

يَزِيدُهُمْ إلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً] [الإسراء: ٦٠] ، وقال تعالى: [أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن

يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وهُمْ

يَلْعَبُونَ] [الأعراف: ٩٧-٩٨] . إن في الشعوب الإسلامية من يعتبر بهذه الآيات

الكونية، ويتذكر ويؤوب، أما الذين في قلوبهم مرض، وأما القاسية قلوبهم الذين

استمرؤوا الطغيان، والذين أشربوا في قلوبهم التغريب والعلمانية فسوف لن يعتبروا

بل يزيدهم ضلالاً، وهذا ما كنا نتوقعه من أمثال هؤلاء لأنه من السنن الربانية.

ولكن الذي فوجئنا به مقابلتهم هذه الآيات التخويفية بإعلان الحرب على

الإسلام، حرباً صريحة مكشوفة لا مواربة فيها ولا خجل، فقد نشرت إحدى

الصحف اليومية في صفحتها الأولى:» القمة المغاربية تقرر التنسيق في مواجهة

الظاهرة الأصولية «وبدأت الحملة على ما يسمونه (التطرف والأصولية) تشتد أكثر

من ذي قبل، ويصرح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بأنه يجب أن يقضي على

منظمة» حماس «الإسلامية.

لقد ظهر المخبوء، وتبين أن الزلزال الذي يخافونه ليس هو الزلزال الكوني،

فهذا يمكن تعليله عندهم بأي تفسير جيولوجي، ولكنه الزلزال الإسلامي، فهي إذن

الحرب على الإسلام وليست على الأصولية كما يزعمون، فهل يا ترى يقدر هؤلاء

على حرب الإسلام، وهل يتوهمون أن بإمكانهم القضاء على الإسلام؟ !

ألم يجرب غيرهم هذا الطريق، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر عدداً وعدة

ففشلوا ورجع الإسلام قوياً بحمد الله، وهل استطاع الروس الشيوعيون بخيلهم

ورجلهم القضاء على الإسلام في بخارى وسمرقند؟ إن الناس في كل مكان يعودون

إلى الله أفواجاً فكيف يتصور هؤلاء الصغار أن بمقدورهم الحد من انتشار الإسلام.

إن المرء ليشفق على هؤلاء - وإن كانوا لا يستحقون الشفقة - وهو يراهم

في تدبيرهم، وعقولهم الصغيرة، يتداولون الرأي بالنيابة عن غيرهم للحد من

(الأصولية) وكل هذا لقاء ثمن بخس، باعوا به دينهم ودنياهم.

وإذا كان المسلمون قد أخطأوا ويخطئون في بعض أساليب الدعوة إلى الله، أو

في فهمهم الإسلام وتطبيقاته في العصر الحديث، وخاصة في بعض البلدان؛ فهل

هذه الأخطاء مسوَّغ كافٍ لضرب الإسلام. وإذا كانوا يحاربون العنف كما يدعون،

فلماذا يشجعون التيارات العلمانية والإلحادية وكل عدو للإسلام؟ ولماذا يشجعون كل

أنواع المحرمات مثل الربا والزنا والخمر؟ وإذا كانوا يحاربون التطرف فقط فلماذا

لا يطبقون الاعتدال؟

ليعلم هؤلاء أن الإسلام قوي - والحمد لله - رغم ما يكاد له من هنا وهناك،

ألم يأتهم نبأ الجمهوريات الإسلامية التي تشكل ثقلاً كبيراً سواء من حيث عدد

السكان أو المساحة أو القوة الاقتصادية، وقد بدأت شعوبها ترجع إلى دينها، فهل

سيحاربون هذه الشعوب أيضاً نيابة عن الغرب؟ وهل سيحاربون الصحوة

الإسلامية في ماليزيا وأندونيسيا، وفي شتى بقاع الأرض؟ إن الأمر ليد الله،

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، والأمر أكبر مما يتصورون.

وشيء آخر، فهم يقولون إن إيران لها أطماع، وهي تحرض من يقع في

أحابيلها، ونحن نعلم أن إيران لها أطماع فعلاً، ونعلم خطورة هذه الأطماع، ولكن

هل تُحد بمحاربة الله ورسوله وضرب العمل الإسلامي، وتشريد الشباب الإسلامي؛ أم أنها تواجه بالإسلام الحقيقي؟ !

إن ما ينفقونه لمحاربة الإسلام سيكون حسرة عليهم وندامة وخزياً في الدنيا

قبل الآخرة، والعاقبة للمتقين.

رئيس التحرير


(١) فتح الباري ٢/٥٢١.
(٢) فتح الباري ٢/ ٥٢٠.