للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حماية إغاثة أم حماية مصلحة

محمد الشيخ عثمان

إن مما لا شك فيه أن ما يحصل في الصومال هو نتيجة الابتعاد عن نهج الله

القويم وشرعه الحنيف لمدة طويلة قبل الاستقلال وبعده. ومع أن هذا الشعب يدين

بالإسلام ١٠٠% إلا ما ندر، ومع أنهم كلهم سنة ويتمذهبون بالمذهب الشافعي؛ إلا

أن النعرات القبلية وصلت بهم إلى التقاتل الجماعي ونهب الأموال وانتهاك

الأعراض، وبهذا فقد الأمن والاستقرار وأصبحت النتيجة الموت الجماعي من أثر

المجاعة، والهجرة الجماعية إلى حدود كينيا وأثيوبيا والدول الغربية كبريطانيا

وإيطاليا.

ومع أن أي مسلم يألم أشد الألم لما يحصل لهذا الشعب المنكوب؛ إلا أن

التدخل الأمريكي ليس حلاً للقضية، وليس حماية للإغاثة كما ادعوا، وإنما حماية

مصلحة الدول النصرانية عامة ونصارى شرق أفريقيا خاصة. لذا فموقف المسلم

من هذا التدخل لا بد أن يكون مبنياً على الآتي:

١- إن النظام الأمريكي لا يريد خيراً للمسلمين، بل يبطن الشر والحقد على

عموم المسلمين، والأمثلة أكثر من أن تحصى، ومعاناة شعب البوسنة المسلم

والشعب الفلسطيني مثال بسيط على ذلك.

٢- لقد عودتنا أمريكا أن يكون لها برنامج معلن وآخر غير معلن، فادعاؤهم

أنهم يدخلون الصومال لحماية الإغاثة لا يختلف عن ادعائهم السابق في الخليج

العربي أنهم يدخلون لحماية حدود معينة في بلد ما، ثم ما لبثوا أن غيروا من

أهدافهم.

٣- كانت أمريكا ضد أي تدخل عسكري في الصومال لمدة سنتين، ويبدو

أنهم كانوا يهدفون إلى إطالة أمد التحرير بين الفئات حتى تتدهور الأوضاع وتأتي

الفرصة المناسبة للتدخل، وذلك بعد تمهيد الإعلام الغربي واستقطاب الرأي العام.

٤- إن قوة ٣٠ ألف من المارينز إضافة إلى قوات أخرى، من كندا ٩٠٠،

استراليا ٩٠٠، فرنسا أكثر من ٢٠٠٠، إيطاليا ١٠٠٠، إلى غير ذلك.. كل هذا

يشير إلى أن العملية أكبر من عملية حماية إغاثة، وإذا عرفنا أن منطقة المجاعة

ليست منطقة كبيرة (Baidor. Bardhera) وأنها ليست كل الصومال؛ يتبين

أن الهدف الحقيقي ليس حماية الإغاثة وإنقاذ متضرري الصومال، وإلا: لماذا لا

يرسلون نصف هذه القوات إلى البوسنة؟ مع أن وضع البوسنة أسوأ بكثير من

الصومال.

٥- إن الإعلام الغربي كان يتكلم في الفترة الأخيرة عن تزايد الأصولية في

الصومال [١] . وهذه الكتابات والتقارير يبدو أنها أقنعت جورج بوش بالتدخل

لمحاربة المد الإسلامي القوي في الصومال.

وقد ذكرت مجلة الوسط في عددها رقم ٤٦ تاريخ ١٤/١٢/١٩٩٢ أن مصادر

مسؤولة في إدارة جورج بوش أكدت لهم أن من الجوانب غير المعلنة محاربة

المجموعات الأصولية المسلحة، وعلى رأسهم الاتحاد الإسلامي الذي هو أكبر تجمع

إسلامي في البلاد. فماذا تريد أمريكا من الاتحاد الإسلامي مع أنه لم يشترك يوماً ما

في أنواع الفساد التي ترتكبها العصابات المسلحة الأخرى مثل النهب والقتل

والاغتصاب وغير ذلك؟ والجواب واضح وهو أن الاتحاد الإسلامي نجح في توعية

أعداد كبيرة من الشعب، وطرح الحل الإسلامي بعد أن فشلت جميع الشعارات

الأخرى في المنطقة. فالإسلام هو الحل الوحيد الذي يجمع شتات هذا البلد ويجمع

شمل شعبه المنكوب، إضافة إلى أن قيام دولة إسلامية دستورها الكتاب والسنة

سيكون له أثر طيب على أحوال المسلمين في الدول المجاورة: كالحبشة وكينيا

وإرتريا.

٦- إن من الأسباب الغير المعلنة للتدخل الأمريكي السيطرة على البوابة

الجنوبية للبحر الأحمر أي مضيق باب المندب الصومالي. كما أن قربه من المنطقة

الإسلامية تساعده على تنفيذ مخططاته تجاه الأمة، وبعبارة أخرى: فأمريكا ترسل

رسالة عن طريق تدخلها في الصومال أنها من الممكن أن تفعل نفس الفعل في

بعض أجزاء من العالم الإسلامي.

٧- إن توجه السودان إلى الإسلام أثار قلق أمريكا والغرب، ووجودهم قرب

السودان سيتيح لهم فرصة التدخل في شؤون هذا الشعب المسلم. وأخيراً فإنني

أرجو من المسلمين عدم تصديق ما ينقل عبر وسائل الإعلام الغربية عن الصومال،

مثل ادعائهم أن عامة الشعب يرحب بالوجود الأمريكي! وهذا غير صحيح. ومع

إن الشعب يريد مخرجاً للأزمة، إلا أنه كان يتوقع أن تأتي المبادرة من الدول

الإسلامية، مثل ما فعلت دول غرب أفريقيا في ليبيريا. بالإضافة إلى الأمور

المذكورة هناك أضرار اجتماعية متوقعة من الوجود الأمريكي. فالجيش الأمريكي

معروف بالانحلال، وقد نقلت الجرائد الغربية أن الجيش الأمريكي ترك وراءه ٢٣

ألفاً من اللقطاء في الفلبين، أضف إلى هذا أن أعداداً كبيرة منهم مصابون بالإيدز

والشذوذ.

وإني وإن كنت ألوم شعبي أولاً لإتاحة الفرصة لمجيء هؤلاء إلى بلدي؛ إلا

أنني اعتقد أن القيم الإسلامية ما زالت جذورها موجودة عند الأفراد العاديين، وأكبر

مثال على ذلك قصة البنت الصومالية التي نقلتها التلفزة البريطانية يوم ١٤/١٢/

١٩٩٢ وهي تضرب من جميع أفراد الشعب بالنعال لأنها ذهبت مع الجنود

الفرنسيين. وذكرت بعض الجرائد أنها ماتت إثر الضرب. ولعل مثل هذا الحادث

يكون حافزاً للشعب الصومالي بأجمعه لاستنهاض غيرته وبعثها، كي يلم

الصوماليون شملهم ويعودوا إلى رشدهم ويضمدوا جراحهم، ويظلوا أوفياء لعقيدتهم

ودينهم وتاريخهم.

[واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً] .


(١) الواشنطن بوست ١٢/١١/١٩٩٢م، وكالة رويتر ١٧/١١/١٩٩٢م، وغيرهما من المجلات والجرائد الغربية.