للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمريكا والمستنقع الصومالي

د. مالك الأحمد

وصلت طلائع القوات الأمريكية إلى الصومال رغبة في (إعادة الأمل) ! ! ...

إلى الشعب المسحوق من الحرب الأهلية من جهة والمجاعة من جهة أخرى،

وتعالت الأصوات هنا وهناك بين مؤيد لهذه الخطوة الجديدة وبين معارض لها، ففي

الصومال رحب طرفاً النزاع الرئيسيان بهذه القوات، بينما اعترض عليها الاتحاد

الإسلامي الصومالي، وتعالت الأصوات بأن (الأصوليين دوماً أهل اعتراض

وأصحاب نظرة شك وتوجس) .

وكتب الكثيرون حول هذه القضية ومنهم من حلل الأمر بأنه استعمار جديد

(وهو كذلك) ومنهم من أوله بأن الأمر لا يعدو أن يكون يقظة ضمير أميركي، وبما

أن الدعاة (الأصوليين) محل اتهام ونظراتهم محل توجس وفراساتهم محل ...

اعتراض أحببت أن أعرض هنا مقتطفات لكتاب مختلفي المناحي والمشارب أحدهما

غربي، والآخر عربي علماني يؤكدان فيها التوجه الاستعماري للعملية وأنها لا تعدو

أن تكون وجهاً جديداً لمخطط قديم.

يقول مايكل كلاف من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن:

(بعد مرور أقل من عامين على حصول آخر المستعمرات في أفريقيا - وهي ناميبيا - على استقلالها، من المرجح أن تكون الأمم المتحدة قد اتخذت أول خطوة يمكن أن تؤدي إلى إعادة استعمار الأمر الواقع إلى الدول الأفريقية التي على وشك الانهيار، كما أن الولايات المتحدة التي بدا أنها على وشك التخلي عن أفريقيا ... ربما تجد نفسها منهمكة في شؤون القارة أكثر من أي وقت سابق) . ثم يضيف:

(هناك إمكانية قوية وحقيقية في أن تقيم الأمم المتحدة وصاية على الصومال لفترة طويلة (صرح بطرس غالي بإمكانية هذا الأمر وأنه محل دراسة) . وهنا يكمن خطر الاستعمار من جديد، ولكن بوجه إنساني، لأنه سيعني في الواقع تولى الأمم المتحدة والولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن البلاد، وعندها لا بد من تشكيل قوة شرطة وقوات أمن جديدة، وإعادة بناء البنية الأساسية والوظائف، وتجنيد جيش من البيروقراطيين الدوليين وما إلى ذلك مما سيكون نظاماً استعمارياً رغم دوافعه الإنسانية) ثم يبين إمكانية توطين هذا المبدأ الاستعماري في أماكن أخرى من العالم الإسلامي: (وما هي إلا قضية زمن قبل أن تبدأ أجهزة الإعلام في تسليط الاهتمام على المناطق الأخرى من القارة المماثلة للصومال (مثل السودان) مع أن الصومال حالة استثنائية الآن. وسوف تكون وجهة نظر التدخل من أجل المساعدات الإنسانية وبالتالي عودة الاستعمار الجديد بهذا الشكل قوية جداً لا سيما وأن هناك في الغرب شبكة شاسعة من المنظمات الكنسية والخيرية التي يمكن أن تصبح مماثلة لتلك الجمعيات التبشيرية ولمحاربة الرقيق التي شهدناها في القرن التاسع عشر، ومن المحتمل أن ينشأ تحالف شاذ غريب بين تلك المنظمات والمؤسسة العسكرية الأمريكية التي تبحث عن مهمات دولية جديدة لتبريرها) انتهى ما نقلته الشرق الأوسط عن لوس انجلس تايمز. وهذا رأي كاتب غربي بارز صاحب العديد من الدراسات والكتب في الشؤون الأفريقية.

وننقل هنا أيضاً وجهة نظر عربية قومية (ليست أصولية) حول التدخل

الأمريكي في الصومال بقلم صلاح الدين حافظ حيث يقول:

(إن دور الأمم المتحدة كمنظمة عالمية قد تبدل هذه الأيام، فبعدما كانت - طبقاً لميثاقها الصادر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفي ظل نتائجها - مظلة لكل الأعضاء المتساوين في الحقوق والواجبات كاملي الاستقلال لا تملك سوى حركة التنسيق بين إيرادات الدول وسياسات الكتل؛ أصبحت اليوم في ثوب مغاير، ثوب يمنح قيادتها لدولة عظمى وحيدة هي الولايات المتحدة التي تبوأت وحدها هذا المنصب بعد أن أجهزت على الاتحاد السوفييتي، وبعدما نفضت يدها من الحرب الباردة وتوازناتها ومنافساتها المعقدة، ومن ثم فإن الأمم المتحدة (المنظمة العالمية) أقرب ما تكون اليوم إلى (مجلس شورى عالمي) للولايات المتحدة التي تأخذ من هذه الشورى ما تريد وتفرض هي ما تحب، أليست هي ... القطب الأعظم الأوحد؟) ، ويتابع الكاتب: (وبصرف النظر عن أن إنقاذ دولة الصومال من زعمائها وميليشياتها المتقاتلة، وإنقاذ الشعب الصومالي المطحون من المجاعة الرهيبة أمر مطلوب إنسانياً؟ إلا أنه يلفت النظر التناقض بين السرعة والحماس الذين تم بهما اتخاذ قرار التدخل العسكري هذا وبين التباطؤ - بل التتواطؤ - والتقاعس في حالة البوسنة والهرسك وصولاً إلى حد التغاضي عن التطهير العرقي والمجازر الجماعية تحت سمع الجميع وبصره وبحجة واهية تدعي أن الوضع الجغرافي مختلف في الحالتين الأمر الذي يترجم عادة بأن التدخل العسكري سهل في الصومال الإسلامية الأفريقية صعب في البوسنة الإسلامية الأوربية، ولعل في هذه المغالطة ما فيها من تمييز يخفي المخبوء) انتهى.

وهنا لا بد من توجيه إخواننا الدعاة في الصومال والسودان وأرتيريا وغيرها

للحذر واليقظة من المخططات الاستعمارية الجديدة، والتي باتت مكشوفة لدى

الجميع وإن تسربلت بلباس المساعدات الإنسانية، ولا بد أن يكون الجميع عند

مستوى الأحداث وعياً وإدراكاً وحسن تصرف بعيداً عن الهيجانات العاطفية

والتصريحات الانفعالية، بل لا بد من أخذ الأمور بترو وحكمة كي لا نعطي لهم

المسوغات - وهم لا يحتاجون إليها - لضرب التوجه الإسلامي في منطقة القرن

الأفريقي، خصوصاً بعد ظهور كثير من الأصوات في منظمات الإغاثة الصليبية،

وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي، التي تحذر من خطر الأصولية في المنطقة

بل وتحذر من خطر عمليات الإغاثة التي يقوم بها هؤلاء الأصوليون، وقد سبق لهم

كتابة تقارير تحذيرية لكثير من الجهات الغربية بل والإسلامية كي يخلو لهم الميدان

لافتراس هذه الشعوب المسلمة الجائعة والتائهة.