للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشاهدات في بلاد البخاري

د. يحيى اليحيى

كان هذا العام أول اختراق للسور الحديدي الذي فرضته الشيوعية على أهل

بلاد ما وراء النهر - الجمهوريات السوفيتية - الذين ظل حالهم مجهولاً لأكثر من

سبعين عاماً، ذاق المسلمون هناك ألواناً من البؤس والاضطهاد ومحاولة طمس

الهوية الإسلامية. وقد زرت تلك البلاد ببعثة من الجامعة الإسلامية وكان لي فيها

انطباعات ومشاهدات أحببت تسجيلها.

وسيكون محور الحديث حول النقاط التالية:

١ - عالم مجهول أرضاً وتاريخاً.

٢ - الشيوعية وطمس الهوية الإسلامية.

٣ - صمود المسلمين وتصديهم للإلحاد.

٤ - مشاهدات تسر المسلمين.

٥ - لنكن صورة طيبة للإسلام.

٦ - إن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون!

٧ - عمن نأخذ أخبارهم.

٨ - حاجة المسلمين هناك.

٩ - وصية المسافر.

١٠ - عالم جهلناه أرضاً وتاريخاً:

ربط الإسلام بين أتباعه برباط وثيق، مبناه على التراحم والمحبة والتآلف

(فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت ... معاداته من أي صنف كان. قال تعالى: [إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ رَاكِعُونَ *ومَن يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ] [المائدة ٥٥] ) [١] .

قال ابن القيم: (المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه،

ومواساة بالبدن بالخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار

لهم، ومواساة بالتوجع لهم. وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة. فكلما ضعف

الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت. وكان رسول الله - صلى الله عليه

وسلم - أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب

اتباعهم له) [٢] .

فحيثما كان هناك مسلم وجب على المسلمين أن يساعدوه وأن يذبوا عنه،

ولكن الناظر في حالة المسلمين اليوم يجد أن المستعمر قد نجح في زرع الفرقة بينهم، ووضع شعارات وروابط أخرى تسببت في تكتلات وطنية أو لغوية، أو غيرها،

حتى أصبح كثير من المسلمين لا يعنيه في قليل أو كثير ما يقع لإخوانه الذين في

خارج قطره، ويقول: مالي ولهم وما صلتي بأهل هذه البلاد أو تلك! فأين نحن

من قول الله تعالى: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] [الحجرات ١٠] ، وقوله [أَذِلَّةٍ عَلَى

المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ] [المائدة ٥٤] ، وأين نحن من قول الله تعالى يصف

أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -[أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ] ... [الفتح ٢٩] ، بل أين نحن من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم

للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وشبك بين أصابعه.

إن الكفار أمة واحدة يوالي بعضهم بعضاً، وإن المؤمنين إذا لم يتحدوا ويوالي

بعضهم بعضاً فسيحل الفساد الكبير والفتن العظيمة، [والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ

بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ] [الأنفال ٧٣] . لو نظرنا إلى

حالتنا اليوم لوجدنا أننا لم نعط إخواننا حقهم بل - بالعبارة الصريحة - بخسناهم

جميع حقوقهم، حتى في الأمور الشكلية فلم تتسع صدورنا لهم ولا في الخرائط

الجغرافية، فقد وضعنا اسم المستعمر بدلاً من اسمهم، وإن شئت فارجع إلى

الخرائط الجغرافية الكبيرة أو الصغيرة فهل ستجد المدن الإسلامية، فضلاً عن

الدول الإسلامية في الاتحاد السوفييتي؟ لا، إنك ستجد بالخط العريض على تلك

القارة (الاتحاد السوفييتي) أما مناطق المسلمين، ودولهم، وأراضيهم، ومدنهم

التاريخية التي ينتمي إليها الكثير من علمائنا فلا تجد لها ذكراً في الخرائط، ولقد

تعبت كثيراً في الخرائط الجغرافية لعلي أحدد موقع مدينة بخارى، أو سمرقند، أو

نسا، أو خوجند، فلم أهتد لذلك، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الوصاية

التي فرضت على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في تعليمها وإعلامها.

وإذا كان الكثير يجهل مواقع المسلمين هناك؛ فما بالك بالتاريخ؟ ! فالجهل

به عام، ولذا فإني سأذكر نبذة عن تاريخ وجغرافية هذه البلاد.

لقد غزا المسلمون بلاد أذربيجان من هذه المنطقة في خلافة أمير المؤمنين

عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على يد حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، وفي سنة خمس وخمسين للهجرة عبر سعيد بن عثمان بن عفان - رضي الله

عنهما - نهر جيحون إلى بخارى فصالحه أهلها، ثم عبر إلى سمرقند فصالحه أهلها

أيضاً، ولكن لم تلبث إلا قليلاً حتى نقضت العهد بعد ذلك، ولم تخضع هذه الديار

للإسلام تماماً إلا في عهد الوليد بن عبد الملك، على يد القائد الشجاع (قتيبة بن

مسلم الباهلي) الذي أرسى قواعد الإسلام في بلاد ما وراء النهر، ما ... بين سنتي سبع وثمانين وأربع وتسعين للهجرة. ومن ذلك التاريخ أصبحت تلك البقاع دياراً إسلامية خاضعة بأكملها لدين الله -عز وجل-.

وفي القرن السابع الهجري دخل التتار الإسلام، فخضعت جميع مناطق ما

يسمى اليوم بالاتحاد السوفييتي، حتى موسكو نفسها قد بقيت في ظل الإسلام أكثر

من قرنين. وبعد سقوط القسطنطينية في يد المسلمين تحول النصارى إلى روسيا،

فدخل الروس في النصرانية وأصبحت معقلاً لهم، ثم قاموا بشن حروب شرسة

على المسلمين بقيادة إيفان الثالث، سنة خمس وثمانين وثمانمائة للهجرة حتى

سقطت موسكو، ثم جاء حفيده إيفان الرهيب فقام بإبادة للمسلمين حتى أباد مدناً

كاملة بأسرها، ثم بدأ الروس النصارى يزحفون على آسيا الوسطى فسقطت

(طاشقند) عاصمة أوزبكستان - حالياً - سنة ١٢٨٢ هـ، ثم سقطت سمرقند سنة

١٢٩٠ هـ، ثم سقطت بخارى بأيديهم سنة ١٢٩١ هـ، ثم سقطت عشق أباد

وبلاد التركمان.

ذاق المسلمون في تلك الفترة - تحت حكم القياصرة - أبشع ألوان الذل

والاضطهاد والاحتقار والابتزاز لأموالهم، ثم قامت الثورة البلشفية الشيوعية سنة

١٩١٧ م، فقام الشيوعيون بغزو بلاد المسلمين واحدة تلو الأخرى حتى سيطروا

على تلك البقاع كلها في أقل من عشرين عاماً.

ويقدر عدد سكان السوفييت بأكثر من ٢٤٠ مليون نسمة، معظمهم من

النصارى أما نسبة المسلمين فقد اضطرب الكتاب عن النسب السكانية اضطراباً

كبيراً، وذلك الاضطراب راجع إلى انتمائهم، فمثلاً الأمم المتحدة والنصارى يرون

أن نسبة المسلمين لا تزيد عن ١٠%، بينما المسلمون يرون أنهم يزيدون على ٣٠

% والوسط في ذلك - وهو الذي اتضح لكثير من زوار تلك البلاد - أن نسبة

المسلمين تصل إلى ٢٥% فالمسلمون ما بين ٦٠-٨٠ مليون نسمة. هذا العدد

الهائل من المسلمين رزح تحت نير الشيوعية أكثر من سبعين عاماً، وهم في عزلة

تامة عن إخوانهم لا يعرفون عنهم شيئاً البتة، بل إنهم في عداد المجهولين، أين

نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو لأناس حبسوا في مكة -

يعدون على أصابع اليد الواحدة - ويَقنتُ لهم في صلاته سائلاً الله أن يفك أسرهم (اللهم أنج عياش بن ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد) يتفقد النبي - صلى الله عليه ...

وسلم - شخصاً أو شخصين فينص عليهم بالدعاء، والذين أمامنا ليسوا ألفاً ولا

ألفين بل ملايين لا نعرف عنهم شيئاً، فضلاً عن أن ندعو لهم دعاء عاماً، فضلاً

عن أن نخصهم بالدعاء.

ونحن في عالم التجهيل المضروب على المسلمين عامة في بلاد الله كلها لا

نعلم أن عدد الجمهوريات والدول التي أكثريتها إسلامية، أو سابقاً كانت كلها

إسلامية تزيد على أربع عشرة جمهورية، ولو سألت واحدا منا ما هي؟ فالمثقف

يذكر لك واحدة أو اثنتين، لا أقول مدينة بل دولة كاملة.

كما أن للمسلمين وجوداً في البلاد النصرانية، مثل روسيا وأوكرانيا وجورجيا

وغيرها، حتى قيل: إن نسبة المسلمين فيها تقدر بـ ١٠%.

وهناك غير الجمهوريات الست المشهورة جمهوريات تقع جنوب غرب جبال

أورال، وهي بشكيريا وعاصمتها أوفا، وتتاريا وعاصمتها قازان، وقازان هذه

كانت عاصمة القطاع الذهبي الذي خضعت له موسكو للحكم الإسلامي أكثر من

قرنين، وأدمورت، وماريا، وجوفاش، وموردوف. أما شمال القوقاز فتقع فيه

أربع جمهوريات إسلامية وهي: داغستان وعاصمتها محج قلعة، الشوشان

والأنقوش وعاصمتها غروزني، قبرديا، قارتشاي، وهم الشراكسة. وهناك

جمهورية أذربجيان، وتقع وراء القوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود، ويزيد

سكانها على ستة ملايين، يمثل المسلمون فيها سبعين بالمائة ٧٠%، ونسبة أهل

السنة فيها تزيد على ٢٠%، وهذه نسبة طيبة وإن كان الرافضة يحاولون التقليل

من هذه النسبة والتجهيل بأهل السنة في تلك البلاد.

أما من ناحية الموارد فإن الأقاليم الإسلامية تملك أعظم الثروات والموارد فيما

يسمى سابقاً بالاتحاد السوفييتي، فعلى سيبل المثال: فإن ٥٠% من نفط الاتحاد

السوفييتي يوجد في الأقاليم الإسلامية، كما يوجد فيها معادن اليورانيوم والفوسفات

والرصاص والقصدير، كما أن فيها ثروة كبيرة من القطن والصوف والحرير.

وقد كانت هذه الموارد كلها تسخر لخدمة الشيوعية، وتستغل لنشر الإلحاد

وضرب المسلمين داخل البلاد وخارجها، وما بلاد الأفغان عنا ببعيد.

ولذا أبدى الغربيون قلقهم إزاء استقلال الجمهوريات الإسلامية،، ويرى

المحللون أن الغرب لن يتهاون أبداً إزاء القوة الكامنة في الجمهوريات الإسلامية،

فقد حذر ساسته من مخاطر ما أسموه القنبلة الإسلامية في مواجهة القوميات الأخرى، فجمهورية كزخستان مثلاً تعتبر الدولة الثالثة من حيث امتلاك الأسلحة النووية،

إذ أنها تأتي بعد روسيا مباشرة، واستقلالها يعني أن العالم الإسلامي قد تمكن بالفعل

من امتلاك القنبلة النووية، ولهذا ثارت مخاوف الغرب فأبدت ألمانيا مثلاً على لسان

وزير خارجيتها بأن كزخستان تملك أسلحة نووية تفوق الأسلحة في كل من بريطانيا

وفرنسا، وإن احتفظت بهذه الترسانة من الأسلحة النووية ستصبح بذلك أول دولة

إسلامية نووية ولها القدرة على تطويرها.

٢- الشيوعية ومسخ الهوية الإسلامية:

استخدمت الشيوعية جميع الوسائل والأساليب في محاولة طمس الهوية

الإسلامية وتحويل المسلمين إلى ملاحدة، فسلكت جميع الطرق وسخرت جميع

قواها في هذا الغرض، حتى ظن من لا يعرف ماهية هذا الدين بأنه لن يبقى في

هذه البلاد من يقول: الله، الله. ومن وسائلهم:

١- الاستيلاء على كافة المساجد وتحويلها إلى متاحف ومستودعات وملاعب

ومراقص وخمارات ومستشفيات الخ، - ولا أقول هذا نقلاً عن أحد بل وقوفاً عليها

- في تركستان وحدها تم إغلاق أكثر من ستة وعشرين ألف مسجد، وجرى تحويل

أكثر من سبعمائة مسجد في بلاد التتار، وخمسمائة مسجد في بلاد القفقاز إلى

مواخير وأندية وإسطبلات.

٢- إغلاق جميع المدارس الإسلامية وفعلوا بها كما فعلوا بالمساجد، وكان

قبل الثورة في بلاد بخارى وحدها أكثر من ثلاثمائة وستين مدرسة، وقد فنيت تلك

المدارس ولم يبق فيها قائماً الآن سوى خمسين مدرسة، وقد جعلت متاحف ومسارح

وغير ذلك. وقد اطلعت بنفسي على مدارس في (خوارزم) وفي مدينة (خيوة)

ودخلت مدرسة كبيرة مكتوب على بابها (مدرسة محمد أمين خان) بنيت سنة ...

١٢٧٥ هـ وبجانبها عدة مدارس، وللمدرسة منائر جميلة وقد كتب في مقدمة

المدرسة (قد أوصل الله تعالى اختتام بناء هذه المدرسة التي هي خير المدارس في

العالم سنة ١٢٧٥ هـ بأمر سلطان الزمان الغازي محمد أمين بهادر) وهذه المدرسة

ذات بناء شامخ عجيب، وجمال يأخذ بالألباب، ولما دخلت بوابتها ما بين منارتين

وجدت عند الباب امرأة وراء مكتب فسألناها فقالت: هذا فندق، ثم دخلنا فرأينا

سلماً ينزل تحت الأرض فسألت عن ذلك، فقيل هذه خمارة، والموسيقى تضرب

بين جنباتها، ثم خرجت من المدرسة إلى مدرسة مجاورة فإذا فيها دار للسينما.

وهذه المدينة ما إن تدخلها إلا وتطالعك المدارس المشيدة ومنائرها العالية

الجميلة وهي تبكي أطلالها وعمارها وروادها.

٣- إحراق وإغراق لجميع المصاحف والكتب، وقد حدثني الثقات أن

الشيوعيين جمعوا كأمثال الجبال من الكتب في بخارى وسمرقند وأحرقوها.

٤- منع اقتناء أي مصحف أو كتاب، مما اضطر كثيراً من الناس إلى

إحراقها أو دفنها في الجدران، أو حفظها على خوف وقلق عظيمين، لأن من وجد

في حوزته كتاباً أو ما في حكمه مما يمت إلى العلم الشرعي أو اللغة العربية بصلة

فهو معرض للمحاسبة، ولهذا لا تكاد تجد الآن عند كثير من المسلمين اليوم

مصحف ولا كتاب بل لا تجد في مساجدهم ذلك أيضاً.

٥- من وسائل الشيوعيين في طمس الهوية الإسلامية نشر وطباعة الكتب

الإلحادية والأدب الإلحادي.

٦- تسهيل الانضمام إلى الحزب الشيوعي والتمتع بامتيازاته.

٧- تزييف التاريخ الإسلامي الخاص بالمنطقة، فقد حاولوا تجهيل الأبناء

جميعاً في أن هذه البلاد تمت إلى الإسلام بصلة، وإن ذكروا فتوحات المسلمين

فإنهم يذكرونها على سبيل الغزو والسيطرة والاستعمار وإذلال شعوب المنطقة،

ولذلك كثيراً ما يوجد في شوارعهم رسوم وصور المكافحين الملاحدة الذين قاموا

بمكافحة الإسلام في القديم والحديث.

٨- فرض اللغة الروسية ومحاربة الكتابة العربية، وهذا شامل لجميع نواحي

الحياة، فاللغة الروسية مفروضة رسمياً في المدارس والمعاملات وجميع الدوائر

الحكومية، حتى المزارع والمتاجر لأنها كلها تحت سيطرة الدولة فلا يمكن

التخاطب على الأقل كتابياً إلا بالروسية، حتى أصبح كثير من المسلمين لا يستطيع

أن يكتب بلغته الأصلية التي يتحدث بها.

٩- منع النساء من الحجاب الشرعي، وقد أقيمت الاحتفالات الرسمية

الإلزامية لحرق الحجاب.

١٠- تسخير نساء المسلمين في الأعمال المهنية الشاقة، فحيثما توجهت نحو

أي مزرعة تجد نساء المسلمين يمسكن بالمساحي لحراثة أرض الدولة، أما الشوارع

فإن تنظيفها موكل إلى عجائز المسلمين.

١١- تهجير الكفار إلى بلاد المسلمين، ليمتزجوا بهم وكذا العكس، ولذا تجد

الروس والكوريين وغيرهم قد سكنوا في أحياء المسلمين وقراهم، وكل هذا مبالغة

في طمس الهوية الإسلامية، فأصبحت تجد المسلم وبجواره الروسي النصراني أو

الملحد والكوري الوثني، فالبلاد التي جل سكانها مسلمون هجروا منهم إلى بلاد

النصارى ثم نقلوا من النصارى إليهم.

١٢- تهجير أقوام بأكملهم مثل مسلمي القرم، فقد قام ستالين بقتل عدد كبير

منهم بالجوع، ثم هجر ما يزيد على مائتى ألف إلى مناطق نائية في عربات الماشية

فمات أكثرهم في منتصف الطريق، ولم يبق في ديارهم واحد.

١٣- من مبالغة الشيوعية في طمس معالم الإسلام عند الناشئة تغيير أسماء

المسلمين، حيث تجد اسم المسلم المتعارف عليه عند أهله وأقاربه غير الاسم

الرسمي في الاثباتات الرسمية وهو الاسم المعتبر عند الدولة.

وضع أصنامهم في كل حي وشارع وناحية، فما تدخل شارعاً ولا محلة ولا

قرية إلا وتجد تمثال لينين أو غيره على منصة مرتفعة.

١٤- تسمية الأحياء والمدن والقرى والشوارع والمدارس وغير ذلك بأسماء

رموز الحزب، وهذا شامل لجميع المدن والقرى في طول البلاد وعرضها، فمثلاً

يقولون: قرية لينين، حي ماركس، شارع ستالين وكذا، فأصبح الطفل ينشأ لا

يعرف سوى لينين وستالين وماركس وغيرهم من دهاقنة الإلحاد [٣] .

١٥- كتابة عبارات إلحادية عند نهاية المدن والقرى بدلاً مما نكتبه نحن

(تصحبكم السلامة أو الله يحفظكم) فيكتبون لينين معكم، لينين يحفظكم.

١٦- التعليم الإلحادي الإجباري لجميع الجنسين، ولمدة عشر سنوات، يتعلم

الطفل فيها إنكار الخالق وتفسير التاريخ تفسيراً مادياً، ثم تؤكد ذلك وسائل الإعلام

المقروءة والمسموعة والمرئية.

فالمسلم ملزم أن يدخل ولده وابنته المدرسة، ولمدة عشر سنوات، فيدخل

الولد وعمره ست سنوات ويتخرج وعمره ست عشرة سنة، فترة المراهقة كلها

يعيشها بين الشيوعيين، وبعد التخرج يختطف إلى سيبيريا للتجنيد الإجباري مدة

عامين، كل هذه المدة في يد الملاحدة ليس في يد أبيه وأمه، وإذا رجع إلى البيت

فلا مصحف ولا كتاب، إنما التلفزيون والمجلة التي تعلم الكفر والإلحاد فماذا

ستكون النتيجة؟ !

١٧- منع جميع شعائر الإسلام، فكل ما يخطر بالبال من شعائر هذا الدين

فاعلم أنه محظور في تلك الجمهوريات إبان الشيوعية.

١٨- تسخير برامج الإعلام كلها لغرس الإلحاد والكفر، فللتلفزيون في ثلاث

قنوات: قناتان تبثان من موسكو وقناة تبث من نفس الجمهورية، فالمسلم حيثما

وجه التلفزيون فهو بين هذه القنوات لا يتعداها.

١٩- الحظر على المسلمين من اتصالهم بالخارج، ومنع المسلمين في الخارج

من الاتصال بإخوانهم في الداخل، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هذا السور

الحديدي الذي ضرب على المسلمين هناك شمل حتى الاستماع إلى القنوات الإذاعية

سوى الإذاعات المحلية، فلقد شاهدت جهاز الراديو في الفندق - وهو يمثل

الشيوعية في قمة تعصبها - وليس فيه الجزء الذي تبحث فيه عن المحطات، كما

هو عندنا، وإنما هو عبارة عن مفتاح واحد تضغط عليه المرة الأولى فتخرج لك

إذاعة موسكو، والثانية الإذاعة المحلية، فليس هناك مجال لأن تبحث عن محطة

أخرى.

وحتى بعد أن سمح بأجهزة الراديو المتطورة سلط التشويش على المحطات

الأخرى.

٢٠- القضاء على العلماء والمشايخ، وقد حدثني أستاذ في طشقند أن أباه كان

يصلي بالناس ويعلمهم، فاطلعت عليه المخابرات - الكي. جي. بي - حين

خروجه لصلاة الفجر وبعد مساءلته وكان صريحاً معهم، فقدروا صراحته وقالوا:

سنخفف عنك العقوبة ونشفع لك عند مديرنا، وفعلاً خففت عنه العقوبة فأعطي

مسافة من الشارع يقوم بتنظيفها ورشها بالماء كل يوم قبل صلاة الفجر، يقول:

حتى أصيب والدي بالشلل من شدة البرد حيث كان عمره يناهز السبعين عاماً وهذا

عمله اليومي. هذه أخف عقوبة عند الشيوعيين لعلماء الإسلام ودعاته.

٢١- إجبار الطلاب على الإفطار في رمضان، ورغم هذه الحرب الشرسة

ضد الإسلام فقد كانت الشيوعية تخشى من بقاء بعض المسلمين على إسلامهم

وتمسكهم به، فحدثني أحد الثقات قائلاً: لما كنا ندرس في المدارس كان مدير

المدرسة في صباح كل يوم من رمضان يمر بنا، فيجبرنا على الشرب حتى في

الأيام الشاتية، وهذا الإجبار خاص بأولاد المسلمين.

٢٢- إبادة المدن المحافظة على دينها مثل: مدينة خوقند في وادي فرغانة،

فقد أبيدت هذه المدينة مرتين: في عهد القياصرة وفي عهد الشيوعيين البلاشفة.

٢٣- استخدام الإرهاب عن طريق المخابرات في التجسس على الناس في

بيوتهم، ووضع مراكز التفتيش عند مدخل كل مدينة وقرية، حتى إنه ليخيل إليك

- إذا قدمت إحدى القرى - أنك دخلت جمهورية أخرى فالفنادق مثلاً لا تقبلك نزيلاً

عندها وليس معك تأشيرة لدخول هذه المدينة أو القرية، ولقد دخلنا مدينة خوقند من

وادي فرعانة في ساعة متأخرة من الليل فقصدنا الفندق وأبرزنا له الجوازات فلم

يقبلنا، فقلنا له ولم؟ قال: ليس معكم تأشيرة لدخول المدينة. فقلنا أوليست من مدن

أزبكستان ونحن نحمل تأشيرة لدخول الدولة فلم يقبل.

فالمطلوب من الزائر أن يأخذ تأشيرة لجميع المدن والقرى! !

٢٤- ربط الناس على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم بالدولة عن طريق

الاقتصاد الذي سيطروا على جميع وسائله وطرقه، حيث تسيطر الدولة على جميع

المزارع والمحلات التجارية، والمصانع، وسيارات النقل والأجرة، والعمائر

الكبيرة، وجميع الثروات. ولا يملك الناس سوى بيوتهم وسياراتهم الخاصة.

٢٥- أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها حاولت الدولة أن تظهر للوفود

الرسمية التسامح، فأذنت بإقامة مسجد في كل ولاية لا يتسع لأكثر من خمسمائة

مصلٍ، ولكن لا يجوز أن يدخلها من عمره أقل من خمسين عاماً. وليت الأمر

انتهى عند ذلك! بل إن الدولة هي التي تعين الإمام ويشترط أن يكون من الحزب

أو من المخابرات، وعليه أن يكتب التقارير عن كل داخل إلى المسجد. وأنشأت

كذلك إدارات دينية تحت إشرافها، ومدرستين هما: مدرسة مير عرب في بخارى

ومعهد البخاري في طشقند، وكان المسؤولون عنها من فجار القوم، وقد حدثني من

درس في مدرسة مير عرب في بخارى أيام الشيوعية، أنه كان يدخل عليه المدرس

ولما يصح بعد من الخمر [٤] .

حيال ذلك نشأت أجيال لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن حتى

رسمه، حيث تجد عدداً كبيراً من المسلمين لم يسبق له أن رأى المصحف. وبعد

هذا العرض المجمل عن خطط الشيوعية في طمس نور الإسلام من قلوب الناس،

حيث لا مصحف ولا كتاب، ولا عالم ولا داعية، ولا مسجد ولا مدرسة؛ هل نظن

أنه بقي في هذه الديار من يقول الله الله..؟ من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً

رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة؟ الجواب في الفقرة القادمة إن شاء الله.

«يتبع»


(١) مجموع الفتاوى ١٢٨.
(٢) الفوائد ٢٢٢.
(٣) هذه عادة الطغاة في كل زمن يريدون تخليد انفسهم وأسلافهم بإطلاق أسمائهم على الأماكن ومسح آثار من يخالفهم الرأي، ويعكر على تسلطهم. ... ... ... ... ...
- التحرير -
(٤) هل يصف الكاتب ما كان عند السوفييت؛ أم ما هو جارٍٍ في كثير من البلاد العربية إلى اليوم؟ ! لا ندري. ... ... ... ... ... ... ... ... ...
- التحرير -.