للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ردود ومناقشات

جاءتنا ردود على ما كتبه الأخ محمد عبد الله آل شاكر في العددين (٥٥و٥٦) ، وحرصاً منا على سماع وجهات النظر ننشر هذين الردين باختصار مع الإبقاء

على النقاط المهمة والله الموفق.

- البيان -

رد الدكتور سليمان بن عبد الله العُمير:

لقد اطلعت على ما كتبه الأخ الأستاذ محمد عبد الله آل شاكر في العدد ٥٥ من

مجلة (البيان) في زاوية: تراث تحت عنوان: (هجوم على العمالقة) . وقر أت ما تضمنه ذلك المقال من الانتقاد اللاذع لما قام به الدكتور حمد الحماد - الأستاذ المشارك بالجامعة الإسلامية بالمدينة - من اختصار كتاب المغني لابن قدامة.

ولست أريد بهذه الكتابة الدفاع عن المنتقَد أو مناقشة المنتقِد أو الدخول في تفاصيل

جدوى اختصار الكتب المطولة، أو عدم جدواها. فهذا له أهله، وتحكمه نوعية

الكتاب الذي يراد اختصاره، والحال التي عليها القراء وهل هم بحاجة فعلاً إلى

الاختصار والتسهيل أم أن باستطاعتهم التعامل مع الكتب الكبيرة، والتلقي منها

مباشرة دون عناء. لكني أريد التنبيه على بعض الأمور التي وقع فيها الأستاذ:

أولاً: قوله: (إن هذا المختصر يقع في ثمان مجلدات) والصواب في أن هذا

الكتاب لن يتعدى أربع مجلدات على أكبر تقدير. ولعل الأستاذ صدق هذه الشائعة

نظراً لأنه يوجد في السوق مختصرات وضعها أصحابها في حجم يقارب حجم

الأصل إن لم يزد عليه، وهو معذور في ذلك، لكن الصواب ما ذكرت.

ثانياً: مسألة تيسير الشراء التي افترضها الأستاذ غير واردة أصلاً، فلا محل

لها.

ثالثاً: قوله عن هذا المختصر: (رأيت منه مجلدين اثنين) هو من قبيل

الوهم. والواقع لم يُطبع من الكتاب إلا المجلد الأول فقط، وهو ينتهي بنهاية كتاب

الجنائز كما أشار إليه الأستاذ.

رابعاً: فهم الأستاذ من حذف الدكتور لأقوال السلف من الصحابة والتابعين في

المسائل أن في ذلك حرماناً لطالب العلم من معرفة آراء هؤلاء التي قد تكون لها

قيمتها ومكانتها، وهذا فهم في غير محله. ذلك أن الدكتور إنما حذف من هذه

الأقوال ما كان موافقاً لأقوال أصحاب المذاهب المشهورة، ومعطوفاً عليها، وحينئذ

فالقول موجود وإن حذف بعض من قال به، أما حين يكون رأي هؤلاء السلف

مقابلاً لآراء أصحاب المذاهب فإنه يثبته ولا يحذفه، وعليه فلا نكون حرمنا طالب

العلم من معرفة آراء هؤلاء الفقهاء خارج نطاق المذاهب المشهورة.

هذا ما أردت التنبيه عليه في هذه العجالة ولا يُنكر ما للأستاذ شاكر من جهود

في الذب عن التراث، ومن غيرة صادقة عليه خاصة في مقاليه عن التحقيق

والمحققين في العددين (٤٣و٤٤) مزدوج وفي العدد (٤٥) .

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

رد الأستاذ حسان عبد المنان:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإني أُخبرت أن رداً على

كتابي (رياض الصالحين) المحقق المهذب وقع في مجلة (البيان) الإسلامية.

فحمدت الله أن أحداً بادر بنقده.

وكنت أتمنى أن يكون الرد الذي وقع في نفسي، وهو تصحيح خطأ أو منهج

سرت عليه، أو بيان مغالطات فيه، وإن كان فبأسلوب علمي خالٍ من التحامل أو

التجريح. ولكن بما أن الكاتب قد تجنى عليَّ، فلا بد من الرد، وهذا هو بين يدي

القارئ:

١- ادعى الكاتب: أني حذفت بعض أبواب (رياض الصالحين) وهذا لم

يحصل.

٢ - ادعى: أني حذفت بعض الأحاديث الصحيحة وسكت، ولو أكمل العبارة

لأوضح أنها في هامش الكتاب، فاستغنى عن تكرارها في متنه.

٣- ادعى: أن الحذف بلغ عندي أحد عشر بنداً كما في مقدمتي، وهذا غير

الواقع بل هي أكثر.

٤- ادعى: أن إحالات الحديث: انظر الحديث كذا.. قد تتجاوز نصف

الصفحة بحرف صغير، وهذا غير الواقع أيضاً؛ فالحرف لم يتغير.

٥- ادعى: أني قلت في كتابي: (وافقني عليه الشيخ الألباني) في أحاديث

ضعَّفها. واعترض عليَّ بقوله: والكل يعلم أن تحقيق الألباني على الأقل أسبق من

تحقيقه هو بسنوات فمَن الذي يوافق الآخر؟ .

أيها الفاضل: أنا لا أريد أن أخوض معك غمار اللغة، ولكن يكفي أن أطالبك

بهذه الجملة، أين وقعت عليها في كتابي؟ ! أنا أعرف بكتابي، لم أذكر ذلك

صريحاً في موضع من الكتاب، وإنما اقتصرت على موافقة الشيخ شعيب

الأرناؤوط - حفظه الله - لأني جالسته جلسات عدة في مراجعة الأحاديث الضعيفة

من الكتاب، ووافقني على ما بينت في كتابي.

أما الشيخ الألباني - حفظه الله - فقلت في بداية فصل الأحاديث الضعيفة: (ولعل الشيخ الفاضل الألباني يرجع إلى نحو ذلك بعد ما يرى الحجة في هذا

الكتاب) . فكيف أذكر موافقته على أحاديث - لو صح ما زعمت - وقد قلت قولتي هذه.

ولنعد إلى الملاحظات:

١ - تقول: (أصبحت المختصرات الناسخة للأصول المطولات من تراثنا

كثيرة كثرة تستلفت النظر..)

وأقول: هل المختصرات وليدة هذا العصر؟ أم أنها سُنة من أئمتنا وأئمتك.

ولتوقن أن المختصرات لم يمسخها المتأخرون، أذكر لك نماذج من مختصرات

المتقدمين، وإكثارهم من هذا الباب:

فها هو الإمام الذهبي - رحمه الله - المتوفى سنة (٧٤٨هـ) قد اختصر أكثر من ثلاثين كتاباً، وقد ذُكرت في مقدمة (سير أعلام النبلاء) ،٨٣ -٨٨.

أما التفاتك إلى عصرنا أيها الفاضل، فانظر مختصرات الشيخ الألباني لكتبه

وكتب غيره، مثل صفة الصلاة، وأحكام الجنائز، والشمائل المحمدية، والعلو

للعلي الغفار، وصحيح البخاري..

وأما رياض الصالحين، فاختُصر من قِبل غير واحد كالنبهاني، وغيره مما لا

زال مخطوطاً في المغرب، والمكتبة الوطنية بباريس. فهل هذه الكتب ماسخة

للأصول؟

٢ - تقول: (وأما تهذيبك نصوصاً - ونصوص الكتاب كلها آيات

وأحاديث - فلست أدري والله ما الذي يحتاج إلى التهذيب، أهذه النصوص الكريمة

أم الذي قام بتهذيبها نفسه؟) .

وهنا لابد أن نقل تعريف التهذيب من كتاب الكليات (للكنوي) ، ص٣٠٨،

يقول: (التهذيب هو عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله والشروع في

تنقيحه نظماً كان أو نثراً، وتغيير ما يجب تغييره، وحذف ما يجب حذفه،

وإصلاح ما يتعين إصلاحه، وكشف ما يشكل من غريبه وإعرابه وتحرير ما يدق

من معانيه) . وبعبارة أخرى: هو اختصار أو زيادة بتصرف.

ومن الأمثلة على الزيادة تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتهذيب إصلاح

المنطق، ومن الأمثلة على الاختصار - مع زج بعض التعليقات الخفيفة فيه -:

المهذب في اختصار السنن الكبرى.

وأما اعتراضك: أن هذه آيات وأحاديث فلا تهذب، فالأمثلة كثيرة على

تهذيب كثير من الكتب المليئة بالآيات والأحاديث واختصارها. وقد تقدم ذكر شيء

منها.

٣- عِبت عليَّ أني رتبت بعض الأحاديث - وهي قليلة - في الأبواب

المناسبة.

أقول: إن النقل الذي فعلته في كتابي لا يعدو طريقة المتقدمين في تهاذيبهم.

فانظر مثلاً كتاب (الكمال في أسماء الرجال) للحافظ عبد الغني المقدسي، الذي

رتب كتابه في تراجم الرجال كالآتي: مقدمة في أهمية الإسناد في الحديث، ثم

تراجم العشرة المبشرين بالجنة، ثم تراجم الصحابة، ثم تراجم الصحابيات، ثم

المحمدين من التابعين ومن بعدهم، ثم حرف الألف منهم بالترتيب الهجائي. فجاء

بعده الحافظ المزي، فبنى على كتابه كتاباً آخر سماه (تهذيب الكمال) غيَّر فيه

وبدَّل فبدأ بمقدمة، ثم بترجمة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم بتراجم الرواة

جميعاً صحابة وتابعين، وغيرهم على الترتيب الهجائي إلا أنه قدم من اسمه

أحمد في حرف الألف على غيره..

فهل هذا التهذيب - أيها الفاضل - كأصله في ترتيبه؟ .

٤- تستحلفني بالله أن هذا كتاب رياض الصالحين نفسه بنصه وفصّه كما

وضعه المؤلف؟ .

أقول: كيف تقول ذلك وأنا أقول لك هذا تهذيبه، وكل عامل يدرك ذلك، ففي

صفحة الغلاف إشارتان واضحتان لذلك. الأولى: قولي: (تمتاز هذه الطبعة

بضبط نصوصها وتهذيبها) . والأخرى: (حققه وقدم له وهذبه وخرجه حسان عبد

المنان) . فكيف تريدني أن أحلف على أمر أنا أقول بخلافه؟ ! .

هذا السؤال نفسه وجهه إلى الشيخ الألباني المحدث - حفظه الله - فقل له:

هل كتاب (السنة) [١] لابن أبي عاصم هو الكتاب الذي وضعه مؤلفه؟ . سيقول ...

لك: أنا وضعت تحت هذا العنوان: (ظلال الجنة في تخريج السنة) ، فيفهم منه

أن هذا الكتاب هو تخريجه. وكحال الكتب المحققة المخرجة أيضاً، هل هي الكتب

التي وضعها مؤلفوها؟ إذاً يجب على قاعدتك أن تذكر فوق كل عنوان: تخريج،

أو شرح، أو تحقيق..

٥- تعترض عليَّ لأنني حذفت الأحاديث الضعيفة من الكتاب، وقد فعل هذا

غير واحد من مشايخ عصرك، فها هو الشيخ الألباني مثلاً: استخرج السنن الأربع

بصحيحها وحذف ضعيفها، وكذلك (صحيح الجامع) . فهل ما فعله بنظرك إساءة؟

٦- تقول: وما أخال إنساناً سوياً خلقه الله ووهبه عقلاً يشكو صعوبة تناول

كتاب النووي حتى جاء صاحبنا ليسهل له ذلك بالتهذيب كيما يناله بأقرب الطرق

(حتى ولو كانت مشروعة) والغريب حقاً أنه يفعل ذلك ليقرأ الكتاب دون ملل في

وقت قصير مع أن صفحاته الستمائة تقريباً تعادل حجم الأصل..

أقول:

أولاً: وهل اختصر النبهاني الكتاب نفسه لأن فيه صعوبة، وهل اختصر

الألباني أحكام الجنائز، وصفة الصلاة، والشمائل المحمدية، والعلو للعلي الغفار

لذلك السبب نفسه. أم من باب التسهيل والتيسير لهذه الأمة قدر الإمكان.

ثانياً: اعتراضك أن صفحات التهذيب تعادل حجم الأصل، وهذا غير الواقع، انظر إلى طبعة المكتب الإسلامي الجديدة، وطبعة مؤسسة الرسالة المحققة،

وطبعة فاروق حمادة فإنك ستجد أن الأولى والثانية تتجاوز صفحات كل منهما السبع

مئة صفحة، والثالثة نحو التسع مائة صفحة. وأما طبعتي فهي دون الفصل الأخير

نحو خمس مئة صفحة على ما فيها من شرح وتحقيق أثناء الكتاب.

أقول أخيراً: إن الاتهام أسهل البضائع، ولكنها لن تُباع إذا لم تُقرن بالأدلة.


(١) ما زال الكتاب يطبع باسم غير مؤلفه دون أي تنبه لذلك , إذ كتب على غلافه: للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد والصواب: للحافظ أبي بكر بن أحمد بن عمرو بن أبي
عاصم.