للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

كشمير

أليس لهذا الليل من آخر؟ !

(٢)

د.يوسف الصغير

المسلمون والأمم المتحدة:

أصدر مجلس الأمن القرارات الكثيرة التي تدعو إلى إعطاء شعب كشمير

حرية الاختيار [١] ووافقت باكستان وكذلك أظهرت الهند موافقتها وادعت أنها

ستقوم بإجراء استفتاء عند استتباب الأمن، وأن ضمها لكشمير إنما هو ضم مؤقت، ولكن أفعال الهند تناقض أقوالها، فقد استمرت في تدعيم وجودها في الجزء

المحتل من كشمير، وتم تعيين الشيخ عبد الله في منصب رئيس الوزراء في الولاية

من جديد بدعم من صديقه نهرو، وتم إجراء انتخابات صورية سنة ١٩٥٢م؛ حيث

جرى لاقتراع اثنين فقط من بين ٧٥ مقعداً أما الباقون فقد فازوا بالتزكية من حزب

الشيخ عبد الله (المؤتمر الوطني لعموم جامو وكشمير) وقام هؤلاء العملاء بإعلان

انضمامهم للهند بصورة هزلية، وهنا بدأ الخطاب الهندي يتغير حتى أعلن وزير

الداخلية الهندي عام ١٩٦٥م أن ضم كشمير (أمر نهائي وكامل ولا عودة عنه) ؛

فقامت الثورة وقام الجيش الهندي باتخاذ ذلك ذريعة للهجوم على باكستان. واشتعلت

الحرب الثانية بين الهند وباكستان، وتمت هزيمة الجيش الهندي، وتدخلت روسيا

بالوساطة وعُقد مؤتمر في طشقند تم فيه تحويل انتصار باكستان العسكري إلى

هزيمة ديبلوماسية بتثبيت الأوضاع كما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة، وبدأت

الهند باتباع سياسة جديدة في كشمير قائمة على تقوية مركزها العسكري في الولاية

إضافة إلى محاولة طمس الإسلام، ومن أهم أساليبهم ما يلي:

١ - تغيير المنهج التعليمي في المدارس الحكومية وإيقاف تدريس القرآن

الكريم والحديث الشريف وإدخال اللغة الهندية كلغة إجبارية.

٢- نشر الإباحية والفساد الخلقي في المعاهد والكليات والجامعات..

٣- محاربة الحجاب والدعوة إلى الاختلاط.

٤- تشجيع الزواج بين المسلمين والهندوس.

٥- منع ذبح البقر.

٦- إباحة الخمر.

٧- تأسيس دور السينما والملاهي الليلية.

٨- منع تعدد الزوجات وتنفيذ برامج تحديد النسل.

٩- تشجيع الهندوس على الاستيطان في كشمير في سبيل تغيير تركيبة

السكان.

وهكذا مرت السنون ومجلس الأمن يصدر القرارات بينما الهند مستمرة في

فرض الأمر الواقع وتعرض المسلمين للبطش والتنكيل بصورة دورية، وإزاء ذلك

كانت ردة الفعل - إضافة للانتفاضات المستمرة - بتكوين جمعيات إسلامية تعليمية

تربوية تمثل نشاطها في الآتي:

١- إنشاء المدارس والكليات الإسلامية والتي تخرج منها جيل جديد يحمل

عقيدة التوحيد، ومنها الكلية السلفية في وسط العاصمة التي أقامتها جمعية أهل

الحديث عام ١٣٩٧هـ.

٢- نشر الدعوة الإسلامية من خلال الندوات والمؤتمرات والاجتماعات

وإصدار المجلات.

وكان عام ١٩٨٨م بداية عهد جديد من الجهاد فقد بدأت انتفاضة تحولت في

عام ١٩٩٠م إلى حركة جماهيرية برزت فيها الجماعات الإسلامية.

التنظيمات والأحزاب:

ذكرنا سابقاً أن هناك حزبين رئيسيين أولهما: حزب (المؤتمر الإسلامي)

والذي كان يؤيد الانضمام إلى باكستان وكان له دور في تكوين كشمير الحرة التي

تمثل ثلث مساحة كشمير الأصلية وترتبط بباكستان مع حكم ذاتي وتشكل الآن

القاعدة الرئيسية لتدريب وتسليح المجاهدين.

أما الثاني: فهو حزب (المؤتمر الوطني) بقيادة الشيخ عبد الله الملقب بأسد

كشمير، وكان شعار الحزب (اخرجوا من كشمير) ويبدو من تصرفات زعيم

الحزب أنه يريد أن يكون زعيم كشمير المستقلة، وإذا لم يحصل ذلك فلا مانع عنده

من أن يتولى إدارة كشمير بالتعاون مع الهند أما الأمر المرفوض لديه فهو الانضمام

إلى باكستان ولهذا نجد أنه تارة يُظهر العداء لحكم الهندوس ويدخل السجن ولكن

عندما يثور المسلمون فإنه يتعاون مع الهندوس ويتولى الحكم باسمهم ولكنهم لا

يثقون به ولهذا فإنه يتعرض للسجن والإبعاد عندما تستقر الأمور ثم يخرج من

السجن ليتولى رئاسة الحكومة من جديد في الحالات الطارئة، وقد حصل هذا عدة

مرات ومات الرجل في السبعينيات وهو رئيس للوزاء وقد تجاوز السبعين عاماً،

ولكنه كان حريصاً على إبعاد كشمير عن باكستان، وقد استغلت الهند أباه كما

حاولت استغلال ابنه فاروق ولكن المجاهدين أمروه بمغادرة كشمير وإلا سيكون

مصيره الاغتيال فهرب واستقر في أوربا.

تتنازع الساحة الكشميرية الآن ثلاثة تيارات هي:

أولاً: تيار علماني صغير يدعو للانضمام إلى الهند.

ثانياً: تيار يدعو للاستقلال التام والانفصال عن الهند وباكستان ومن هذا

الاتجاه حركة تحرير جامو وكشمير J. K. L. F. وهي حركة وطنية تهدف

إلى إقامة دولة مستقلة وعلمانية، وكانت في السابق تنفرد في المقاومة العسكرية

للوجود الهندي، وبالتالي هي التي حظيت بالدعم من باكستان حتى أواخر

الثمانينيات حيث خف تأييد باكستان نظراً لظهور الأحزاب الإسلامية على الساحة،

وكما يقول مؤسس الجبهة أمان الله خان: (حين أوجد الباكستانيون بدائل مثل حزب ...

المجاهدين أداروا ظهورهم لنا) ، وفي الفترة الأخيرة قام مقاتلو الجبهة بمهاجمة

قواعد المجاهدين في المدينة القديمة من سريناغار واستمر القتال عدة أيام ثم ساروا

بمظاهرات في الشوارع وهم يصرخون (الموت لباكستان) ! وقد وقفت القوات

الهندية موقف المتفرج.

ثالثاً: حزب المجاهدين وهو أكبر القوى العسكرية على الساحة وينضوي مع

تجمعات إسلامية أخرى في الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير ويدعو الحزب إلى

خروج الهنود والانضمام إلى باكستان وقد بدأ نشاط الحزب بقوة منذ عام ١٩٩٠م،

ويحظى بدعم الحركة الإسلامية في كشمير الحرة وقد استعد الحزب للعمليات عن

طريق إرسال الآلاف من الشباب إلى كشمير الحرة بالإضافة إلى أعداد كبيرة

شاركت في الجهاد في أفغانستان؛ حيث إن الجهاد الأفغاني هو أكبر عوامل انطلاق

الجهاد في كشمير، حيث إنه إذا كان طرد الروس ممكناً فَلِمَ يكون طرد الهندوس

مستحيلاً. ومنذ يناير ١٩٩٠م اشتعلت الانتفاضة في كشمير ونزل مئات الآلاف من

المسلمين إلى شوارع العاصمة مطالبين بالحرية فقابلهم الهنود بالرصاص، وفي

الأشهر التالية اعتقل الآلاف وكانت عمليات القتل والاغتصاب وحرق المنازل

والمتاجر من قِبَل قوات الهندوس من الأمور الروتينية، وفر الآلاف من الشباب إلى

كشمير الحرة سعياً وراء السلاح والتدريب، وكما يذكر الأستاذ غلام صفي أمير

حزب المجاهدين فإن هناك تنسيقاً تاماً بين الحركة الإسلامية في ولاية جامو

وكشمير الحرة وبين الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير حيث إن الاتحاد الإسلامي

يقوم بترشيح الشباب المسلم للتدريب العسكري بينما تقوم الحركة الإسلامية بتدريبهم

عسكرياً، وتزويدهم بالسلاح، ويذكر أن حوالي خمسين ألفاً من الشباب وصلوا إلى

كشمير الحرة خلال السنتين الماضيتين عابرين الحدود سراً عبر الجبال الثلجية وقد

استشهد منهم حوالي ٣٠٠٠ وجرح ٤٠٠، وتم تدريب حوالي ٤٠٠٠٠ شاب ويوجد

هناك مراكز تدريب داخل كشمير.

مراحل الجهاد:

لقد ركز المجاهدون من البداية على محو آثار الاستعمار الهندي فتم إغلاق

مراكز الفاحشة والمخدرات ومحلات بيع الخمور والملاهي الليلية، وجميع مراكز

الفساد الخلقي، وعادت النساء إلى ارتداء الحجاب، ثم تواصل الجهاد ضد الجيش

الهندي وبلغت خسائر الجيش الهندي حوالي أحد عشر ألف قتيل، وتمت ملاحقة

وتصفية عملاء الهندوس، وسارع الكثير ممن بقي منهم إلى إعلان قطع علاقاتهم

مع الاستعمار على صفحات الجرائد، أما تضحيات الشعب المسلم فبلغت حتى الآن

ثلاثين ألف شهيد، وأكثر من تسعين ألف معتقل، وحتى نتصور جهود الهندوس

في مواجهة المجاهدين فإن تعداد الجيش الهندي المرابط في كشمير يزيد على ٤٠٠

ألف عدا قوات الشرطة والقوات الحدودية، مع ذلك فإن الحكومة الهندية فشلت في

تكوين حكومة في الولاية فهي تجد الحكم المباشر من دلهي ولا يوجد سلطة مدنية في

الولاية، وقد نصحت الاستخبارات الهندية الحكومة أن تنقل الإدارات العسكرية

والمراكز التقنية من الولاية؛ لأن الحركة قد تعدت مرحلة إمكانية التحكم. فالذي

يحكم هو الاتحاد الإسلامي للمجاهدين، ففي مدينة بارامولله شمالي سريناغار يقسم

نهر جيلوم المدينة نصفين، فعلى الضفة الجنوبية يوجد البازار الجديد (السوق)

والمباني الإدراية ومواقع عسكرية، أما المدينة القديمة على الضفة الشمالية،

فيسيطر عليها المجاهدون، ولا يدخلها الجيش إلا في حملات تفتيش دورية، أما ما

عدا ذلك فإن قوات الأمن تبقى خارج المنطقة تماماً.

مستقبل الجهاد:

إن ما يجري في كشمير هو حلقة من حلقات الصراع الدامي بين المسلمين

والهندوس، وقد حرص الإنجليز على تسليم السلطة للهندوس، ولما تبينت استحالة

ذلك تم تقسيم الهند إلى قسمين هما هندوستان (الهند) وباكستان، وخرجت الهند

بنصيب الأسد من الجيش والصناعات والموارد، أما باكستان فقد ولدت ضعيفة

مشتتة حيث إنها كانت جزئين: الأول باكستان الغربية والثاني باكستان الشرقية،

وكان هدف الهند منذ البداية تدمير باكستان؛ فدارت رحى الحرب بينهما عام

١٩٤٧م وعام ١٩٦٥م وعام ١٩٧١م؛ حيث تمكنت من تقسيم باكستان إلى جزئين

هما باكستان وبنغلاديش وذلك هو أكبر انتصار للهند، حيث إنه تم استبعاد

بنغلاديش من خارطة القوى المؤثرة، وبقيت باكستان الغربية وحدها تواجه التحدي

الهندوسي وخلال الصراع نلاحظ الآتي:

١- أنتج الحكم في باكستان سياسة موالية للغرب ومع ذلك فإنه يتعرض

لضغوط شديدة لعرقلة تقدم باكستان في المجال العسكري وخاصة النووي.

٢- كانت الهند تدعي عدم الانحياز (الحياد الإيجابي) ؛ فاستفادت من تنافس

الغرب والشرق على كسب وُدها، فأقام الروس صناعات عسكرية متطورة،

وأمدت كندا الهند بالتقنية النووية حتى أتمت بنجاح تفجير قنبلة ذرية في أوائل

السبعينات، وهي تحاول الآن تطوير نظام صواريخ بعيدة المدى، ومع ذلك لا

نسمع الغرب يتحدث عن البرنامج النووي الهندي.

٣- كان الغرب ينتهز أية فرصة لتقوية الهند، فمثلاً قامت أميركا وبريطانيا

بتزويد الهند بكميات كبيرة من السلاح أيام أزمة الحدود مع الصين على الرغم من

أن هذه الأسلحة استُعملت أساساً ضد باكستان فيما بعد.

٤- العلاقات المتميزة بين الهند و (إسرائيل) ، وقد تمكن المجاهدون في

كشمير من أسْر مجموعة من عملاء الموساد الإسرائيليين، كما تم في بيشاور

اعتقال ثلاثة من اليهود المغاربة الذين يحملون جوازات فرنسية لقيامهم بنشاط

تجسسي.

٥- تجاهل الغرب لمأساة المسلمين في كشمير، أما روسيا فقد استعملت الفيتو

في مجلس الأمن لمنع إدانة الهند.

٦- تخوف الغرب والشرق من البُعد الإسلامي في الصراع، فبينما كانت

أمريكا تتبنى عملية تسليح وتدريب المجاهدين في أفغانستان، سارعت أمريكا إلى

وضع حليفتها باكستان في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب نظراً لوجود المجاهدين

العرب في أراضيها، وتخوفها من انتقالهم إلى كشمير خاصة، وقد استشهد أحد

المجاهدين العرب في إحدى عمليات المجاهدين في عاصمة كشمير.

٧- الحرص على عدم إقامة دولة إسلامية في باكستان، وهذا كان واضحاً في

أول يوم؛ فقد حُكم على أبي الأعلى المودودي - رحمه الله - بالإعدام وسجن مراراً

لمطالبته بإقامة الدولة الإسلامية التي بذلت في سبيلها مئات الألوف من الأنفس،

وتتابع على الحكم الإسماعيلية والرافضة. ولا يغيب عنا دعم الغرب القوي لبي

نظير بوتو (الرافضية) والظروف الغامضة التي قُتل فيها ضياء الحق.

٨- إبراز الهند كقوة إقليمية رئيسية والسماح لها بالتدخل في محيطها مثل

تدخلها في سري لانكا وموريشيوس.

ويمكن تصور ثلاثة مواقف محتملة للهند في سبيل حل مشكلة كشمير:

الأول: محاولة تكوين حكومة مرتبطة بدلهي مع تمتعها بالحكم الذاتي

وإشراف دلهي على الأمن والدفاع والخارجية، ويقابل هذا بالرفض من قِبَل

المجاهدين.

الثاني: إلقاء تبعة الصراع على باكستان، وبالتالي التحرش بها ومحاولة

غزوها، وهذا احتمال وارد ولكن نتائجه غير مضمونة نظراً لاحتمال وجود ترسانة

نووية لدى باكستان.

الثالث: السماح باستقلال كشمير بشرط عدم الانضمام إلى باكستان وهو

احتمال وارد.

ولكن تزايد موجة التطرف الهندوسي في الهند قد يرجِّح الاحتمالين الأول أو

الثاني خاصة بالنظر إلى مطالبة السيخ بالاستقلال. والذي يبدو أن استقرار الحكم

الهندي في كشمير أمر مستبعد، والهند غير قادرة على حرب استنزاف طويلة الأمد، وستحاول بقدر جهدها إثارة القلاقل والنزعات الانفصالية في باكستان حتى يخف

تأييد باكستان للمجاهدين، فهل تصمد باكستان في وجه الضغوط، وتعرف أن

كشمير هي أكبر ورقة رابحة لها في صراعها مع الهند، وأن الهند معرضة للتشرذم

إذا حلت باكستان راية الإسلام؛ حيث إن حوالي مئة مليون مسلم في الهند يمكن أن

يقلبوا الموازين رأساً على عقب. أما إذا استمرت سياسة الملاينة فإن الهند ستمضي

في خطتها لاستكمال تحطيم باكستان وبالتالي القضاء على آمال المسلمين في كشمير.


(١) * ٢١ من نيسان سنة ١٩٤٨م: (تود كل من الهند وباكستان أن يتقرر مصير جامو وكشمير بإجراء استفتاء حر نزيه فيها) * ٢٣ من آب سنة ١٩٤٨م: " من المؤكد أن تقرير ولايتي جامو وكثممير لا يتم إلا وفق رغبة الشعب الكشميري الحر " * ٥ من كانون الثاني سنة ١٩٤٩م: " إن كلتا الحكومتين تعترف بوجوب تقرير مصير كشمير بإجراء استفتاء حر محايد بطريق ديمقراطية سلمية " * ١٣ من كانون الأول ١٩٥٢م: " وإن مجلس الأمن ليعيد قراره السابق الذي وافقت عليه كل من الهند وباكستان والذي يقضي باجراء الاستفتاء العام الحر المحايد في كشمير " * ١٦ من تشرين الثاني ١٩٥٧م: " تسلم الحكومتان - الهند وباكستان - بما اتُّخذ في ١٣ من آب ١٩٤٨م و٥ من كانون الثاني ١٩٤٩ من قرارات بشأن إجراء الاستفتاء الحر والمحايد في ولايتي جامو وكشمير ".