للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطب بين عالَمين

الدكتور أحمد القاضي

الطب الإسلامي: هو كل ما استُحدث من العلوم والتقنية الطبية، واتفق مع

التعاليم الإسلامية، أو التعاليم الإسلامية وما اتفق معها من المستحدث من العلوم

الطبية والتقنية.

ومواصفات الطب الإسلامي كعلم هي التميز والتفوق.

ونعني بالتميز والتفوق أن يكون طباً متميزاً ناجحاً فيما فشل فيه الطب

الحديث، ولكي يكون كذلك يجب أن تتحقق فيه الشروط الخمسة التالية.

١-الإيمان، أي أن يكون طباً ربانياً يلتزم بالتعاليم الإلهية فيما يحل ويحرم.

٢- الشمولية، وذلك بأن يهتم بالمريض ككل جسداً وعقلاً وروحاً، وأن يكون

هذا أسلوبه في مواجهة كل مشكلة يقابلها.

٣- المنطقية (الرشد) ، بأن يكون منطقياً في تصوراته وممارساته.

٤- العالمية، بأن يكون عالمياً في مصادره لا يتحيز لمصدر دون آخر، ما

دامت الطرق والوسائل والممارسات تتفق مع التعاليم الإسلامية، وينتظر منها ... الفائدة.

٥- المنهجية العلمية، وهي أن نضع أية ممارسة أو منطلق نتبعه تحت

التمحيص العلمي الدقيق، فإذا ثبتت فائدته اتبعناه، وإلا تركناه.

حينما وضعنا هذه الشروط عام ١٩٨٠ افترضنا نظرياً أنه إذا اجتمعت هذه

الصفات مع ما توفر لدينا من العلوم والإمكانيات الطبية؛ فسينتج طب جديد فريد

من نوعه، ناجح في ممارساته.

وقد أجرينا بعض الدراسات الإحصائية في جنوب أفريقيا عام ١٩٨٢، وفى

أمريكا عام ١٩٨٣, فثبت: أن اتباع التعاليم الإسلامية ينتج عنه نقص في نسبة

الإصابة بالأمراض والوفيات، والعكس صحيح، أي: أن مخالفة التعاليم الإسلامية

ينتج عنه زيادة في نسبة الإصابة بالأمراض، ومنها السرطان وغيره من الحميات،

ويتسبب في زيادة نسبة الوفيات، وهذا ما دفعنا إلى تأسيس (مؤسسة العلوم الطبية

الإسلامية) عام١٩٨٣ لتجسيد المفاهيم النظرية والمعلومات التي تبلورت في نطاق ...

الجمعية الطبية الإسلامية خلال خمسة عشر عاماً.

وكان السؤال: إذا التزمنا ومارسنا هذه المبادئ الخمسة، فهل يمكن تقديم

طب جديد ناجح متميز؟ حيث إننا قد افتقدنا هذه الشروط الخمسة في العلوم الحديثة

عامة، وفي الطب الحديث خاصة.

وقد يفاجأ البعض بهذه النتيجة، لأن للعلوم الحديثة بريقاً يبهر الأبصار.

والبعض يظن أن العلوم الحديثة بلغت الذروة!

ومن أجل دراسة إحصائيات الطب الحديث في أمريكا خلال العشرين سنة الماضية نظرنا إلى ثلاثة معايير:

١- نسبة الإصابة بالأمراض.

٢- نسبة الوفيات.

٣- نسبة سعادة الجمهور (الصحة البدنية والنفسية) .

وقد وجدنا-على ضوء هذه المعايير -: أن نسبة الإصابة بالأمراض قد ... زادت. صحيح أن بعضها قد تلاشى؛ لكن ظهرت أمراض جديدة محيرة لم تكن موجودة. وأما نسبة الوفيات فقد تزايدت.

وتلاشت سعادة الجمهور، فقد تزايدت بدرجة كبيرة نسبة الانتحار والاعتداء

على الحياة.

ونستخلص من كل ذلك: أن الطب الحديث لا يحقق ما ينتظر منه من نجاح.

أي أنه فشل في عدة جبهات، وإذا دققنا النظر بحثاً عن أسباب ذلك وجدنا أن:

أ - الإيمان - كمقياس لتحديد الخبيث من الطيب - معدوم، وذلك أن ما يحدد

الطيب من الخبيث هو رأي الخبراء، فإذا نادت الأغلبية أن زواج الرجل بالرجل

أمر طبيعي فيكون مباحاً، وإذا أجمع الخبراء أنه لا بأس بالكحول في الأدوية

الطبية فإنه يستعمل في ٩٠% من الأدوية السائدة اليوم!

ب - الشمولية وهي مفقودة في كثير من الممارسات.

فالرعاية الطبية جزئية، حيث تهتم بجزء من المشكلة، ولا تهتم بالأمر كله،

فمثلاً:

تأخذ الأم طفلها الرضيع إلى طبيب الأطفال المختص، فيفحص جسم الطفل

وطوله ووزنه، وحالته الغذائية ونموه، ويعطيه اللقاحات اللازمة، ولكن لا يتجرأ

بالسؤال عن حالته الاجتماعية وحياة الأسرة الروحية، وخطتها في تنشئة الطفل من

حيث السلوك أو الدين أو العقيدة، فيعتبر هذا تدخلاً لا شأن له به، بل يدرسون في

مدارس الطب الغربية أن الطبيب يجب أن يبتعد عن الأخلاقيات! .

فنتيجة هذه الرعاية الجزئية القاصرة للطفل هناك زيادة وبائية في الانحرافات

الخلقية في الجيل الناشئ، في إدمانهم على المخدرات، وإصابتهم بالأمراض

الجسمية والنفسية، وبعضها يؤدي إلى فقد الحياة.

وبعد ممارسة التربية الجنسية في الغرب خلال الثلاثين سنة الماضية لتحقيق

الأهداف التالية:

١- القضاء على الأمراض التناسلية وتخفيض نسبتها.

٢- تخفيض نسبة الأطفال غير الشرعيين.

٣- تخفيض نسبة المشاكل الأسرية، من طلاق واعتداءات وغير ذلك. ماذا

كانت النتائج؟ .

كانت النتائج عكس ما خطط له، فقد نجم عن ذلك:

١- زيادة مخيفة في الأمراض التناسلية.

٢- زيادة الحصول على وسائل منع الحمل وبذلها لمن يريد.

٣ - زيادة مطردة لمشاكل الأسر، من طلاق وانهيار واعتداءات وانحلال

وانتحار! لماذا؟ .

لأن برامج التوعية اقتصرت على النواحي الحيوية والعضوية، وتجاهلت

النواحي الخلقية والاجتماعية والدينية وقيودها ومنظماتها تماماً.

بينما قام القرآن الكريم بالتوعية الجنسية من النواحي المختلفة المتكاملة:

العضوية والخلقية والاجتماعية.

٤- المنطقية وهي مفقودة كذلك من كثير من الممارسات:

أ- حيث تنفق ملايين الدولارات لتوعية الجمهور وتحذيره من أضرار ... الكحول؛ بينما تحتوي الصيدليات أنواعاً كثيرة من الأدوية تحتوي علي نسبة عالية من الكحول قد تؤدي إلى ٩٠% منها، وبعضها يحتوي على نسبة من الكحول قد تصل إلى نسبة ما في النبيذ والبيرة وبعض المشروبات الأخرى، بل قد تزيد عنها! .

ب- تنفق آلاف الدولارات لإنقاذ مريض عمره ٩٠ سنة في حالة غيبوبة،

وفى المستشفى نفسه قد يكون الطبيب نفسه يقضي على عشرات الأجنة الحية،

ويأخذ أجراً أو ثمناً مقابل ذلك باسم إباحة الإجهاض! .

ج - تنفق ملايين الدولارات كل عام في العالم على علاج بضع مئات من

النساء - على أكثر تقدير - كي تنجب أطفال الأنابيب، بينما يقتل خمسون مليون

طفل في أنحاء العالم كل عام باسم الإجهاض.

د - تستخدم مئات الملايين من النساء وسائل منع الحمل بتشجيع ودفع من

كثير من الدول وأحياناً بالإكراه (كما في الصين والهند ومصر) ، في الوقت الذي

يتحدث فيه الأطباء عن مجهوداتهم في عمليات فتح الأنابيب، أو عمليات طفل

الأنبوب! .

هـ تنفق مئات الملايين من الدولارات على العمليات الفنية البارعة في ... نقل الأعضاء، كالقلب والكبد والكلى، أو وضع أعضاء صناعية لأفراد قاربوا على النهاية، في الوقت الذي يموت فيه أكثر من عشرة ملايين طفل كل عام من الجوع والإسهال! .

وإن إنفاق هذه المبالغ لإنقاذ هؤلاء الأطفال سيجعل من الممكن -بإذن الله-

إبعاد شبح الموت عن ملايين الأطفال البائسين في العالم كل عام، والذين أمامهم أيام

وسنين طويلة ومستقبل، كما يمكن أن يكونوا أدوات إنتاج مفيدة.

٤- العالمية (الانفتاح على كل ما هو مفيد) .

ينظر أغلب متخرجي المدارس الغربية بتوجس إلى كل ما هو غريب عن

مدارسهم، ولذلك يفتقد الطب الحديث كثيراً من الآراء والممارسات المفيدة في

مضمار الطب، كالطب العربي والطب الصيني (الوخز بالإبر) كذلك في توزيع

نتائج المعرفة الطبية، فهناك تفاوت كبير بين طبقات المجتمع وبين الشعوب والدول

في مدى استفادتها من الخدمات الطبية.

٥- المنهجية العلمية ونعني بها: الملاحظة الدقيقة للإحصائيات الأمنية

والاستنتاج المنطقي، أي: الأسلوب القرآني.

وهذه المنهجية العلمية نفتقدها في كثير من مجالات الطب الحديث، سواء ... في البحث العلمي أو في الممارسات التطبيقية، إضافة إلى أن هناك كثيراً من

الممارسات غير الأخلاقية في مجال البحث العلمي بين الحين والآخر في الغرب.