للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجولة الأخيرة

مقطع من رواية (صقور القوقاز) التي تظهر موقف الشيخ شامل في نهاية الصراع مع الروس. - بتصرف -

انتهت حرب القرم، وتولى القيصر الكسندر الثاني العرش خلفاً لنيقولا الأول، فقام - لإنزال الضربة الأخيرة بشامل - بإرسال الجيش - الذي سحبه من القرم- إلى جهة القوقاز. وقد أصدر إلى (فورونتزوف) أمره التالي: ...

(- اقض على جميع عشش الصقور، وانتف أجنحة الصقور حتى لا

تستطيع الطيران بعد ذلك. انتظر منكم جميعاً النشاط والهمة والغَيْرة. ولا بد لهذا

العمل من نهاية) .

والواقع أن جناحاً من أجنحة حرب الاستقلال قد تحطم عند انفصال الحاج ...

(مراد) . وقام بعض أمراء الآوار والقازاق بتغيير المكان من جديد واتحدوا ضد ...

(شامل) ، ولم يكن هذا غير الملح والفلفل الذي يوضع على هذا الجرح. وباتت

وحدة الناس التي كانت بين المجاهدين وكانت مثل قلعة لا يمكن اختراقها، باتت

هينة لدرجة أن السيف يمكن أن يدخل بينها (..) وأثمرت بذور الشقاق التي سبق

زرعها، وحوصر الإمام " شامل " في " داركو " حاصرته جيوش روسية ثلاثة.

انسدت كل طرق المساعدات، وتحكم المستطلعون الروس في نظام التخابر

بين الداغستانيين ( ... ) يلعب (شامل) ومعه مجموعة من المسلمين المخلصين

التفوا حوله، ساعاتهم الأخيرة في جولتهم الأخيرة.

ضغط كلا الفريقين على قبضاتهم بشدة هائلة. محكوم على واحد منهما قطعاً

ألا يبقى قائماً وأن يقع أرضاً. وسيكتب على أسوار مقر القيادة في " داركو "

النتيجة القاطعة.

لم يكن الإمام " شامل " ينتظر أي مساعدة قط تأتيه من العالم الإسلامي كان

واقعياً طوال حياته، أدار ظهره دوماً للخيال، وعاش يواجه الواقع والحقائق

ويعيش فيها. وكانت الحقائق مُرَّة. كان العالم الإسلامي مشغولاً للدرجة التي لا

يستطيع فيها أن يساعد إخوان الدين الذين يجاهدون في سبيل حريتهم.. كان

مشغولاً وأي انشغال. نَسيَ فيه الغيرة الجهادية التي أمر الله بها في القرآن، والتي

حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليها، واستبدل هذا العالم وِفَاقَهُ بالنفاق

واتفاقَهُ بالتفرقة. لقد ألمّ بهذا العالم سبات وخدر طارئان.

وبعد دعاء طويل، قرأ للشاعر التركي الشيخ إبراهيم حقي الأرضرومي، ثم

خرج:

هيا نرى ماذا يريد المولى ... فكل ما قد قدَّر المولى جميل

كانت أضواء الغابات المحترقة من بعيد تنعكس، على وجه " شامل "،

وتجعل إنساني عينيه تلمعان. كانت هذه خطة " فورونتزوف ". كان يحرق كل

غابات بلاد القوقاز، وأخذت جريمته هذه تشمل الحيوانات أيضاً. كان القيصر قد

أصدر أمره التالي: " خرب عشش الصقور. وطالما أن هذه الغابات موجودة فلا

بد أن يكون بالضرورة خلف كل شجرة فارس ششني أو داغستاني آخر. يتحدى

بمفرده روسيا حتى لو احتاج هذا الأمر إلى روحه. كان هكذا يفكر " فورونتزوف ". ولأنه يفكر هكذا كان يحرق الغابات.

لا بد أن تكون هذه اللُهب، لهب نيران الحرية المنبعثة من عمق القوقاز.

لكن آه! لقد بدأت نيران الروس تعمل عملها بعد أن سقطت جمرات الطمع في

بعض القلوب. وإلا فهل يمكن أن يرتاح العدو في مكان تنبعث منه الغيرة الدينية؟

كم كان الظلام دامساً، يا ربي! .. لا شيء فيه يَبين، لا اتجاه ولا طريق.

لا صديق طاهر ولا غريب. إنما مجموعة من الفدائيين، ذاقوا أهوالاً كثيرة.

تخطوا الوحدات الروسية موجة بعد موجة، كسروا إطاراتهم، نجوا من ذل الأسر

أسرعوا في الجري وهم يحترقون في مشعل الحرية، وصوت " شامل " الجهوري

يدوي.

(من يفكر في نهايته لن ينجح أبداً في أي وقت. إنما القوة والقدرة من الله

وحده) . ( ... )

لم يبق في القلعة سوى ثلاثمائة شخص أغلبهم مسنون لم يعودوا بمستطيعي

إطلاق الرصاص. أو أطفال لا يستطيعون الصعود إلى الأبراج. لكن فيها نساء.

أخذت النسوة القوقازيات أمكنتهن بجوار رجالهن. تعلمت الأيدي الناعمة الإمساك

بالبنادق ومع ذلك لم يكف هذا. ورغماً عن هذا، فقد رفض الشيخ اقتراح التسليم

الثالث الذي كانت مدته حتى المساء. وأعلن قراره الحاسم بقوله:

(عدوٌّ، كل من يمد يده إلى العدو.)