للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

المسلمون المنسيون في روسيا

د. علي عبد الرحمن عواض

مقدمة:

إن الحديث عن الجمهوريات " الإسلامية " في آسيا الوسطى والتي كانت تابعة

للاتحاد السوفييتي يجب أن لا ينسينا مسلمي روسيا الذين يقطنون في القسم الأوربي

من الاتحاد السوفييتي السابق، فطبقاً لإحصاء عام ١٩٨٩ إن أكثر من ٦٠ شعباً من

الشعوب القاطنة في الاتحاد الروسي هي شعوب إسلامية. تتوزع على دول مستقلة

وأخرى ذات استقلال ذاتي ضمن الاتحاد الروسي، والبقية تتوزع على دول الاتحاد

الروسي الأخرى كأقليات عرقية أو على شكل قبائل مشتتة في جمهورية أو أكثر.

وفي روسيا اليوم - الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي - ست وعشرون

جمهورية تكون بمجموعها الاتحاد الروسي، بينها ستة ذات غالبية إسلامية بعضها

يتمتع بحكم ذاتي وإمكانات اقتصادية جيدة، وبعضها الآخر يطالب بمزيد من

الإصلاحات ويطمح إلى استقلالية أوسع.

تاريخ الإسلام في روسيا:

دخل الإسلام بلاد ما وراء القوقاز الشرقي (آذربيجان) وآسيا الوسطى في فترة

مبكرة حيث أن الفتح الإسلامي شمل آذربيجان عام ١٨ هـ، وتوغل المسلمون في

داغستان عامي ٢٢/٢٣ هـ، وفتحوا دربند (باب الأبواب) عام ٣٢ هـ ثم

تراجعوا عنها، وأعادوا فتحها عام ٣٨ هـ نهائياً وبهذا فتحت جميع بلاد القوقاز

التي انتشر فيها الإسلام بسرعة هائلة.

وفي منتصف القرن السابع توغل الفاتحون العرب في آسيا الوسطى حيث

كانت الزرداشتية والمانوية والمسيحية والنسطورية تتصارع فيما بينها فسيطروا

على باكو عام ٥٦ هـ وفتحوا بين أعوام ٨٦ و ٩٦ هـ كل الإقليم الواقع جنوب

داريا لتتحول كل المنطقة إلى الإسلام.

وبعد أن قضى المغول على الخلافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر

الميلادي، واستتب لهم الأمر في مناطق شاسعة من بلاد المسلمين بدأ الإسلام ينتشر

في صفوفهم بعد أن هدى الله ملكهم بركة خان للإسلام فأسلم واتخذ اسم الملك السعيد، وقد أعطى ذلك دفعاً جديداً للإسلام أوصله حتى القرم وسهوب روسيا الجنوبية في

شمال البحر الأسود وبحر الخرز وحتى سيبيريا الغربية. وفي نهاية القرن الخامس

عشر اعتنق دين الإسلام معظم البلقان والقره تشاي والكبردين والشركس الشرقيون.

وجاءت بعدها فترة التحول المعاكس، أو التوسع الروسي المضاد حيث بدأ

عام ٩٦٠ هـ توسع دولة مسكوفيا لتضم إليها قازان واستراخان وسيبيريا الغربية

ومع نهاية القرن السادس عشر كان الروس قد وصلوا إلى شمال القوقاز في كبارديا

وبلاد الشاشان، ولم يتوقف الزحف النصراني على المناطق التي كانت حديثة

الإسلام إلا بعد أن فرض المسلمون هيبتهم مع نهاية القرن وأوقفوا تقدم المسيحية في

القوقاز الأوسط وبلاد الكبردين الذين بقوا فترة طويلة يترددون بين موسكو المسيحية

واسطنبول المسلمة حتى آثروا الإسلام نهائياً وأصبحت كبارديا بلاداً مسلمة مع بداية

القرن السابع عشر ومنها دخل الإسلام بلاد الأوسيت.

في تلك الفترة، مع نهاية القرن السادس عشر، انتشر الإسلام ببطء في

غوربا جنوب شرق جورجيا ورضي به جزء من أهل البلاد الذين أقاموا فيما بعد

دولتهم التي عرفت باسم أدجاريا وهي من الدولة المكونة للاتحاد الروسي الحالي.

وقد استمر الإسلام في التوسع والانتشار في ظل الإمبراطورية الروسية

خاصة في الفترة التي حكمت فيها كاترين الثانية في المنتصف الثاني من القرن

الثامن عشر حيث أنها كانت ترى في الإسلام ديناً مقبولاً وأكثر قابلية من الدين

المسيحي فسمحت للدعاة المسلمين للعمل في بلادها بحرية كاملة كذلك سمحت في

عام ١١٨٨ هـ /١٧٧٣ م ببناء المساجد والمدارس الإسلامية فنشطت الدعوة،

ونقلت على أيدي التجار والمبشرين بالدين الحنيف إلى بشكيريا وسيبيريا الغربية

وسهول قازاخ.

وأخيراً كان انتشار الإسلام في بلاد الشاشان الذين عُرفوا عبر التاريخ

بتمسكهم بالإسلام وخوضهم أشرس المعارك في بلادهم الجبلية لإيقاف التوسع

الروسي ولعل ثورة الإمام شامل الداغستاني من أشهر الأمثلة لهذه المواجهات،

وبعدها نقل الإسلام عام ١٢٩٤هـ/١٩٠٥م إلى بلاد الأنغوش.

المرحلة الأخيرة من انتشار الإسلام كانت في مطلع هذا القرن وقد استمرت

هذه المرحلة عام ١٣٢٤هـ /١٩٠٥م حيث أعلنت الحريات الدينية في روسيا

استفاد منها الإسلام استفادة واضحة وانتهت عام ١٣٤٨هـ /١٩٢٨م عندما تدخلت

الحكومة السوفييتية وبدأت حملتها المعهودة على العلماء وكتب الإسلام ومعالمه

وأفكاره وشخصياته والتي استمرت إلى وقتنا الحاضر..

المسلمون والتوزيع العرقي:

تعيش معظم الشعوب الإسلامية في مواطنها التاريخية وعلى سبيل المثال:

يعيش في تركمانيا ٩٣% من التركمان.

وفي قبرطه بلكار ٩٣% من القبرط و ٢، ٨٢% من البلقار.

وفي داغستان ٥، ٨٢% من الأفاريين، ٢، ٨٢% من القوميك، ٦، ٧٧%

من اللاك، و ٨، ٧٦ من الدرع.

وفي فرستاي -شركساي ٨٣% من قرشاي، و ٩، ٧٦% من الشركس.

وفي بشكيرستان ٦، ٥٩% من البشكير.

والتتار هم الشعب المسلم الوحيد المشتت إذ يعيش ٦، ٢٦% منهم فقط في

تتارستان بينما تتوزع البقية على مختلف أنحاء روسيا ودول آسيا الوسطى. بعد أن

أجبر التتر على الهرب من قسوة النظام المسكوفي إلى مناطق متفرقة.

أكبر القوميات الإسلامية هي القومية الكازاخاية حيث يزيد تعداد أفرادها على

التسعة ملايين شخص جلهم من المسلمين وأقلها العرب الذين يقرب عددهم على الـ

١٠ آلاف شخص استوطنوا مناطق مختلفة منذ الدخول الأول للإسلام إلى تلك البلاد.

والقوميات المسلمة المتنوعة تنقسم في أصلها إلى مجموعات عرقية كبيرة هي:

الأتراك، والإيرانيون وقوقازيون إبيريون.

المسلمون وسياسة " الترويس ":

رافق الحملة الدعائية والفكرية ضد الإسلام حملة على المؤسسات الإسلامية إذ

ألغيت عام ١٣٤٤ هـ /١٩٢٤ المحاكم الشرعية، وكذلك محاكم للأعراف كما

ألغيت عام ١٣٤٨ هـ/١٩٢٤م جميع المدارس الدينية الثانوية والابتدائية والكتاتيب

وكان عددها في ذلك الوقت ١٥٠٠٠ مؤسسة. وفي عام ١٣٥٠ هـ/ ١٩٣٠ م تمت

مصادرة آخر ممتلكات الوقف الإسلامي الذي كان يؤمن القوة الاقتصادية للدعاة

المسلمين ولمؤسساتهم.

ثم كانت الحملة البشرية - وهي من الخطورة بمكان - والتي رتَّب لها الاتحاد

السوفييتي وخطى فيها خطوات واسعة، والتي كانت بمثابة الضربة القاسمة لكثير

من الآمال التي كان يحلم بها أبناء الجمهوريات والمقاطعات الإسلامية. حيث أن

سياسة الاتحاد السوفييتي فرضت عملية إعادة تشكيل (ديمغرافية) للمقاطعات

والدويلات الإسلامية وذلك من خلال ترتيب عمليات ترحيل قسري وطوعي لكثير

من أبناء المقاطعات واستبدالهم بوافدين روس من مناطق مختلفة من شتى أنحاء

الاتحاد السوفييتي السابق.

فقد قامت السلطات بمصادرة الملايين من الكيلومترات المربعة من ممتلكات

المسلمين لتوهب للقادمين الروس، حيث يقام لهم نظام اقتصادي متكامل يتوافق مع

الخطة المرسومة لإبقائهم في تلك المناطق على أمل كسر الطابع المميز لهذه

المناطق وذلك بتزريع هذه المجمعات السكانية الهائلة في قلب مناطق القوميات

الأخرى غير الروسية والجدول التالي يوضح بعض هذه النماذج:

التركيبة العرقية للجمهوريات والمناطق ذات الغالبية الإسلامية

الدولة ... السكان بالآلاف [*] السكان ... الروس أقليات أخرى ... نسبة

الأصليين ... ... المسلمين

بشكيرستان ... ٣.٩٤٣ ... بشكير ٢١.٩% ٣٩.٣% منهم تتار ٢٨.٤% ٥٥%

شاشان/أنغوش ١.٢٧٠ ... شاشان ٥٧.٨% ٢٣.١% منهم أنغوش ١٢.٩% ٧٥%

الأديغة ... ٤٣٢ ... اديجيين ٢٢.١% ... ٦٨% ... ١٩.٩% ... ٧٠%

جوفاش ... ١.٣٣٨ ... شوقاش ٦٧.٨% ٣٦.٧% ... ٥.٥% ... ٧٠%

داغستان ... ١.٨٠٢ داغستانيين ٨٠.٢% ... ٩.٢% ... ١٠.٦% ... ٧٥%

كاباردين-بلكار ٧٥٤ كابادانيين ٤٨.٢% ٣١.٩% منهم بلكار ٩.٤% ... ٧٠%

شركس قرتشاي ٤١٥ كاراشيين ٣١.٢% ٤٢.٤% منهم شركس ٩.٧% ٧٠%

قاقازيا ... ٥٦٧ قاقاقزيين ١١.١% ٧٩.٥% ... ٩.٥% ... ... ٢٠%

تتارستان ٣.٦٤٢ ... تتار ٤٨.٥% ٤٣.٣% ... ٨.٢% ... ... ٥٥%

رافق هذا الغزو الروسي تفريغ لمناطق إسلامية من سكانها الأصليين وإعادة

توطينهم في مناطق أخرى من روسيا.

الوضع الحالي:

إن النقص الواضح في الكتابات العربية عن مسلمي روسيا بشكل خاص يزيد

من صعوبة الكتابة في هذا الموضوع من جانبين:

- الأول: أن الكاتب سوف يضطر إلى استخدام المراجع الأجنبية غير الموثقة

أحياناً.

- الثاني: أن الكتابة المقتضبة لا تفي الموضوع غرضه وتشرح تناقضات

وتداخلات الواقع المعاش في تلك البلاد والتفصيل في واقعها.

فإلى جانب الجمهوريات الإسلامية لآسيا الوسطى والتي كثر الحديث عنها في

السنوات الأخيرة وهي ستة جمهوريات

(أذربيجان/اوزبكستان/قازاخستان/طاجيكستان/قيرغيزيا/تركمانيا) فإن الوضع الحالي

للمسلمين في روسيا يمكن تقسيمه سياسياً إلى ثلاثة مجموعات كبيرة من الكيانات

هي كالتالي:

١- الجمهوريات المستقلة ذاتياً وتضم:

* جمهورية تتاريا.

* جمهورية بشكيريا.

* جمهورية الكبردين - البلقا.

* جمهورية داغستان.

* جمهورية الشاشان - الانغوش (والتي انقسمت إلى دولتين حديثاً: الشاشان

والأنغوش) .

٢- مناطق تتمتع باستقلال ذاتي [**] :

* منطقة الأديغة.

* منطقة القره تشاي - الشركس..

٣- قوميات إسلامية ليس لها إقليم وطني، ولكنها تتمتع باستقلال ذاتي.

إلى جانبها قوميات ومجموعات عرقية لا تتمتع باستقلال ثقافي ذاتي.

١- الجمهوريات الإسلامية المستقلة ذاتياً:

من بين الجمهوريات الستة والعشرين التي تشكل الاتحاد الروسي هناك خمس

منها ذات غالبية إسلامية هي: بشكيرستان/الكبردية-

البلقارية/تتارستان/داغستان/الشاشان/الأنغوش. وكذلك جمهورية أبخازيا والتي هي

جزء من جورجيا حالياً.

أ- جمهورية تتاريا:

مساحتها ٦٨٠٠٠ كم ٢ عدد سكانها الإجمالي ٣.٥ مليون نسمة حسب

إحصائية ١٤١٣هـ /١٩٩٢ م، عاصمتها قازان وهي مركز صناعي مهم. وهي

الإقليم المسلم الأقرب إلى موسكو حيث أنها تمثل طليعة الإسلام المتقدم في قلب

روسيا. يقع هذا الإقليم في المجرى الوسط لنهر الفولغا ومعظم سكان العاصمة من

الروس. والمعروف أن الترر هم من القوميات التي أصابها التشتت بسبب الحروب

والتهجير القصري ولا يتجاوز التتر المقيمون في هذه الجمهورية ٢٨% من

المجموع العام للتر في روسيا.

ب- جمهورية بشكيريا:

تأسست الجمهورية في ٢٠ آذار ١٩١٩م/١٣١٨ هـ كجزء من الجمهوريات

الفيدرالية الاشتراكية السوفييتية. تمتد مساحتها فوق ١٤٣٥٠٠كم ٢ وعدد سكانها

يتجاوز الأربعة ملايين نسمة وعاصمتها أوفا وهي مدينة غالبيتها من الروس والتتر. تمتاز هذه الجمهورية بأن سكانها الأصليين أو البشكير هم أقلية بالنسبة للأقليات

الأخرى والتوزيع العرقي كالتالي:

بشكير ٢١.٩%، تتر ٢٨%، روس ٣٩.٣%، تشوفاش ٣.٢%،

ماريون ٢.٨%، أوكرانيون ٢.٠%.

طبيعة سكان الجمهورية بشكل عام قرويون يعملون في الزراعة (٨٠%) ،

يتولى الروس معظم العمل الصناعي والوظائف الرسمية.

ب- جمهورية الكبردين - البلقار

تحتل أراضي هذه الجمهورية الجزء الأوسط من جبال القوقاز. أنشئت

الجمهورية لأول مرة عام ١٣٤٠هـ/١٩٢١م كمنطقة مستقلة وتحولت إلى جمهورية

مستقلة عام ١٣٥٦ هـ/١٩٣٦ م وتحول اسمها إلى كبارديا خلال الحرب العالمية

الثانية لاتهام البلقار ظلماً بالتعاون مع الألمان، وجرت حملات أبعاد منظمة لهم إلى

سيبيريا وآسيا الوسطى. ولكن في عام ١٣٨٩هـ /١٩٦٨م أعيد لهم الاعتبار

وأعيدوا إلى جمهوريتهم، وعادت الجمهورية باسم الجمهورية الكبرديل - البلقارية.

مساحة الإقليم تتجاور الـ ١٢٥٠٠ كم ٢ عدد سكانها يقارب المليون عاصمتها

نالتشيق، ويقطنها ثلث سكان البلاد وهم يتألفون من عرقيتين أصليين. الكردين

(وهم الشركس الشرقيون) والبلقار (الأتراك) .

ج -جمهورية داغستان:

كغيرها من العديد من جمهورية الاتحاد الروسي فإن جمهورية داغستان

تأسست عام ١٣٤٠ هـ /١٩٢١ م، تبلغ مساحتها ٥٠٣٠٠كم ٢، وعدد سكانها

يقارب المليونين نسمة يقطن المدن منها ٣٠% والباقي قرويون. نسبة المسلمين في

هذه الجمهورية ٨٥.٣% من المجموع العام. عاصمتها مختش -قلعة. يمثل

الداغستانيون ٧٨% من مسلمي البلاد يليهم الأذاريون ثم الشاشان.

حتى الثورة البلشيفية كانت العربية هي لغة الأدب في داغستان وكانت ايضاً

اللغة الرسمية لمنطقة شامل. وفي العام ١٣٤٧ هـ/١٩٢٨م أبعدت الحكومة الروسية

اللغة العربية لما لها من طابع ديني، وحلت محلها اللغة الروسية للتعامل الرسمي

والآذارية كلغة شعبية والغالبية العظمى من السكان من أهل السنّة وتتبع المذهب

الشافعي كما تنتشر بينهم الطرق الصوفية خاصة النقشبندية والقادرية.

تعاني هذه الجمهورية كغيرها من جمهوريات الاتحاد الروسي من وضع

اقتصادي سيء ونقص في المؤسسات والكليات الشرعية.

من الأحزاب ذات الطابع الإسلامي في هذا البلد حزب النهضة الإسلامي،

الحزب الديموقراطي الإسلامي وجماعة المسلمين (صوفيين) .

د- الجمهورية الشاشانية-الإنغوشية:

تألفت هذه الجمهورية عام ١٣٥٤هـ/١٩٣٤م (وذلك بتوحيد جمهوريتي الشاشان

التي تألفت عام ١٣٤١ هـ/١٩٢٢م " وجمهورية الانغوش التي تألفت عام ١٩٢٤)

وأصبحت جمهورية مستقلة عام: ١٣٥٦هـ/١٩٣٦م. عام ١٣٦٤ هـ/١٩٤٤م طرد

من ديارهم جميع السكان الأنغوش والشاشان إلى سيبيريا وآسيا الوسطى في ظروف

صعبة أدت إلى موت أرقام كبيرة منهم أثناء عملية الترحيل. ومن ثم قسمت

أراضيهم بين جمهوريات أخرى مجاورة وجورجيا. وبعد موت ستالين أعيد

الشاشان والأنغوش إلى بلادهم وأعيد إنشاء الجمهورية واستعاد أبناؤها اعتبارهم.

يزيد عدد سكان الجمهورية على ١٣٠٠ مليون يعيشون على مساحة تغطي

١٩٣٠٠ كم ٢ عاصمتها غروزني ومعظم سكانها حالياً من الروس.

وكلتا العرقيتين الأنغوش والشاشان قرويون جبليون يعانون من أوضاع

اقتصادية صعبة. قبل الثورة كانت لغة البلاد الشائعة هي العربية وتحولت مع

سياسة الترويس إلى اللغة الروسية عام ١٣٥٩ هـ/١٩٣٩م.

دخل الإسلام هذه البلاد في وقت متأخر (القرن الثامن عشر) ومن الراجح أنه

دخل عبر بخارى وداغستان وشيرفان الذين قادوا الحرب ضد الغازي الروسي.

أعلن استقلال الجمهورية عام ١٤١٢هـ / ١٩٩١م، وتعاني البلاد من

أوضاع سياسية غير مستقلة كنتيجة للرغبة في التغيير من قبل الإصلاحيين والتي

تواجه بمعارضة منظمة مدعومة من شيوعيي البلاد، ومدعومين من الحكومة

المركزية في موسكو.

هـ - أبخازيا:

تمتد أبخازيا على الشواطئ الشمالية الشرقية للبحر الأسود على مساحة تبلغ

٨٦٠٠ كم٢ عاصمتها ساخومي وعدد سكانها مئة وخمسون ألفاً معظمهم من الأبخاز

(أو الأباض كما هي التسمية الحقيقية في تلك البلاد) . معظم الأبخاز (الأباض)

يعيشون في تركيا إذ أن ٧٠% من السكان كانوا قد هجروا ونزحوا عام ١٣١٠هـ/

١٨٦٤م وعندما تعرضوا لغزو بشري منظم وتحولت البلاد إلى خليط من الروس

والجورجيين والأرمن والروم مما أوصل نسبة السكان الأصليين من الأبخاز إلى

١٧ % من السكان.

اعتبرت أبخازيا جمهورية سوفييتية بعد الثورة الشيوعية عام ١٣٣٦هـ/١٩١٧م

ولكن ستالين ألحقها بموطنه جورجيا عندما استلم الحكم. وكانت بدايات المحاولات

الوطنية للتغيير عام ١٤٠٦هـ/١٩٨٥م عندما قامت مظاهرات من الأبخاز مطالبة

باستقلال بلادهم وانفصالها عن جورجيا، ولكن جورجيا واجهت ذلك بقمع شديد

سقط ضحيته العديد من القتلى وألغيت الحريات وعطل العمل بدستور البلاد الذي

يميزها عن جورجيا والذي كان معمولاً به منذ العام ١٣٤٠هـ/١٩٢١م ولكن السلطات

في جورجيا ضمت البلاد بكاملها لجورجيا وألغت الدستور.

وتكرر الوضع عندما قرر مثقفوا وقادة البلاد اعتبار أبخازيا جمهورية

سوفييتية مستقلة والعودة إلى دستور ١٣٤٠هـ/١٩٢١م فكان رد فعل الجورجيين أن

تصدوا للمظاهرات بشكل دموي ذهب ضحيته عشرات الأشخاص. ولكن الوضع

العسكري تفجر يوم ١٤ أغسطس (آب) ١٤١٣هـ/١٩٩٢م عندما دخلت قوات مجلس

الدولة الجورجي أبخازيا بحجة حراسة سكة الحديد ومكافحة الإرهاب والبحث عن

الرئيس الجورجي الهارب فدخلت العاصمة الأبخازية دون إذن من سلطات أبخازيا.

لكن الكميات الهائلة من الجنود الجورجيين كانت كافية للسيطرة على البلاد واحتلال

معظم أراضيها ويحاول شفرنادزه تسليح الجورجيين الذين يسكنون أبخازيا للتصدي

للأبخاز الذين ينادون بالانفصال عن جورجيا وينادون بالاستقلال.

ومع أن الإبخاز أقلية في بلدهم بسبب سياسة التهجير الستالينية ولكنهم

يتمتعون برصيد تاريخي بحقهم في البلاد يعترف لهم به غيرهم من أقليات البلاد.

ولهذا فإن من بين عدد نواب البرلمان الأبخازي (٢٨ مقعداً) للأبخاز بينما توزعت

المقاعد الأخرى كالتالي: ٢٦ للجورجيين، ٥ مقاعد للروم، ٥ للأرمن، مقعد

للأروام.

الوضع الحالي هو أن المعارك لا تزال مستمرة بين قوات الاحتلال التي

تسيطر على مناطق تكفاتيتلي، غال، تسمتثيرا، ساخوم، في محاولة لاستعادة

حرية هذه المناطق والمنطقة مقطوعة عن بقية العالم الإسلامي إلا من بعض المدد

الذي يقدمه مسلمو القوقاز من متطوعين وبعض العتاد. وقد أعلن الرئيس الجورجي

الأحكام العرفية في البلاد أوائل شهر (يوليو) ١٤١٤هـ/١٩٩٣م ولمدة شهرين فاتحاً

البلاد إلى حرب مفتوحة. وقد قامت رابطة شعوب القوقاز التي تضم القوميات

القاطنة جنوب روسيا بإعلان التعبئة العامة لنجدة الأبخازيين سيما وأنه تربطهم بهم

رابطة دينية وامتدادات عرقية وتاريخ مشترك.

٢- المناطق المستقلة ذاتياً:

إلى جانب الجمهوريات المستقلة ضمن اتحاد روسيا فإن هناك خمس مناطق

تتمتع باستقلال ذاتي بينها اثنتين ذات غالبية إسلامية وهي: منطقة الأديغة ومنطقة

القره تشاي -الشركس. وهذه المناطق تستخدم لغاتها القومية إلى جانب الروسية ولا

يمكنها الانفصال عن الاتحاد الروسي.

منطقة الأديغة:

وهذه المنطقة تشكلت عام ١٣٤١هـ /١٩٢٢م باسم منطقة الأديغة الشركس

المستقلة. وتحول اسمها إلى الأديغة عام ١٣٥٦هـ/١٩٣٦م، مساحتها ٧٦٠٠ كم٢

وعدد سكانها يتجاوز النصف مليون نسبة المسلمين بينهم ٧٠% من مجمل السكان،

عاصمتها ما يكوب معظم سكانها من الروس. والأديغة الأصليون هم من أهل السنة

يتبعون المذهب الحنفي، وهم جزء من الأمة الشركسية. والمعروف أن أكثر من

٧٠% من الأديغيين هاجروا إلى الإمبراطورية العثمانية عندما غزت روسيا

القيصرية القوقاز الشمالي، وكانت اللغة العربية هي لغة الادب حتى العام ١٣٣٧هـ/

١٩٨١م واستبدلت رسمياً عام ١٣٥٦هـ/١٩٣٦م باللغة الروسية.

منطقة القرة تشاي - الشركس:

تشكلت هذه المنطقة عام ١٣٤١هـ/١٩٢٢م وانقسمت عام ١٣٥٤هـ/١٩٢٦م إلى

منطقتين مستقلتين ذاتياً: منطقة القره تشاي المستقلة ذاتياً، ومقاطعة الشركس

القومية. وعادت إلى الاتحاد عام ١٣٤٧هـ/١٩٢٨م واتخذت اسمها الراهن. تم

ترحيل قسري للقره تشاي عام ١٣٤٦هـ /١٩٤٤م ثم أعيد البعض إليها عام ١٣٩٨

هـ/١٩٥٧م بعد اتهامهم ظلماً بالتعاون مع الألمان وإبادة أعداد كبيرة منهم ونفي الجزء

الآخر.

مساحة الإقليم ١٤١٠٠ كم٢ وعدد سكانه حوالي النصف مليون نسمة

عاصمتها شركس وغالبية سكانها من الروس.

٣- أقليات وقوميات إسلامية أخرى:

كما يتوزع في أنحاء مختلفة في الاتحاد الروسي مجموعة من القوميات التي لا

تتمتع باستقلالية ضمن إطار وطني ولكنها تتمتع بنوع من الاستقلال الثقافي الإقليمي

إذ تستخدم هذه القوميات لغاتها المكتوبة، ولها مؤسساتها التربوية والعلمية

وصحافتها ومسارحها ومعاهدها الخاصة بالبحث، وهناك أربع قوميات إسلامية

تتمتع بهذه الخصائص اثنتان منها هاجرت من الصين وهي: الويغور المسلمين

ويبلغ تعدادهم ٢٥٠ ألف نسمة وهم امتداد لنفس العرق في الصين حيث يبلغ

تعدادهم ٨ ملايين نسمة.

والدنغان: وهم مسلمون على المذهب الحنفي هربوا من الصين عام ١٢٩١هـ

/ ١٨٧٧م بعد فشل ثورة المسلمين في الصين ضد السلالة المنشورية.

الأكراد: ويبلغ تعدادهم حوالي ١٢٥ ألف نسمة جاؤوا على شكل موجات من

المهاجرين على فترات زمنية متباعدة من إيران والعراق وتركيا اثر مشاكلهم مع

الحكومات في تلك البلاد.

تتر القرم: وكان لهم حتى عام ١٣٦٤هـ/١٩٤٤ إقليم خاص بهم له استقلالية

ذاتية ولكنهم عوملوا كإخوانهم الأنغوش والشاشان عندما اتهموا بالتعاون مع الألمان

وشتتوا على أيدي ستالين في سيبيريا وقازاخستان وتذكر المصادر أن أعداد كبيرة

منهم قضت خلال فترة التشريد وقد ألغيت جمهوريتهم نهائياً وألحقت المنطقة

بأوكرانيا.

وإلى جانب هذه المجموعات العرقية هناك قوميات وعرقيات إسلامية عديدة لا

تتمتع بأي استقلال أو تميز ثقافي أو اجتماعي وقد عمل على دمجهم في الإطار

الروسي الأوسع لإذابة شخصيتهم المميزة ومنهم:

البلوش/الأيروني/الأتراك/وعرب آسيا الوسطى. كما أن الإسلام ينتشر بين

أعراق وقوميات بشكل جزئي حيث أن البعض اعتنق الإسلام بينما بقيت

المجموعات الأخرى على ديانات إما نصرانية أو وثنية منهم: الأرمن

المسلمون/التات المسلمون/الغجر المسلمون..

كلمة أخيرة:

لعل الاستعراض السريع لأحوال مسلمي هذه المناطق يلفت الانتباه إلى

الوضع المأساوي الذي تعيشه معظم هذه الدول والأقليات ضمن إطارها الروسي -

النصراني الواسع.

وقد نستخلص من أهم المشاكل التي يشترك فيها معظم مسلمي هذه المناطق:

- الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تؤثر سلباً على إثبات أنفسهم وإصلاح

واقعهم.

- الأوضاع السياسية حيث أن معظم هذه المناطق تحكم من قبل شيوعيين

يتسمون بأسماء إسلامية.

- الجهل بالدين والبعد عنه حيث أن سنوات الشيوعية الطوال أنتجت أجيالاً

من المسلمين الذين لا يعرفون عن دينهم إلا الاسم.

- انتشار الخرافات والبدع بينهم. مما يزيد من أهمية وضرورة العمل على

نشر العلم الشرعي الصحيح بين أبناء هذه الطوائف.

- سارعت الكنيسة لاحتضان النصارى من تركة الاتحاد السوفييتي، وهي

تعمل جاهدة في بلاد المسلمين ومناطقهم. والمؤسسات الإسلامية الخيرية والدعوية

مدعوة للمشاركة في احتضان ومساعدة وتعليم المسلمين المنسيين في روسيا.


(*) إحصاء عام ١٩٩٢.
(**) انظر حاضر العالم الإسلامي للدكتور جميل المصري، المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفييتي تأليف الكسندر بينغسن وشانتال لوميرية كيلكجاي ترجمة عبد القادر ضللي دار الفكر المعاصر، بيروت لبنان ١٩٨٩.