للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آذربيجان بين الماضي والحاضر

تتناقل وسائل الإعلام اسم آذربيجان بصورة عمومية تحتاج إلى الإيضاح -

أكثر من أي وقت مضى - لأن القارئ العربي قد كونَّ صورة مغلوطة عن تلك

البلاد خلال هذا القرن.

لقد حدَّد الجغرافيون العرب موقع أذربيجان وضبطوا اسمها، والنسبة إليها،

وخير مثال على ذلك ما دونه ياقوت الحموي (ت ٢ ٦٢ هـ/١٢٢٥م) في كتاب معجم

البلدان (١/١٢٨-١٢٩) حيث قال.

" وحَدُّ أَذربيجان من بَرْذَعَة مشرقاً إلى أرزنجان مغرباً، ويتصل حدُّها من

جهة الشمال ببلاد الديلم، والجيل والطَّرْم، وهو إقليم واسع. ومن مشهور مدائنها:

تبريز، وهي اليوم قصبتها وأكبر مُدُنِها، وكانت قصبتها قديماً المَراغة، ومن مدنها

خُوَيّ، وسَلمَاس، وأُرمية، وأرْدَبيل، ومَرَند، وغير ذلك. وهو صُقع جليل،

ومملكة عظيمة، الغالب عليها الجبال.

وقد فتحت أولاً في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان عمر قد

أنفذ المغيرة بن شُعبة الثَّقفي والياً على الكوفة، ومعه كتابٌ إلى حُذيفة بن اليمان،

بولاية أَذربيجان، فورد الكتاب على حذيفة وهو بنهاوند، فسار منها إلى أَذربيجان

في جيش كثيف، حتى أتى أردبيل، وهي يومئذ مدينة أذربيجان. فقاتلوا المسلمين

قتالاً شديداً أياماً. ثم إن المرزبان صالَحَ حذيفة على جميع أذربيجان، على ثمانمائة

ألف درهم وزن ".

إن آذربيجان تعرضت للتجزئة جراء ما تعرضت له من مؤامرات خارجية،

حيث قسمت حسبما أراد جيرانها الأقوياء، فأنشئت جمهورية آذربيجان السوفييتية

في ٢٨ نيسان/أبريل سنة ١٩٢٠م كجزء من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية المحلية

القائمة وراء القفقاس، ثم ألحقت بالاتحاد السوفييتي في ٥ كانون الأول/ديسمبر سنة

١٩٣٦، وأصبحت آذربيجان السوفييتية تعني: " آذربيجان " ومساحتها: ٨٦٦٣٠

كم٢، وجمهورية (نخجوان) المستقلة إدارياً ومساحتها: ٥٥٠٠ كم٢، ومقاطعة

(قره باغ) الأعلى ذات الاستقلال الإداري ومساحتها: ٤٤٠٠ كم٢.

الحدود: يحدها من الشرق بحر قزوين، ومن الشمال جمهورية داغستان

المستقلة استقلالاً إدارياً، ومن الشمال الغربي جمهورية جورجيا، ومن الجنوب

الغربي جمهورية أرمينيا، ومن الجنوب تركيا، وآذربيجان الإيرانية، وتفصل

أرمينية بين آذربيجان وجمهورية نخجوان. ويفصل بين آذربيجان الشمالية

وآذربيجان الجنوبية - التي هي جزء من إيران - نهر (اركس، أو اراس، أو

الرس) - حسب ما ورد في المراجع العربية، وتحدها من الشرق منطقة (كيلان)

جيلان، ومن الجنوب منطقة زنجان. ومنطقة " سنندج "، وهما إيرانيتان، علماً

أن أكثرية سكان سنندج من الأكراد.

معظم السكان في آذربيجان الإيرانية من القبائل التركية الأصل واللغة، ولا

سيما في الشمال الشرقي والجنوب، وقد هاجر الكلدان والآشوريون من الشمال إلى

العراق وسوريا، في الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين، وحصلوا على

الجنسية العراقية، والجنسية السورية، وانفصلوا عن وطنهم الأم نهائياً.

والآن يدعون أن بلاد ما بين النهرين وما حولها هي بلاد أجدادهم، وتتبنى

قضاياهم منظمات حقوق الإنسانية الغربية لزرع الفتنة في بلاد المسلمين.

علماء آذربيجان:

لقد حفظت لنا كتب التاريخ، وكتب الطبقات؛ عدداً لا بأس به من أسماء

العلماء الذين انتسبوا إلى مدن آذربيجان. فقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه سير

أعلام النبلاء (١٧/٥٤٤، الترجمة رقم: ٣٦٣) من مدينة باكو: (الإمام الصالح

المحدث: أبي عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه، الشيرازي

الباكوبي (ت ٤٢٨ هـ) ، ولهذا العالم ترجمة في أنساب السمعاني ٢/٥٤، واللباب

للجزري ١/١١٣.

وذكر لنا الذهبي في سير أعلام النبلاء من مدينة زنجان، سعد بن علي بن

محمد بن علي بن الحسين الزنجاني، أبو القاسم.

عصر الاحتلال الروسي:

لم ينحصر تآمر أعداء الإسلام في منطقة معينة بل امتد التآمر إلى معظم

الأقطار، وواكب مسيرة الزمن عبر العصور، واستعراض الوقائع التاريخية يدل

على ذلك وكثيراً ما كان أعداء الإسلام يتحدون ضد الإسلام متناسين خلافاتهم،

وضمن هذا السياق يبرز الاتفاق البريطاني الروسي ضد المسلمين في القرن

الماضي وما تلاه، وقد شملت المؤامرات آذربيجان التي دخلتها القوات الروسية

القيصرية سنة ١٣٢٦هـ /١٩٠٨م ولم يختلف الحال مع وصول الشيوعيين إلى

الحكم بعد انقلاب تشرين الأول (اكتوبر) سنة ١٩١٧ م حيث أن قواتهم احتلت باكو

عاصمة آذربيجان سنة ١٩١٨م، واعتبروا آذربيجان (جمهورية سوفييتية) سنة

١٣٥٥ هـ/١٩٣٦م وبدأت مسيرة إلغاء الهوية الإسلامية الآذربيجانية.

وعندما وصلت الشيوعية إلى نهايتها وانهارت غير مأسوف عليها، بدأ الناس

يتحررون من أَسْرِ الشيوعية، ولم يقتصر الأمر على المسلمين بل شمل حتى

الروس الروم الأرثوذكس الذين اعتبروا الحزب الشيوعي الروسي حزباً محظوراً.

ومع الأسف الشديد ما زال الشيوعيون العرب متمسكين بتلك النظريات الفاسدة.

بدأ العد التنازلي السريع في مسيرة القهر الشيوعية، فسقطت النظم الشيوعية

التي كانت حاكمة سنة ١٩٨٩ في أوربا الشرقية. وفي ١٩/٨/١٩٩١م حصل

الانقلاب العسكري على غورباتشوف، وبرز بوريس يالتسين كبطل قومي روسي،

وعندها سقط الحزب الشيوعي، ومع سقوطه انتهى الاتحاد السوفييتي، وكان قد

سبق ذلك قيام اتحاد جديد أطلق عليم اسم (اتحاد الجمهوريات المستقلة) وضم

جمهورية روسيا الاشتراكية الفيدرالية، وآذربيجان، وتركمانستان، وأوزبكستان

وطاجكستان، وقيرغيزستان، وبيلوروسيا وكازاخستان، ورفضت الدخول إلى ذاك

الاتحاد دول: أرمينيا، واستونيا، وجورجيا، وليتونيا، وليتوانيا، وكولدافيا

وأوكرانيا.

هكذا خرجت الدول النصرانية من تحت السيطرة الروسية بينما بقيت للروس

سيطرة على الدول التي تضم أغلبية مسلمة من خلال الاتحاد الجديد. ويتضح ذلك

من خلال تتبع الأحداث في الدول المستقلة، فما أن تتجه إحدى هذه الدول نحو

الحرية، والتقارب مع الدول الإسلامية حتى تتصدى القوات الروسية للمسلمين

فتقمعهم وتُنَصِّب حكومات من الشيوعيين الملحدين، وتقدم لهم القوات الروسية

الحماية، وخير مثال على ذلك ما حدث في طاجيكستان، وما يحصل في جورجيا،

وآذربيجان.

الوضع المتفجر:

بعد سني الشيوعية الطوال ظن الآذارييون أن أملاً بحل الأزمات المتفاقمة في

البلاد قد لاح في الأفق عندما تخلصوا من نظامهم الشيوعي في آذار (مارس)

١٩٩٢م أقصى البرلمان مطلبوف، الرئيس الشيوعي آنذاك، في: " انقلاب

برلماني " وذلك بقرار إلغاء مجلس السوفييت الأعلى المؤلف من ٢٥٠ عضواً يشكل

الشيوعيون السابقون غالبيتهم، وأقروا " ملي مجلس " منح صلاحيات تشريعية،

اقتسم الشيوعيون والديموقراطيون مقاعده الخمسين مناصفة وبدأت رحلة الحكم

لترث تركة صعبة في " قره باخ " وفي الاقتصاد الذاتي والمدني بحل أزمة قره باخ

وأتعا وإنهائها وحسم المعارك خلال مئة يوم ولكن شيئاً من هذا لم يحصل.

وأخذت الأمور تتدهور بشكل " دراماتيكي " عندما قامت حركة معارضة

شيوعية بقيادة أحد ضباط الجيش سورت حسينوف (والذي كان الرئيس أبو الفضل

التشي بيه قد أقاله منذ فترة قصيرة) وأخذت قوات المتمردين تسيطر على مدن

آذربيجانية دون أية مقاومة من الجيش الذي تحرك باتجاه العاصمة بدلاً من التحرك

غرباً لمواجهة التقدم الأرمني داخل الأراضي الآذارية. وحسينوف هذا من

مليوناري البلاد الذين يملكون مصانع نسيج وقد ساهم في تسليح الجيش ورصد

ميزانية له مما يفسر عدم تعرض الجيش له عندما توجه إلى العاصمة.

التمرد الذي قاده سورت حسينوف كان قاصمة الظهر لوحدة الجيش الآذاري

الذي يواجه جيشاً أرمنياً منظماً حيث أن قوات التمرد وبدلاً من التوجه إلى قره باخ

فقد أحكمت سيطرتها على عدة مدن وهددت باحتلال العاصمة الأمر الذي أدى

بالرئيس التشي بيه إلى إرسال قوات حكومية لتجريدها من السلاح فاصطدمت مع

قوات التمرد في مدينة غنجة سقط من جرائه مئات القتلى والجرحى واستقال على

أثر الحادث باناخ حسينوف ورئيس الوزراء عيسى غمباروف اللذان اتهما بتدبير

الحادث.

وكانت عودة الشيوعيون إلى الحكم بتسلم حيدر علييف زعيم الحزب الشيوعي

السابق مهمات رئيس الدولة في آذربيجان يوم الجمعة ١٨/٦/١٩٩٣ بعد أن غادر

الرئيس المنتخب (في حزيران ١٩٩٢) أبو الفضل التشي بيه العاصمة باكو بصورة

مفاجئة ولجوئه إلى مسقط رأسه في ناختشيفان (وهي مقاطعة تقع بين أرمينيا

وإيران تتمتع بحكم ذاتي ضمن جمهورية آذربيجان) . وكان رئيس الدولة التشي بيه

قد وعد عند تسلُمِّه مقاليد الرئاسة بحسم مشكلة قره باخ وتحسين الأوضاع

الاقتصادية ولكن إخفاقه في تحقيق أي من هذه الوعود إلى جانب الهزائم المتكررة

التي منيت بها القوات الأذارية وضعت شعبيته موضع تساؤل أدت إلى الإنقلاب

عليه.

في الخامس والعشرين من شهر يونيو (حزيران) ١٩٩٣ قرر البرلمان رسمياً

سحب جميع الصلاحيات من الرئيس أبو الفضل التشي بيه وتحويلها إلى حيدر

علييف. والذي التقى برئيس التمرد في اليوم التالي وأسند إليه منصب رئاسة

الوزراء في مطلع شهر يوليو الحالي وبذلك يكون الرئيس علييف قد تخلص من

جميع أنصار التشي بيه وأسند المراكز الحساسة وقيادة الجيش إلى من " يثق بهم ".

وبهذا تكون آذربيجان قد عادت إلى الحكم الشيوعي المباشر مضيفة هماً جديداً

إلى الثقل الذي تحمله البلاد من اعتداءات الأرمن واحتلال أراضيها.

وبسقوط مدينة مارداكيرت الاستراتيجية (أغديري كما يسميها الآذارييون) في

يد الأرمن في التاسع والعشرين من حزيران الماضي تكون القوات الأرمنية قد

استكملت احتلالها لمعظم المدن والمناطق الآذارية المحيطة والمكونة لقره باخ والتي

تخطط أرمينيا لضمها لأراضيها على أساس أنها منطقة " ذات غالبية أرمنية "،

بعدما كانوا قد سيطروا على ممر لاتشين وقضاء كلياجار وهما منطقتان

آذربيجانيتان خارج قره باخ. ثم واصلت القوات الأرمنية تقدمها نحو مدينة أغدام

داخل الأراضي الآذارية لتدخلها أوائل شهر يوليو الجاري وتحول القوات الأرمنية

لقصف مدينتي فضولي وجبريل لتغطية سقوط أغذام.

والمعروف أن أرمينيا تتلقى الدعم من الغرب بشكل عام ومن روسيا على

وجه الخصوص. كذلك تتلقى الدعم من إيران وقد حجزت تركيا باخرة سلاح

إيراني كانت متجهة عبر مياهها إلى ارمينيا، وهنا قد يتساءل البعض عن سر

الدعم الإيراني للأرمن؟ والجواب أن إيران لا ترغب في قيام دولة آذربيجانية حرة

مستقلة خوفاً من اتحاد الآذاريين في دولة واحدة لأن ذلك يهدد بانفصال آذربيجان

الجنوبية عن إيران سيما وأن الآذريين يتكلمون اللغة التركية وليس الفارسية. كذلك

فإن إيران لا تريد أن تزعج روسيا التي تزودها بالسلاح.

المشهد يتكرر في مناطق أخرى في العالم الإسلامي، فلييت الأراضي الآذارية

التي احتلها الأرمن بأحسن حال من تلك التي تسقط في أيدي الصرب أو الهنود أو

الجيش البورمي. فتقارير " جمعيات حقوق الإنسان " تتحدث عن انتهاكات خطيرة

بحق السكان العزل حيث أفادت التقارير من أغدام بأن " الجثث تملاً الشوارع

والعديد منها قد أعدم عن مسافة قريبة (..) إنك أمام مجزرة حقيقية يصل أعدادها

للمئات إذا لم نقل الآلاف ".

المئات والآلاف من القتلى أرقام اعتادت التقارير التي تتحدث عن المسلمين

أن تتميز بها ٦٠٠ ألف شخص شردوا حتى الآن من المناطق الآذارية المحتلة (أي

واحد من كل عشرة أشخاص من سكان البلاد الإجمالي) والحكومة في أزمة والجيش

في انشقاق.

الشيوعيون يهددون بإقامة دولتهم في شمال أفغانستان والحكومة في ذلك البلد

في انشقاق والجيش في انقسام.

الشيوعيون يأخذون الحكم في طاجيكستان على رقاب عشرات الآلاف من

القتلى ومئات الآلاف من المشردين.

الشيوعيون يعودون إلى الحكم في آذربيجان والأرمن يتقدمون في أراضي

المسلمين والجيش إلى مزيد من الانقسام وخلاف على (الورثة) بين زعماء البلاد

وسياسييه.

الشيوعيون الذين لفظتهم روسيا ودفنت مؤسساتهم من غير دموع يعودون

للحكم في مناطق المسلمين بدعم من روسيا التي تدعمها أميركا والغرب.