للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

القذافي ويهود:

بقي من الوقت ستة أعوام

د: عبد الله عمر سلطان

عنوان هذا المقال يرجع إلى تصريح أدلى به رئيس وزراء ليبيا السابق السيد

مصطفى بن حليم تعقيبا على مذكراته الشخصية التي حملت عنوان: «صفحات

مطوية من تاريخ ليبيا السياسي» والتي نشرت في بداية العام الحالي.. في هذا

التعقيب يذكر السيد (بن حليم) بعد أن صمت لأكثر من ثلاثة عقود أن الرئيس

الأمريكي رتشارد نيكسون قد قال له بعد انقلاب القذافي عام ١٩٦٩م إن وزير

الخارجية الأمريكي وسفير أمريكا لدى ليبيا قد قدما تقريراً هاماً للرئيس الأمريكي

يقولان فيه «ننصح بعدم التخلص من القذافي ... فأمامنا ٣٠ عاماً للتعاون معه! !

إذن فها هي الأعوام تمر بطيئة على شعب ليبيا المحاصر، وها هو القذافي

يمسك بزمام السلطة لربع قرن تقريباً ... وبعملية حسابية بسيطة فإن القذافي على

ضوء الكلام الرسمي الأمريكي لا يزال صالحاً للاستعمال لستة أعوام مقبلة على

الأقل ... تنتهي فيها الفترة الافتراضية التي وصفها السيناتور الأمريكي للإفادة من

الضابط الأكثر سوءاً في تاريخ العرب المعاصر ...

لن تقبل تفسيرات بالغة البساطة أو موغلة في سوء الظن.. وهي منتشرة

وشائعة بين أبناء الشعب الليبي - ترجع تفسير سلوك وتصرفات الرجل إلى أنه قد

ولد لأم يهودية ... وتربي بين اليهود ... ! !

لن نُسطِّح القضية إلى مستوى فرضية العمالة المباشرة لجهاز المخابرات

الأمريكي» CIA «وأن القذافي أتى للسلطة لتنفيذ مخطاطات وسياسات الغرب

وتوجهاته بصورة العميل المباشر الذي يقبض الثمن من خلال حمايته في السلطة أو

دفع مبلغ من المال مقابل القيام بالمهمة! !

وسنحاول ان نبتعد قليلاً في هذا المقال - حينما نتحدث عن القذافي واليهود

عن نظرية» المؤامرة «التي أعدها الصهاينة أو الماسونية العالمية بزرع هذه

النبتة الشيطانية في ليبيا لتهلك الحرث والنسل ...

ومع هذه المحاولات فإن من حقنا أن نسأل من هو المستفيد الأول في بقاء

القذافي في السلطة طوال هذا الوقت - ومن هو الخاسر الأكبر من خطواته السياسية

الأخيرة ...

يقول العقيد إن المستفيد الأول هو الشعب الليبي وإنه لا يريد الحكم ولا

يمارسه حقيقة وواقعا بل هو يحرض الجماهير على أن تحكم نفسها بنفسها كما

صرح للتلفزيون الكندي CBC ...

ونقول ... من فمك ندينك ولا سيما إذا نقلنا آخر تصريحاته النارية لجريدة

العرب القذافية الصادرة في لندن حيث يقول:» إن ليبيا بلد ليس له مستقبل.. لذا

يتوالد الناس ويتكاثرون وتبنى الطرق والمدارس والمباني فيه ... في أقل من

عشرين عاماً سنكون مضطرين أن نخرج من ليبيا ونتركها! «لا علما أن القذافي

قد عرض العام الماضي مبلغ عشرة آلاف دولار لكل ليبي مقابل أن يهاجر إلى

مصر أو السودان أو تشاد، حيث الأنهار والجنان بينما ليبيا صحاري قاحلة لا أمل

في استصلاحها ...

نسمع عن قادة يقتلون معارضيهم ... وقادة يسجنون منتقديهم ... لكننا لم

نسمع حتى الآن عن قادة يهجَّرون شعوبهم بالكامل، وينادون بإزالة بلدانهم عن

الخريطة الدولية وإقفالها وكأنها دكان أو مشروع نفطي فاشل! !

وقد يردد أنصار العقيد إن المستفيد الأول هم العرب والعروبة المستعربون! !

لكننا نقول لهم إن هذا أمر كان يقبل التصديق قبل عقد من الزمن مثلاً حينما كانت

إذاعة» صوت مصر العروبة «تنادي بالحل القومي طريقاً للخلاص وتسمى

(اتفاقيات كامب دافيد) خيانات معسكر داود ونشير إلى مقررات قمة فاس وتسميها مقررات» مربض فاس «!

أما الآن فالقذافي أول المطالبين بالانضمام إلى الإسطبل وبقبوله عضوا في

المربض الإسرائيلي.. دع عنك» مربض فاس «! لقد ثبت أن القذافي قد أضر

بقضية العرب بصورة كارثيه لا تقل شؤما عن دور إخوانه من قادة الحل القومي

العلماني: جمال عبد الناصر وصدام.

قد يقول قائل» إن القذافي في الحقيقة «رجل ثوري» وجد أن حلمه القومي

قد انتكس بعد عدة محاولات للوحدة مع الجيران العرب والأخوة الأفارقة، ولذا فقد

توجه إلى الحركات التحررية في العالم يدعمها ويقدم لها السند اللازم لخوض

معركتها الثورية العادلة «! !

والرد على هذا ندعه للناطق باسم الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي أنفق

القذافي عليه مئات الملايين من الدولارات، واطلع في المقابل على أدق أسراره

وتركيبته التنظيميه ... ، هذا الناطق يقول لم نكن نتصور أن القذافي قذر إلى هذه

الدرجة حيث عمل كمخبر دولي تجسس على منظمتنا والمنظمات الثورية

الأخرى! !

وإن شئتم اسألوا الأشقاء الثورين في نيكراجوا والسلفادور وتشيلى وفيتنام

والصحراء الغربية وليبريا حيث بُدد مال الشعب الليبى في مشاريع العقيد التحررية

والتى كف عن ممارستها بعد أن طلب منه ذلك فسارع إليه وقدم أكبر حجم من

المعلومات السرية لأعداء المشروع الثوري الذي كان زعيمه في فترة جمع

المعلومات المطلوبة ...

وهنا قد نسأل قائل ربما كان هناك جهة أخرى مستفيدة من بقاء القذافي

ونظامه لمدة ربع قرن ...

والحقيقة أن المراقب المنصف يعجز عن أن يجد جهة واحدة تستفيد من وجود

هذا المعتوه سوى جهة واحدة هي جهة يهود.

يهود سواء أكانت متمثلة بقبائلها الإسرائيلية أو الأمريكية أو الاقتصادية

وسجل القذافي خير دليل.

القذافي خنق شعبه وأذله وحارب» الأصولية «التي تشكل التهديد الأول

لليهود والغرب بأسلوب فائق الكفاءة ...

والقذافي جعل ليبيا من أتعس دول العالم العربي ودمر قوتها الاقتصادية

بطريقة لا يمكن إلا للقذافي أن يكررها بهذه الصورة المفزعة.

القذافي شق صف العرب بحجة الرهبنة الثورية بينما كان في الحقيقة يمهد

للمشروع الصهيوني أن يأخذ مداه.

والقذافي هو الأبرز حالياً من بين الحكام العرب ممن تلاعب بالدين بصفاقة

وألغى السنة وحارب الشريعة.

والقذافي هو أكثر من شوه صورة العرب والمسلمين في أوربا خلال التاريخ

المعاصر ...

بعد هذا هل يمكن أن تكون الإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفا عن

المستفيد من حكم القذافي غير جواب واحد من أربعة حروف: يهود!

المرحلة المكشوفة: التطبيع القائم

اختار القذافي أسلوب التناقض الشيزوفريني الذي يجعله ينتقل من النقيض إلى

النقيض دون شعور بأعراض الانفصام السلوكي ... ولذا فقد كان انتقاله من جهة

الرفض والصمود والتصدى للصهاينة إلى جبهة الانهيار الكامل أمام مشروعهم

انهياراً سريعا.. مثيراً ... مدهشاً.

القذافي الذي يعرض على كل يهودي خرج من ليبيا مليون دولار تعويضا هو

نفسه الذي لبس القفاز الأبيض حتى لا تلمس يداه يد الذين صافحوا اليهود من القادة

العرب..»

أما الآن فقد اتضح السبب ... القذافي لا يؤمن بالوسطاء ... كان يريد التحدث

مع اليهود مباشرة ومصافحتهم يدا بيد ... ! !

اتضح ذلك بعد سلسلة من الأحداث المتسارعة خلال الأشهر القليلة الماضية

في أسرع عملية تطبيع قائم بين اليهود والحكومات العربية ...

ودعا الصحفية الصهيونية جودت ميلر المشهورة بتعصبها الصهيونى لإجراء

مقابلة صحفية لجريدة الهارلد تربيون أبدى استعداده فيها لتطبيع العلاقات مع اليهود

والدخول معهم في مشاريع مشتركة واستعداده لتعويض اليهود الليبين بمبالغ مالية

مجزية.

استقبال القذافي لروميو فلاح اليهودي من أصل ليبي والاتفاق معه على صفقة

تتدخل إسرائيل بموجبها طرفا لفك الحصار عن نظام القذافي مقابل زيارة الليبيين

لدولة الكيان الصهيوني في صورة حجاج وهذا ما تم مع احتمال زيارة القذافي نفسه

للصهاينة..

الدعوة لمؤتمر للأديان السماوية على غرار مؤتمرات السادات التي رافقت

الصلح مع اليهود ويدعى خلال هذه المؤتمرات اسرائيليون بارزون منهم عمدة القدم

الصهيوني وضباط بارزون في المؤسسة العسكرية الصهيونية.

فضيحة ابراهام صوفير اليهودي من أصل عراقي وقد اتصل به رئيس الجهاز

الإستخباراتى الليبي لمواجهة المشاكل القانونية التي تواجه نظام القذافي لا سيما في

الأوساط الشعبية في الغرب ... وصوفير كان يعمل مستشاراً قانونياً لوزارة

الخارجية الأمريكية بين عامي ١٩٨٥ - ١٩٩٠ وهو الذي صاغ المذكرة الأمريكية

التي حددت التهم الموجهة للعقيد القذافي.

لقد أثار القذافي مشاعر السخط لا سيما خلال زيارة مجموعة المخابرات الليبية

للقدس في الوقت الذي كان المسلمون يحجون لبيت الله الحرام ...

فقد وصلت الخيبة ببعض القوميين لأن يكتب مخاطباً القذافي أمين عام القومية

العربية! قائلا «إن زيارة الحجاج الليبيين للقدس هي فضيحة تعادل زيارة السادات

للقدس. تلك القدس (١) وهذه القدس (٢) ...

ويحز في النفس أن الذي قام بهذه الخيانة هو الذي كان يقول:» كيف تستمر

السفارة الإسرائيلية يوماً واحداً في القاهرة، ليس في المعقول أن يسير إسرائيلي في

شوارع القاهرة مطمئناً مستهتراً ... مش قادرين تذبحوهم.. الأمريكان يذبحون

إخوانكم في ليبيا «.

هذا كان زمن الاستنكار ... واليوم يوم الانكسار.... .

لقد اتصل مواطن أمريكي بالكاتب الأمريكي الشهير جيم هو غلاند معلقا على

المحاولات القذافية للتطبيع مع اليهود قائلاً له: إن فضيحة ابراهام صوفير هي

الجزء الصغير الظاهر من جبل الجليد ... وكلما تمعنت في المحاولات الليبية على

الساحة ستجد العامل الإسرائيلي» ويعلق الكاتب الشهير، إن المواطن مصيب تماما

حيث إن واشنطن تراقب بحذر التحالف الليبي - الإسرائيلي الصاعد «واشنطن

بوست ٢٢ / ٧ / ٩٣.

.. نعم تحالف بين اليهود ... والقذافي الذي يريد إبادة شعبه مرة بالقتل

والتصفية الجسدية ومرة بالحصار الاقتصادي ومرة بمصادرة كرامته وحريته ومرة

بدعوته للهجرة من بلده علنا ودون حياء....

إن لحظة تأمل لهذه المرحلة المقبلة من التحالف الإسرائيلى/ القذافي تجعلنا

نقلب صفحات هذا المشؤوم لنفهم طبيعة الرجل فلا نجد أبلغ من خطابه الذي ألقاه

في سبتمبر عام ١٩٨٤ بعد أن أعدم مجموعة من الشباب الليبي في شهر رمضان

كما يقول محمد مخلوف» كان حادث شنق المهندس الصادق الشويهدي في ٥

حزيران قد هز الشعب الليبي حيث شاهدها الناس قبل إفطار رمضان وبعده ...

وبعد أن تم اقتياد المتهم إلى حبل المشنقة وسط هتافات اللجان الثورية وفي مجمع

المدينة الرياضية في بنغازي ... أما خصوصية حادث المهندس الشويهدي فهو أنه

بعد إنزاله من حبل المشنقة ونقله إلى المستشفى وجد حياً وأجرى له الأطباء تنفساً

صناعياً، وتم الاتصال بالقذافي لإبلاغه الأمر، فأصدر أمراً فوريا بالإجهاز عليه

وحينما رفض الأطباء القيام بذلك قامت إحدى الثوريات المقربات من القذافي

المدعوة (هدى بن عامر) بتنفيذ الأمر بقتله وبرر القذافي عمليات الإعدام العنيفة هذه

في خطابه في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه قائلا «شفتوا الإعدامات زي السلام

عليكم في شهر رمضان (! !) ولا يهمني في رمضان لا حرام ولا شيء ... ما فيه

شىء حرام ما قمنا به عبادة! !

نعم إنها قرابين قدمها القذافي لآلهته..

فهل نبذل العناء لكي نسأل السؤال الممجوج..؟

» من المستفيد من بقاء القذافي «؟ خصوصاً إذا عرفنا أن التطبيع المتسارع في الأعوام القليلة القادمة يقتضي وجود أمثال هذه الزعامات، التي أشار نيكسون إلى أن لها أعواماً قليلة أبرز عناوينها وخططها التمكين للمشروع الصهيوني في وسط غابة الدُمى.