للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[الهروب إلى الأمام]

محمد العبدة

عندما تكون وطأة الواقع ثقيلة قوية، وعندما لا يقوم المسلمون بواجبهم من

الأخذ بالأسباب الشرعية والاهتمام بالعدد والعدة، وعندما يفشلون بسبب أخطائهم

المتكررة، أو مخططاتهم القاصرة، عند ذلك يلجأ بعضهم إلى ما يسمى في علم

النفس بسياسة (التعويض) فتوسوس لهم نفوسهم تخيلات موهومة، وحكايات عجيبة، ... وأشياء مضطربة، تتملكهم وتسيطر عليهم، حتى يظنونها شيئاً وهي ليست

بشيء، وإنما هي أوهام وظنون. فيركضون - مثلاً - وراء (خليفة) وهمي، أو

يقعون في حالة اليأس والإحباط وينتظرون (المهدي) ، أو يذهبون إلى عالم آخر،

عالم الجن والشياطين، فقد حدثني أحد الثقات أنه قد أُلف في بلده وحدها في

السنوات الأخيرة حوالي سبعين كتاباً أو كتيباً عن الجن والشياطين، وغالباً ما تكون

النوايا طيبة في مثل هذه الحالة، ولكن ليس هذا هو الطريق. وقد يهرب أناس من

هذا الواقع الذي يدعوهم للتحدي والتعب والنصب إلى الإغراق في تفاصيل العلوم،

الذي هو من قبيل (تلبيس إبليس) والذي غيره أفضل منه وأولى.

إن حالتهم هذه شبيهة بما وقع للمسلمين بعد القرون المفضلة، عندما هرب

بعضهم إلى التصوف والزوايا والتكايا، ينذرون للأولياء النذور، ويطلبون منهم

الحاجات، فوقعوا في الشرك والكسل والبطالة، كما وقعوا في الأفكار الغامضة

المشوشة.

تكَالب العالمُ في هذه الأيام على المسلمين، ورماهم عن قوس واحدة، وأظهر

ما كان يخفيه من قبل، وبانت عداوته صريحة لا التواء فيها، فماذا يفعل المسلمون؟

هل يجابهون هذا بافتعال أمور ليست صحيحة؟ أم أن الأولى بهم دراسة هذا

الواقع، والتأمل فيه، ومعرفة مكامن القوة ومكامن الضعف، ومجابهة هذا الواقع

بالإمكانات الذاتية والقدرات الموجودة بعد تنميتها وصقلها.

لابد من البحث العميق في نفسية المسلم وعقله وأخلاقه التي تعيق النهوض

والتمكن، والبحث العميق في أسباب التفرق وأسباب التوحد، والإخلاص في ذلك

كله لله. ولابد من تملك ناصية كل العلوم المفيدة التي يأمر بها الإسلام ويحبذها،

لتكون وسيلة من وسائل [وأعدوا....] ولابد من المال الذي يساعد على تحقيق

هذه الأهداف حتى يكون الدين كله لله.

لاشك أن هذه الأمور أصعب على النفس التي تلجأ إلى أحلام اليقظة،

وتستروح رفقة يؤيدون هذا الهروب ويشجعونه سواء أكان عن جهل، أو عن

خفيات الهوى ونزغاته..