للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

تنوير أم تزوير؟ !

أحمد العويمر

مر على أمتنا الإسلامية فترة حرجة منذ القرنين الماضيين عاشت فيها أسوأ

مراحل حياتها حينما كانت في الغالب بعيدة عن أصالة إسلامها بعقيدته الصحيحة

وأصوله الفكرية المعتبرة وحُكمَت في جل أقطارها بزعامات لا تعرف الحكم بما

أنزل الله وإنما حكمت بما توارثته من أحكام عشائرية أو أنظمة مستوردة فكان نتيجة

ذلك أن ركدت العقول وانحسر المد الإسلامي، وتضاءل أثر العلماء العدول في

التوجيه، مما انعكس على الأمة جمعاء بجهل مريع وانحطاط مزمن، بينما أوروبا

تستيقظ، وتكشّر عن أنيابها؛ لتستعمر جل ديار الإسلام حتى يعلن أحد قادتها أمام

قبر القائد المسلم (صلاح الدين) : «ها نحن عدنا يا صلاح الدين» . وحينما

دخلت الخيل الأزهر لم يجد بعض العلماء في ذلك الوقت وسيلة للتحرك ضد الغزو

القادم سوى التجمع لقراءة الأحزاب والأوراد التي لا تخلو من شركيات!

وكانت النتيجة الحتمية فشلاً ذريعاً للأمة، وبداية السقوط في معركة المواجهة

الحضارية. وحينما حز ذلك في نفوس بعض النابهين من أبناء الأمة رأوا أن

السبيل لمواجهة ذلك الغزو ليس إلا فقه العصر ومعرفة علومه وفنونه وإعداد العدة

للمواجهة وعندما اختيرت نخبة من أبناء مصر للدراسة في الغرب للتخصص في

مختلف العلوم التقنية آنذاك، كان إمام البعثة (الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي) والذي

تأثر بالواقع الفرنسي وما يعيشه من نهضة وتقدم، فنقل الشيخ ما رآه ولمسه

وأعجبه هناك من أنظمة وعادات وتقاليد في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص

باريز) داعياً لاقتفائها، وألف بعض الكتب ومنها (مناهج الألباب المصرية في

مناهج الآداب العصرية) و (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) .. لقد ذهب

الشيخ إماماً وعاد داعية من دعاة التغريب فيما انتهى إليه من فكر، والسر والله أعلم

أنه لم ينطلق من أسس عقدية صحيحة أو منهجية علمية، وإلا لما نقل لنا بكل

إعجاب صوراً من الدستور الفرنسي والأنظمة الغربية الكافرة داعياً لتطبيقها في بلاد

المسلمين.

إنه بتلك الروح الانهزامية نكص بالفعل عن مهمته الدعوية، وهذا ما وضحه

بجلاء العلامة (د. محمد محمد حسين) رحمه الله في (الاتجاهات الوطنية في الأدب

المعاصر) و (الإسلام والحضارة الغربية) ، ولذلك لا نعجب حينما نرى أدعياء

التنوير المعاصرين اليوم بعد فشلهم في مشروعهم العلماني لتغريب المجتمع العربي

المعاصر، ودعايتهم المتواصلة له، نجدهم يلجأون لإعادة طبع كتب رموز التغريب

القدامى الذين يسمونهم (رواد التنوير) أمثال: رفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين،

وسلامة موسى، وغيرهم، والتي مع ما وضعوه لها من دعاية وطبعات شعبية

ورخص في السعر، لم تجد سوى الكساد لأن أولئك لا يمثلون الإسلام الحقيقي وإنما

هم الفئة المنهزمة الممثلة لفترة تبعية وتغريب أمتنا، وشبابنا اليوم يعرفون أولئك

حق المعرفة فهم مهما لمعوا وأقيمت لهم المؤتمرات والندوات والدعايات الساذجة،

يبقون في نظر الشباب المسلم ليسوا سوى دعاة تزوير لا دعاة تنوير.