للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

أنماط من التفكير!

محمد العبدة

يتهم الغربيون والمستشرقون منهم بشكل خاص يتهمون المسلمين بأنهم

أصحاب (تفكير ذري) ويعنون بهذا أن الطريقة التي يواجه بها المسلم أمور الحياة

هي أن يبحث كل قضية أو جزئية لوحدها، وبمعزل عن الجزئيات الأخرى فلا

يتسنى له الإحاطة بالموضوع، ووضع الكليات العامة التي تجمع شتاته وتوضح

علله ومقاصده، وهو ما يسمى عندهم (فلسفة العلوم) .

هذا ما يردده الغربيون والحقيقة أن هذه التهمة تدل على خبث الطوية قبل أن

تدل علىالسطحية أو السذاجة، وكأنهم يريدون تحطيم نفسية المسلم وإشعاره بأنه

ليس على شيء، وذلك لأن أي دارس لتراث المسلمين سيرى العكس تماماً، وأن

تلك الاتهامات هي محض افتراء، وإلا فمن الذي وضع أصول الفقه، وتكلم عن

مقاصده؟ ومن الذي ضبط العلوم الإسلامية بأصول وقواعد مثل أصول التفسير،

وأصول الحديث، وقواعد اللغة العربية؟

نعم إن هذا الذي قام به المسلمون كان في عصر المد الحضاري، وأما في

العصور المتأخرة، وعندما أصيبت الأمة بالجمود والضعف، وضعف العلم

والاجتهاد، فإن هذا المرض (التفكير الذري) قد تسرب إلى عقول كثير من

المسلمين، وواقعنا اليوم يشهد على ذلك، وهذه أمثلة منه:

١ -رفع المسلمون ومنذ عقود من السنين شعار إصلاح الفرد، وأنه بعد ذلك

سيتم إصلاح المجتمع والدولة، وكأن هذا الإصلاح سيتم بشكل آلي، ولكن عند

النظرة الفاحصة تجد أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأننا لا نستطيع إصلاح الفرد

بمعزل عن التأثيرات الجانبية القوية التي تُصاغ بها شخصيته، فلابد أن تكون

التربية وخطة الإصلاح والتغيير شاملة للفرد والأسرة والمجتمع، ولابد من إحاطة

الفرد بأجواء صحية أو قريبة منها حتى تستقيم لنا عملية التغيير.

٢ -بعض الشباب المسلم إذا سمع عن عالم كبير قد أتقن كثيراً من علوم

الشريعة، يظن أن هذا العالم لابد أن يجيب عن كل الأسئلة التي تدور على الساحة

الإسلامية، بل يستطيع حل كل مشكلات المسلمين المعقدة وهذا ليس بالتأكيد، فقد

يملك إجابات كثيرة وتفوته أشياء، وقد يكون متقناً لجوانب وضعيفاً في أخرى، ولا

يعني هذا الانتقاص منه بأي حال من الأحوال، فعدم الإحاطة بمثل هذا الموضوع

يجعل الشاب ينظر هذه النظرة الجزئية.

٣ -يحذر أحد الدعاة تلامذته وصحبه من إهمال الدعوة إلى الله، ويرفع شعار

(لا تعطوا الدعوة فضول أعمالكم) ، وهو شعار صحيح، ولكن هؤلاء التلاميذ

يفهمون هذه النصيحة بأن يتركوا واجباتهم الأخرى، مثل الدراسة أو العمل أو بر

الوالدين، مع أن الجمع بين كل هذه الواجبات ليس بالأمر العسير.

وقد سرى هذا الداء إلى مجموع الأمة، فلا نجد نظرات بعيدة المدى، ولا

تخطيط شامل، بل كل فئة أخذت جزءاً من الإسلام وانشغلت به واستغرقت فيه،

وشنعت على الفئات الأخرى ما تقوم به، وإن الإحاطة بمفهوم هذا الدين ومقاصده

الكبرى لإصلاح البشرية، مما يسهل إنشاء الدعوة، وقبول الناس لها وإن المسلم

ليملك القابلية لأن يستوعب شمولية الإسلام، ولكن أين التربية المتكاملة؟