للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مراجعات أدبية

قراءة نقدية في البيان الأدبي

(الأعداد من ٦٧ إلى ٧٠)

محمد حسن بريغش

يبدو أن شعر التفعيلة هو الغالب على القصائد التي تنشرفي المجلة وكذلك

يبدو أن الشعر له الحيز الأكبر من بين الأنواع الأدبية أيضاً، وقد لا يكون للمجلة

يد في ذلك؛ لأنها تعتمد في ملفاتها الأدبية على ما يصلها أو على ما تختاره من

النصوص التي تصلها، وعلى أي حال فإن نجاح النص قد يغطي على غياب أنواع

أخرى، والعكس صحيح أيضاً، ويتمنى القارئ أن يستمتع بالنص الجيد، ويرى

التنويع في النصوص الإبداعية أيضاً في وقت واحد.

في العدد (٦٧) قصيدة شعرية على وزن التفعيلة بعنوان «برقية إلى

بيغوفيتش» للشاعر د. محمد بن ظافر الشهري.

اختار الشاعر تصوير المأساة التي ينفذها العالم المتحضر في البوسنة على

شكل برقية إلى رئيس جمهورية البوسنة والهرسك (علي عزت بيغوفيتش) ، عبر

فيها عن تضامنه مع شعب البوسنة، وبهذه الطريقة عرض صوراً من جرائم

الصرب ضد المسلمين، ودور (الأمين العام!) في تغطية الجريمة، ومهمة الأمم

المتحدة ومجلس الأمن في تنفيذ المؤامرة وارتكاب المجازر تحت المظلة الدولية

والرايات الإنسانية.

ويدعو من خلال برقيته رئيس البوسنة لإعلان الجهاد وترك ما عداه من سبل، ورفض مشاريع أوروبا المتآمرة، واللجوء إلى الله عز وجل ليتحقق النصربإذن

الله.

القصيدة رغم ما تثيره من صور دامية مأساوية نابعة من القضية ذاتها لكنها

ليس فيها ما يثير الانتباه، أو يدعو إلى التمعن، أو يستوقف القارئ ليتملى الصورة

أو يتأمل في طريقة التعبير.

أحياناً تقترب المقاطع من النثر العادي: «صدقني ... لن تخسر شيئاً

يذكر» «فسيساستهم لن تتغير» ، «ستعيش إذا عشت حميداً، وإذا مت

تكون شهيداً» ، «هذا نصح أخيك المسلم، لا يعرف زوراً ونفاقاً» ، وقليلاً ما

تلمح بعض العبارات أو النقاط التي فيها لمح، أو صورة تستوقف القارئ: «لا

تدخل معبد بيزنطة، لا تسأل أوثان الروم» ، «لا تُدخل كفك في الأرض

السفلى» .

أما بقية القصيدة فقد خلت من الصور التي نتمناها، والعبارات الموحية التي

تناسب هذا النوع من الشعر.

وحبذا لو يتأمل الشاعر معنا قصيدته مرة أخرى وثالثة، ثم يحاول أن يصل

إلى ما يريد عبر الصور التي تدعو القارئ للتأمل، أو الغوص، أو الانبهار، أو

التعجب، أو الشعور بأنه يكتشف جديداً، أو كأنه يقف لأول مرة أمام هذه الأحداث

لطرافة التعبير، أو القدرة على التصوير والاستثارة، وإن الاستمرار في العطاء

سبيل التجويد إن شاء الله.

في العدد (٦٨) قصيدتان: الأولى على وزن التفعيلة (عبوس) ، والثانية على

الوزن الخليلي (مدرستي الكبرى) ، القصيدة الأولى (عبوس) للشاعر عبد الوهاب

عبد الله، تتألف من ثلاثة مقاطع، يصور فيها مشاعره إزاء الأحداث الحاضرة التي

تثير لدى المسلم مشاعر الحزن والكآبة (عبوس) .

ويستخدم الصورة التي يمتزج فيها الصوت، بالذوق، بالصورة المادية

والمعنوية، مع غلالة من الغموض لكي يتركنا نشاركه مشاعره.

وكأن الشاعر يريد تسجيل عجبه واحتجاجه على الصمت المميت الذي يخيم

على هذه الأمة رغم الأحداث الخطيرة التي تزرع أرضها بالمآسي، وتريد أن تقتلع

كل جذورها.

هذه القصيدة توميء إلى موهبة تحمل في طياتها قدرة على العطاء، وقدرة

على أن يكون لهذا العطاء لونه المثمر، وجذوره العميقة، ولكن ذلك يحتاج إلى

نوع من الوعي للتجربة التي يصورها الشاعر، هذا الوعي الذي يجعله مالكاً

لعناصرها، قادراً على استخدام هذه العناصر بشكل يبعده عن الغرق في الغموض،

أو الركون إليه حين لا تسعفه الكلمة الشاعرة، والصورة المبدعة والرمز الموحي،

أو حتى لا يقع في السرد الذي يقترب من النثر العادي.

القصيدة الثانية «مدرستي الكبرى» للشيخ عائض القرني: قارئ

القصيدة يشعر أنه مع خواطر ترد على ذهن المسلم في هذا العصر، وهو يعاني ما

يعاني من النكبات التي تنزل بالأمة، والأخطار التي تحدق بها من كل جانب

والخداع والتزوير الذين يلفان حياة هذه الأمة.

مع كل هذه الخواطر يقف المسلم عصياً على تيار الكفر، لا يذوب ولا

يتخاذل، يتذكر مسيرة الحق من لدن آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض

ومن عليها، والقصيدة جولة منظومة مع تلك الخواطر.

وفي العدد (٦٩) ثلاثة نصوص إبداعية: اثنان من الشعر، وواحد من القصة، النص الأول قصيدة شعرية على وزن التفعيلة مختومة بأبيات خليلية للشاعر

تركي المالكي بعنوان «نجمة الاعتصام» ، وهي تتحدث عن المرحلة التي

وصلت إليها قضية الأرض المقدسة «فلسطين» في الآونة الأخيرة.

والقصيدة مقسمة إلى ستة مقاطع، تتوزع الأحداث والآثار المترتبة عليها:

ففي المقطع الأول أعلن عن الحدث، ووصفه بتعبير قرآني موجز دقيق (عارض

ممطر) : لا يغني ولا يشبع، ووصف ما يجري وصفاً لمّاحاً موحياً (رقص الحبل

بالراقصين) ، وفي المقطع الثاني وضح حقيقة الحدث وما ينطوي عليه، وأشار إلى

الزيف الذي قلب كل الحقائق التي لا يجهلها أحد، والثوابت التي لا يتنازل عنها

مسلم عاقل، فالبحر في هذا السّلْم الموهوم أصبح عذباً وأضحى الغيث العذب ساماً، وأصبح الاعتصام بشعار يهود هو المنجاة من الخطر، فهل هناك أعجب من

هذا؟ !

وفي المقطع الثالث يشير إلى من تاجروا بالقضية الفلسطينية، وباعوها باسم

الشعارات، وفي المقطع الرابع يعود للحدث ونتائجه، ويصور لقطات من لقاء

الثوار باليهود، ويسير إلى نتائج هذه الاتفاقات واللقاءات وما تبعها من مشاريع

مستقبلية تؤكد ما سبق إليه من إشارة إلى قلب كل الحقائق، ورفض كل الثوابت

لهذه الأمة حتى صارت فلسفة الواقعية هي المنهج، وهي السياسة، وهي الذكاء.

وفي المقطع الأخير يحدد طريق الخلاص الذي بيّنه الله لنا، وهو الذي سار به

أجدادنا حملة الرسالة الإسلامية، فانتصروا وطهروا أرض المقدسات من أعداء الله.

لقد آثر الشاعر منذ البداية الكلمة الموحية، والرمز الدال، والصورة المعبرة، لتحمل ما يريد، ولتنقل القارئ من صورة لأخرى، ومن موقع لآخر، عبر

أزمان وقرون، وألوان، وطعوم ...

وكان اختيار الشاعر لأكثر رموزه موفقاً، بل بارعاً في بعضها، لأنها تترك

القارئ من خلال رمزه يغوص وراء الرمز في الماضي والحاضر يقلب صفحات

التاريخ، ويتنقل بين ربوع أوطاننا الإسلامية، ويستعرض الأحداث ليدرك حقيقة

ما يجري.

فالحدث وهو الاتفاق باسم السلام ما هو إلا رقص، وإذا كان عنوانه يتصل

بالسلام فحقيقته كالعارض الممطر..

والحدث قلب للحقائق: فالبحر المالح أصبح في حلوقهم كما يعلنون عذباً،

بينما الغيث الذي ينبت به الله الزرع، ويملأ الضرع، ويحيي القلوب ... قالوا عنه

إنه سام، وطريق النجاح طريق النجاة (سفينة نوح) هجرها الواقعيون واعتصموا

ياللخسارة والعار بشعار يهود، النجمة التي لا تضام ...

هذه الرموز وغيرها لها دلالات كثيرة، وكلها دلالات تربط بين واقع اليهود

وحقيقتهم كما صورها لنا رب العالمين، وبين ما نحن فيه من تزييف وخداع،

وقلب لهذه الحقائٍق، وقتل للمثل والثوابت.

وعنوان القصيدة نوع من الرمز، أو جزء من الرمز، وهو عميق الدلالة لأنه

يشير فيه إلى الاعتصام، فكيف أصبح إرضاء اليهود والانحياز لهم هو الاعتصام

الذي يسعى إليه المضللون، بدلاً من الإعتصام بحبل الله عز وجل والتمسك بشرعه؟

وكان استخدام الشاعر للرمز موفقاً من التاريخ والتراث، والواقع والأحداث

(مسجد الضرار قبساً الغمد الذل سفينة نوح الغيث العارض الممطر واقعي

الرياح ... الخ) ، والقصيدة تشير إلى قدرة الشاعر على التصوير، وعلى اختيار الرمز الدال الذي يختصر النظم الطويل، ويركز الانتباه والإحساس على بؤرة الحدث أو مركز الصورة ... ويفسح للقارئ الطريق لكي يغوص ويجول هنا وهناك لاستجلاء الصورة والوصول إلى عمق الرمز.

وكان موفقاً في اختيار أكثر الألفاظ التي أعانته على التصوير الموحي، بل

كان يضع بعض الألفاظ في سياق التعبير الشعري فتتحول من لفظة عادية إلى كلمة

شاعرية مشعة «أنا أنت، فصغ نزف قومي حبراً، وخط به.. هيكلاً للسلام» ،

«والجذور توهج في العمق ثابتة لا ترام» ، «ها تضلعت إني أرى رغم هذا

الظلام في عروقي دم الفاتحين» ... «يتدفق بالطهر، كالورد كالجمر، يسقي

جذوع الكلم» ... وكان موفقاً في الخاتمة التي اختار فيها بيتين مشهورين من شعر

الجهاد، وأتبعهما ببيتين من شعره.

لقد دلت القصيدة على موهبة شعرية استطاعت (توظيف) الرمز والمعطيات

الثقافية، والحقائق التاريخية، والقيم الإسلامية ضمن سياق شعري يعتمد على

الرمز والتصوير والإيحاء، بدون الوقوع في دهاليز الغموض، أو الاختفاء وراء

الصياغة المعقدة كما يفعل كثير من العابثين بالشعر والذوق.

ويبقى لنا أن نشير إلى أنه خرج في بعض المقاطع عن الطريقة التي اختارها

ففي المقطع الرابع كرر المعاني التي سبق تصويرها في المقاطع السابقة، ثم

استطرد في شرح هذه المعاني حتى أصبح طعم الصورة باهت الأثر، وفقد الرمز

معناه الإيحائي، وعمقه المطلوب، وفوّت على الصورة المركزة هذه المزية التي

تحملها.

وهناك بعض العبارات التي لم يوفق فيها الشاعر، ولم تكن متسقة مع بقية

العبارات التي خرجت من إطارها المألوف إلى لغة الشعر، وإيحاءات الكلمة عن

طريق الصياغة الموفقة (يا رياح فهزي جذوع غيوث اليقين) . تبقى القصيدة تومئ

إلى شاعرية سيكون لها توهجات طيبة، وعطاءات كثيرة إن شاء الله.

النص الثاني: قصة بعنوان «للموت مليون طريقة» بقلم/ عبير عبد الله

الطنطاوي، والقصة تصور جانباً من مآسي الحرب على الناس، بل تركز على

أثر الحرب في الطفولة، وربما اختارت هذه اللقطة من آثار الحرب، لأن الأطفال

يمثلون البراءة، والطهر، والفطرة، ولا يعرفون الكره أو الانتقام ولا يدركون

معنى السياسة والاقتصاد، والصراعات على المادة ...

أحداث القصة تصور امرأة أوصلتها الحرب إلى العدم، فلم تعد تملك شيئاً

تقتات به لترضع طفلها، أو لتأتي له بالحليب الذي يُعوضُه عن ثدي أمه الذي

نضب، وبعد بحث طويل وبمساعدة صديقة وفيّة لهذه الأم، تظفر صديقتها بمرادها

عند أحد الباعة الذي يطلب ثمناً غالياً، فتتخلى عن أساورها الثمينة لتدفعها ثمناً

لحياة الطفل، أو ثمناً لحليبه، وعندما أسرعت لتبشر صديقتها الأم بحصولها على

الحليب، وجدت أن الطفل قد مات.

هذه شريحة أو لقطة من صور الحرب التي باتت تدمر كل شيء، فالقنبلة

والصاروخ والطائرة لا تميز بين الإنسان والحيوان وبين الصغير والكبير ...

لقد نجحت الكاتبة من خلال هذه الشريحة في الإشارة إلى آثار الحرب

ومآسيها ومكابدة الأطفال بخاصة والناس بعامة من جرائها، وكذلك نجحت في إثارة

الشفقة والحزن على الطفولة التي راحت ضحية الحرب.

واختارت الكاتبة أسلوب السرد المباشر، والعبارة الواضحة البسيطة في

قصتها، ولكنها كان بإمكانها أن تتخذ من الطفل الذي مات جوعاً نقطة ارتكاز لتثير

كثيراً من الأمور التي تحملها الحروب، ولتومئ إلى بعض سمات هذا العصر،

وجرائم الساسة وصنّاع الحروب.

وكم كان جيداً أن تضع كل هذا في مواجهة الفطرة البريئة لهذا الطفل المعذب، ومع كل هذه التمنيات، فالقصة خطوة على طريق طويل، وإسهام في إثراء

القصة المعاصرة.

النص الثالث: قصيدة شعرية على وزن التفعيلة بعنوان «المتحدة» للشاعر/

علي بن موسى، وهي مقسمة إلى عشرة مقاطع، تتحدث عن مأساة المسلمين في

البوسنة والهرسك، وعن الجرائم التي يقترفها الصرب ومن وراءهم من حملة

الصليب ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وضد الحياة ذاتها.

وركز الشاعر في تصويره لهذه الجريمة على (هيئة الأمم) التي رمز إليها في

عنوان القصيدة، وعلى مجلس الأمن الذي أضحى ألعوبة، ومظلة لتنفيذ

المخططات العدوانية ضد المسلمين.

«يا مجلس الأمن المصمم للصليب وللصليب» ، «يا مجلس الأعداء: تقتلنا وتقتلنا، وتمنح خصمنا ليلاً من البارود يحرقنا وقوفاً» ، «هذي ...

سراييفو تدك سلامها نار الصليب» .

ويستمر الشاعر في تصوير ما عانته سراييفو وغيرها، وما يلقاه الناس

ولاسيما الأطفال الذين قطعوا أجسادهم وألقوهم مزقاً في الطريق، كما صور ما فعله

الصرب بالنساء والشيوخ وغيرهم، ثم صور حالة المسلمين المتخاذلين الذين «

يمضغون عجزهم» ، أو يأكلون خبزهم المعجون باللذات، ويبررون الجريمة

بكلمات تدل على فراغ ويأس ومهانة.

والشاعر يستخدم الصورة الشعرية للوصول إلى المعاني التي يريدها:

«الطفل غادر صبحه» ، «وانكفأ الشروق» ، «قلبي الطريدة،

والجموع تتابع الصياد، والصياد يقتنص الجموع!» ، «عذراً سراييفو وباقي

السرب، إنك منذ جاؤوا صامدة، ونحن هناك نأكل خبزنا المعجون باللذات» .

ولكن استخدامه للصور الشعرية لم يأخذ إلا حيزاً صغيراً، ولم تكن هذه

الصور إلا نادراً ذات إيحاءات بعيدة أو عميقة، بل كانت الصور أحياناً بسيطة

أقرب إلى الطريقة المباشرة.

وإذا كان الشاعر قد وضع القارئ أمام مسؤوليته كمسلم حيال هذه المؤامرة

الصليبية، فإنه لم ينجح كما ينبغي في اختيار الألفاظ التي تسعفه لتحقيق ما يريد،

فهناك ألفاظ عادية، وعبارات أقرب إلى النثرية البسيطة، وتراكيب ضعيفة أجبر

عليها الشاعر لإكمال المقطع «النار تأتي تحتوينا ونظنها في البعد نائية لكنها في

القلب تحرقنا» ، «يا مجلس الأعداء تقتلنا، وتقتلنا وتمنح خصمنا ليلاً من

البارود يحرقنا وقوفاً» .

ولكن هناك عبارات وفق فيها الشاعر، وكانت محققة لما ينبغي لها من

دلالات «ونحن نغط في لغط القشور» ، «وأنت المستجير ولا نصير» «هذي

سراييفو نواح لا يكف وألف ألف قذيفة زرعت هناك ولا مغيث» .

والقصيدة تبشر بعطاء شعري جاد مادامت تنم عن موهبة تتفتح وتشرئب إلى

التجويد من خلال تصور واضح.

وفي العدد (٧٠) قصيدتان شعريتان: الأولى بعنوان «النور وخيوط

العنكبوت» للشاعر علي محمد سفر، وهي على وزن التفعيلة، والثانية بعنوان «

كيف يشكو إلى القيود الأسير» للشاعر د/ صالح الزهراني.

أما القصيدة الأولى فهي صرخة أو رسالة يخاطب فيها الشاعر المخدوعين

بمدنية الغرب، وتقدمه المادي، ممن وصل بهم الأمر إلى الانبهار والغرق في

الوهم، والتبعية العمياء باسم الحرية والتقدم، مما أدى إلى وقوعهم في المعاصي

واستسلامهم للمذلات.

يناديهم الشاعر لينظروا بأعينهم وبصائرهم، وليعوا الحقائق، ويعودوا إلى

الحق، ويتخلصوا مما هم فيه من الإثم والوهم.

ويظل الشاعر يدق على بصيرة المسلم الغافل المخدوع؛ ليصحو ويستفيق

فيكرر النداء «تربت يداك» مستخدماً هذا التعبير الإسلامي المأثور.. ثم يمضي

في عرض واقع الحضارة الغربية بطريقة الحكاية، فيعرض قصة المرأة التي

استُغلَ شبابها بما فيه من حيوية ونضارة وجمال، فإذا ذوي الشباب لفظت كالجيفة

وتركت تعاني القهر والعذاب والبؤس.

وفي هذه الحالة لا تجد من أحد شفقة ولا عوناً ولا رعاية، بل تُلقى كالأقذار

وتعيش عيشة الذل، وإلى جانب هذا المنظر يعيش الكلب المدلل يأكل ما لذ وطاب، وهنا ترى المرأة خلاصها في قتل الكلب حتى يُؤويها السجن من البرد والحر

والتشرد، ويوفر لها لقمة العيش.

وحين تفعل ذلك يكون حكم القضاء العادل هناك أن تخرج من السجن وتلقى

في الشارع عقوبة لها على جريمتها النكراء، وتفويتاً لحيلتها في التخلص من هذا

العذاب، فيضع الشاعر هذه الصورة أمام المخدوعين، ويذكر بصور أخرى كثيرة

بإشارات مختصرة، ويذكر بهذا الواقع المخدوعين من الأمة لكي يعودوا إلى

الصواب.

القصيدة تجوال هنا وهناك، فيها تلوين وتنوع في الصور والأسلوب وطريقة

التعبير، وفيها بساطة وعفوية في بعض الأحيان، وإذا كان لهذا الأسلوب محاسنه

فإنه كذلك أضعف من قدرة القصيدة على تحقيق الهدف الذي أراده الشاعر،

وأضعف الأثر الذي يمكن أن يبقى بعد القصيدة.

وكان بمقدور الشاعر أن يستغل على سبيل المثال قصة المرأة لكي تكون

تنويراً للحقائق التي يريدها، ثم يتركها بنفسها لكي تنطق بما يريد.

القصيدة في شكلها الحالي، والتجوال بين مكان وآخر من خلالها لم يترك

فرصة للقارئ لكي يتمعن في صورة أو معنى، أو ليربط بين هذا وذاك أو ليكشف

بنفسه بعض الحقائق من الإشارات أو المقارنة أو الرموز الموحية.

لقد أراد الشاعر أن يستعرض بسرعة صوراً كثيرة، وأن ينوب عن القارئ

أيضاً في شرح ما يريد، وهذا يضعف تأثير الشعر، ويذهب بكثير من جماله.

وكذلك كنت أتمنى أن يكتفي الشاعر بنصف هذا القدر من الطول مع التركيز

في التصوير والتعبير والتجويد في اختيار أدواته، ولو فعل ذلك لترك في أحاسيسنا

ووعينا أثراً أعمق، ولحقق قدراً أكبر من الجودة والإمتاع، وليس هذا صعباً على

الشاعر مادامت لديه هذه القدرة على التعبير بغزارة وعفوية.

القصيدة الثانية «كيف يشكو إلى القيود الأسير» للشاعر د/ صالح الزهراني

تذكرنا بعدد من الشعراء المعاصرين الذين تميزوا بقوة النبرة وحرارة العاطفة

وتلوين الخطاب، وامتزاج الصورة بالأسلوب المباشر، أمثال الدكتور النحوي،

والدكتور عبد الرحمن بارود، والأستاذ شريف قاسم وغيرهم يخاطب الشاعر في

قصيدته ما يسمى بالضمير «ضمير الأحرار، ويتساءل بسخرية ومرارة عن هذا

الضمير» أين الضمير؟ «.

يا ضمير الأحرار.. أين الضمير ... وبلادي مجازر وقبور! !

ويعدد الفجائع والمجازر والمظالم التي تملأ ديار المسلمين بفعل أصحاب هذا

الضمير.

هذه الجرائم تنفذ تحت علم الأمم المتحدة ومجلس الأمن، المحكوم من هؤلاء

الظالمين الذين نصبوا أنفسهم قضاة، وأتوا من بينهم بشهود الزور وحكموا على

الضحية التي هي من المسلمين.

ثم ينقل الشاعر خطابه للمسلمين لينبههم إلى ما هم فيه، ويدعوهم إلى شد

العزائم وترك الخلافات، وشحذ الهمم، والتبصر بالواقع ليعودوا إلى النهوض من

جديد. وأخيراً، ومع هذا الواقع المأساوي، يبشر الشاعر هذه الأمة بالفجر القادم،

لأنه وعد الله الذي لا يتخلف، والفجر لا يحول دونه سور أو أي حائل.

والقصيدة رغم ما فيها من نبرة خطابية قوية، فقد نجحت في تصوير واقع

المسلمين، بل واقع العصر الذي اتسم بتكالب الغرب، وتجمعه ضد الإسلام

والمسلمين، وهي لا تخلو من صور بين حين وآخر، وبعض الرموز القليلة، مع

التلوين في الأسلوب، مما يعطيها حيوية وجمالاً.

وكذلك لا تخلو القصيدة من الأبيات الجميلة التي يحلو للقارئ تردادها لما فيها

من طرافة المعنى، أو جمال التعبير، أو قوة الدلالة، مثل:

» ما خبا في دمي شعاع المعالي ... في وريدي لا ينضب التكبير «

وكذلك اعتمد الشاعر على التكرار غير الممل أو المخل، لتثبيت الصورة

التي يريدها، أو الفكرة التي يريد إيضاحها:» يا ضمير الأحرار «،» يا مجلس

الأمن «،» حدثوني «،» نحن مليار «..

والقصيدة تشير إلى قدرة الشاعر على التعبير دون تلكؤ أو افتعال وامتلاكه

لعناصر القصيدة الناجحة، ولعله في التقليل من النبرة الخطابية أحياناً واستغلال

قدرتها على التصوير، يعطي شعره عمقاً وجمالاً، ويقلل من ترف التكرار الذي لا

ضرورة له، أو الطول الذي يحكمه السرد المباشر.