للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

الهم الأدبي

تركي المالكي

الإنتاج الأدبي الإسلامي المعاصر لا يكاد يمثل غير رف واحد مضئ في

مكتبة متخمة بالإصدارات، مسترخية على مد البصر من الأرض طولاً وعرضاً..

ومايزال النص الأدبي الذي تنبض في جنباته ومضات الخيال وفجاءاته وجماله

ووقده المعنى وخلوصُه من غبار التهويمات المصادمة لجوانب من الرؤية

الإسلامية.. مايزال حجم هذا النص وعمقه غير متوازن مع هدير هذا البحر الممتد في طول العالم الإسلامي وعرضه من العائدين إلى حياض الإسلام بعد طول غياب، بالرغم مما تحقق في السنوات الأخيرة وبخاصة في ميدان النصوص الشعرية.

إن ركن الأدب في المكتبة الأدبية المعاصرة يكاد يمثل جانباً من المنجز

الغربي الذي نجح في بناء عقل ثقافي لا يرى إلا من خلال (العيون الزرق) !

ويُعجب حتى بالديدان التي تم (تعميدها) في بطون أصحاب البشرة البيضاء والشَعَر

الأشقر! مثلما يقبل كل الأقواس الغربية من الرومانسية إلى (ما بعد الحداثة) ، لكنه

يصاب بالشلل حين يرى قوساً إسلامياً واحداً ولو كان القوسَ الأخير الذي يُبقي

الإنسان في أحسن تقويم.

ولو فتشت في عالم الرواية العربية مثلاً عن نموذج واحد مشرق يمكن أن

يكون معبراً عن شخصية الإنسان المسلم وهويته الحضارية في أبعادها المختلفة أو

معالجاً بعمق لمشكلاته الحقيقية، لجف عزمك في طريق البحث الذي لا ينتهي بينما

يزدحم الطريق بنماذج الكادحين الذين يصارعون الفقر ويحاولون صناعة الفجر

الشيوعي الكاذب، أو أولئك الذين يسكنون (شقة الحرية) وينقلون ما تضج به من

العلاقات الغرامية مع التفصيل الذي يلاحق الحركة والكلمة حتى يجسم الصورة في

خيال القارئ بكل تفصيلاتها! ويصفون التنقل في عالم المبادئ المزيفة حتى وهو

يتم أحياناً بحسب فتاة الغلاف التي تفتح الطريق لقبول الدعوة أو تغلقه! ! .

وبين جبال الرماد هذه تكاد تختفي تلك الجمرات المعدودات من أمثال روايتي

(الثعابيني) و (ملكة العنب) ، فلا يُحس بها أحد، وهي التي تحمل نسغ الجمال

ملتحماً بهم صادق، تجري دماء الأمة الحقيقية في عروقه.

من هنا يصبح الهم الأدبي لزاماً بعضاً من خارطة الهموم الثقافية للخطاب

الإسلامي، وهل يمكن لدعوة إسلامية أن تهمّش البعد الأدبي أو تلغيه من اهتماماتها

وتحتفظ مع ذلك بمسيرتها الإصلاحية في بقية أبعاد الإنسان الحضارية؟ .. أظن أن

ذلك غير مقبول في المنهج الإسلامي من جهة ولا ممكن التحقق في الواقع الإنساني

المعاش من جهة أخرى؛ لأن الهاجس الأدبي والشوق إلى رواء الجمال وعذوبته

جزء من البناء النفسي في الإنسان يغذوه الأدب الحقيقي ويعمقه، ولا تكاد تكتمل

الشخصية الإنسانية إلا به، فضلاً عن بقاء الكلمة سلاحاً متعدد الاستخدامات في

الصراع الطويل بين الحق والباطل.

فهل تكون (مجلة الأدب الإسلامي) التي صدر عددها الأول قطرة في أول

الغيث، تقدم النص الفني الجميل، ملتحماً بالرؤية الإسلامية، بعيداً عن أدب

الأعطيات من جهة، ونصوص الترجمة لمتاهات الفكر الغربي المقدّمة في أشكال

فنية جميلة من جهة أخرى؟

نرجو أن تكون كذلك ونطمح أن ينهمر من بعدها القطر.