للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[نشأة أخرى]

محمد العبدة

احتار المصلحون في أمر هذه الأمة، فمنذ قرن ونيف والسؤال يتكرر: أين

الخلل؟ وما هي العلة؟ ومن أين يبدأ الإصلاح؟ ووصل الحال بأحد زعماء

المسلمين في أول هذا القرن - وقد استقر به المقام في المدينة النبوية - أن يجأر

بالشكوى ويقول: «لا يتحرك المسلمون حتى يتحرك جبل أحد من مكانه» .

إن هذه الشكوى لها ما يبررها، فهذه الأمة ليست أمة مستأنفة تبدأ طريقها من

جديد، بل هي امتداد لأمة بدأت في عصر الرسالة، فهي تحمل بذور نهضتها،

ولكنها تحمل أيضا أعباء سنين متطاولة من التخلف والضعف والتفرق، وجاءت

آثار التغريب في العصر الحديث فزادت الأمور تعقيداً فكيف نخلّص الفرد المسلم

من هذه الأدواء، وننشئه نشأة أخرى ليعود إنساناً فعالاً صالحاً مصلحاً؟

لقد حام حول هذا الموضوع كثير من المصلحين الذين يريدون بالأمة خيراً،

فمن مقرب ومن مبعد، ورفعت شعارات صحيحة، ولكنها تصف أعراض الداء ولم

تكشف عن العلة، فعندما يقال: إن الخلل جاء من البعد عن شريعة الله، فهذا

صحيح، ولكن لماذا يسكت المسلم عندما يطبق شرع غير شرع الله؟ ولماذا

يستسهل هدا الأمر، ولا يدافعه مع خطورته الشديدة؟ ما سبب ضعف شخصيته

حتى يقبل بما هو واقع؟

لا شك أن العطب جاء من قبل ضعف العقيدة، وعدم وضوحها، ومن ضعف

الإيمان وخلل في تصور الولاء والبراء، ذلك لأن حرارة الإيمان هي التي تدفع

بالسلوك والخلق إلى أعلى مراتبه، وهي التي تساعد على قوة الصعود وعدم

التنازل عن تطبيق شرع الله مهما كلف الأمر، بل هي التي تحرق المراحل وتذيب

العقبات من طريق الدعوة.

وأن قوة الإيمان، وفهم العقيدة السليمة، هو الذي ينتشل المسلم من أوضار

الجاهلية بشتى أصنافها ومسمياتها، إلى آفاق الرشد والشهادة على الناس وعالمية

الإسلام، وهو الذي جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: «بلال

سيدنا وأعتقه سيدنا» ، بينما نجد العصبية والحزبية تنخر في صفوف المسلمين

الذين يريدون حمل الدعوة، فكيف بغيرهم؟

قد تعيش أمم بعقائد واهية سخيفة، وقد يعتريها أزمات في هويتها ومبادئها ثم

تستأنف حياتها، ولكن الأمة الإسلامية أمة نشأت على الدين وقامت بالدين وهو

الذي صنعها وحضَّرها، وعندما يحدث خلل في الدين تقع الكارثة، وتحدث

الشروخ في جميع مناحي الحياة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتصبح الأمة حائرة بائرة مرعى لكل راع، يسومها الخسف وسوء العذاب.

كيف نرفع من وتيرة هذا الإيمان حتى يعود إلى اتقاده وفعاليته؟ ويكون

كالآتي الذي لا يقف أمامه شيء؟ وكيف يعود إلى العقيدة صفاؤها وأثرها العملي

ولا تكون مماحكات في الكتب والأذهان؟ هذا ما يجب أن تتجه إليه الهمم، وهذا ما

يجب أن تربى عليه جماهير المسلمين.