للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

حول موضوع الأكراد

- مناقشة وتعقيب -

محمد بن سليمان

في العدد (٧٦) من «البيان» المقال الموسوم بـ «أحفاد صلاح الدين بين

مؤامرة الأعداء وخذلان الأصدقاء» ، ولما كان هذا الموضوع من الموضوعات

الشائكة حيث تختلط العاطفة مع القومية والإسلامية، كان لابد من رؤية إسلامية

تكون بعيدة عن ردود الفعل وضغط الأحداث، وقبل إبداء بعض الملاحظات على

المقال التي هي مساهمة في إيجاد رؤية إسلامية، لابد من التمهيد التالي: ...

١- نحن نؤمن بالإسلامية، وليس عندنا ولله الحمد أي نعرة قومية أو نظرة

مجافية لأي شعب من الشعوب الإسلامية، وذلك حتى لا يظن ظان، أو يتهم متهم.

٢- إن القضايا التي تهم أمر الأمة لا يصلح لها التدسس للعواطف على

حساب الحل السليم والنظرة الواقعية، ولا يصلح لها إلا المصارحة وقول الحق ولو

كان مراً، ومعالجة المشكلة من جميع جوانبها.

٣- إن الأمة الإسلامية تجمع شعوباً شتى ولغات شتى، والأصل هو انصهار

هذه الشعوب في بوتقة الإسلام، والإسلام لا يضاد الأشياء الطبيعية مثل أن ينتسب

الإنسان إلى قبيلة أو شعب، ولكنه يحارب العصبية القبلية أو العصبية الشعوبية:

[وجعلناكم شعوباْ وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم] ، ومشكلة الشعوب

الإسلامية مشكلة واحدة سواء أكانوا عرباً أو عجماً، وهي البعد من منهج الله،

والتخلف الذي ضرب بجرانه منذ سنين متطاولة.

٤- إن أي مشكلة لا تحل برد الفعل، فإذا كان الترك العلمانيون رفعوا شعار

القومية الطورانية، وبعض العرب رفعوا شعار القومية العربية، فالحل لا يكون

برفع شعار القومية الكردية، وإنما بالرجوع إلى مصدر القوة والوحدة والتقدم، وهو

الإسلام.

بعد هذا التمهيد أقول لكاتب المقال:

١- لماذا هذا التهويل في الألقاب، فهل أكراد البرزاني والطالباني والحزب

الكردستاني في تركيا، هل هؤلاء أحفاد صلاح الدين حقاً؟ وأكثرهم فاسدون جهلة، شيوعيون وعلمانيون، ومن الطبيعي أن يقال أيضاً أن عرب اليوم من الجهلة أو

الذين لا يريدون المنهج الإسلامي ليسوا أحفاد عمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد،

ولا أتراك اليوم أحفاد نور الدين أو محمد الفاتح..

٢- إن لهجة المقال وفي الصفحة الثانية منه توحي بأن االأصل عند لأكراد

هو الانفصال، فهم في الدولة الإسلامية: «وشاركوا في كثير من الأحداث

التاريخية، وقامت لهم دول، وفيهم علماء ... » ، وأقول للأخ الكاتب: هذا شيء

طبيعي لأن كل الشعوب التي أسلمت اندمجت في المجتمع الإسلامي الواحد، ولم

يعد هناك هذا التمايز فالأتراك شاركوا ومسلمو الهند شاركوا، والبربر شاركوا،

فهل نعود الآن ليفتخر كل شعب بما عمل، ونثيرها عصبية مشوبة بالإسلامية؟

ومن أغرب الأشياء أن يقول الكاتب: إن دولة صلاح الدين كانت دولة كردية، وهل فَكّر صلاح الدين رحمه الله بهذا التفكير أم أقام دولة إسلامية وكان أستاذه في

هذا هو السلطان نور الدين محمود التركماني؟

وأما نقلك عن علماء الأكراد أن الغرب يعاديهم لأن صلاح الدين منهم وهو

الذي طرد الصليبيين، فهذا أيضاً من التهويل الذي لا يحمد فالغرب يعادي الإسلام

والمسلمين من أي انتماء كانوا، وصلاح الدين رحمه الله من أبطال الإسلام، ولكنها

نظرة ضيقة للأمور، وللأتراك أن يقولوا: الغرب يعادينا لأن الدولة العثمانية دكت

حصون الغرب وقلاعه لمدة ثلاثة قرون، والعرب يقولون: إن عداء الغرب لهم

أكبر من أي عداء لأنهم هم الذين حملوا الدعوة الإسلامية إلى الشعوب في أنحاء

العالم.. وإذا شجعنا هذه النغمات فماذا نقول للبربر في شمال إفريقيا أو لسكان

جنوب السودان، أو لكل طائفة إسلامية لا تتكلم العربية؟ !

٣- والأعجب من هذا أن يقول الكاتب: إن هناك رأياً منصفاً في مصطفى

البرزاني، ويقول: «انظر: علماء الأكراد» مع أن أمر البرزاني وعلاقته مع

إسرائيل وعلاقته مع الشيوعيين في موسكو، أمر مشهور وقد اعترف ابنه مسعود

في مقابلة مع مجلة (المجلة) بعلاقة والده هذه، وأما علاقة الطالباني وغيره من

الأحزاب العلمانية الكردية مع إسرائيل، فيكفي أن يرجع الكاتب إلى الصحف

والمجلات الصادرة بعد حرب الخليج.

٤- هل تُشَجّعُ اللغة العربية أم الكردية، والمفروض على الأكراد وغيرهم

من الشعوب الإسلامية أن يتعلموا العربية، لأنها لغة الإسلام ولغة القرآن والسنة

والثقافة الإسلامية، ونحن نعلم أن هناك دعاة مخلصين في صفوف الأكراد يعلمون

العربية، وينشرون الوعي الإسلامي والعلم الشرعي، ونحن لا نخاطب هؤلاء

وإنما الذين يدندنون حول اللغة القومية ويغيرون أسماءهم أو أسماء أبنائهم من

العربية إلى الكردية، كما أننا نعلم صعوبة تعلم العربية بالنسبة للشعوب الإسلامية،

وأنها تحتاج لإرادة ووقت، وأنه لابد من ترجمات للعلوم الإسلامية، ولكن الأصل

هو تعلم العربية.

٥- في بداية المقال ذكر الكاتب أن من أسباب تطور ملف الأكراد «ازدياد

الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، ومطالبة الأكراد بحل تاريخي على غرار حل

الصراع العربي الإسرائيلي» ، وكأن الكاتب يوافق على هاتين النقطتين، فهل

هناك فعلاً اهتمام بحقوق الإنسان المسلم أم أن الغرب يدغدغ عواطف المسلمين بهذه

الكلمات الطنّانة؟ وهل يوافق الكاتب على هذا الحل العربي الإسرائيلي؟ وهل

الأكراد المسلمون يوافقون على هذا الحل؟ !

٦- وأخيراً أقول للأخ الكاتب: إن مشكلة الأكراد هي مشكلة كل مسلم ولا

شك في أنهم ظلموا من الأنظمة التي يعيشون في ظلها كما ظلم غيرهم أيضاً،

ويجب على المسلمين مساعدتهم في وضعهم الحالي في شمال العراق، وعلى الدعاة

استغلال هذه الفرصة لبث الدعوة وتعليم الناس أمور دينهم وإنشاء المدارس ... وأما

على المدى البعيد فلماذا لا يتعاون المسلم الكردي مع المسلم التركي للوقوف أمام

الزحف العلماني؟ ولماذا لا يتعاون الأكراد في إيران وهم من أهل السنة مع أهل

السنة هناك؟ وإن مشكلة الكردي المسلم هي مشكلة العربي المسلم، فلماذا لا يتعاون

الجميع لإقامة شرع الله، والدول لن تسمح أبداً بحل انفصالي فلماذا لا نرجع إلى

الأصل وإلى الحل الصحيح وهو الإسلام؟ !

تعقيب على المقال:

وقد تم عرض هذا النقد على كاتب المقال وأفاد بالآتي:

أشكر للكاتب الكريم وجهة نظره التي لا أشك في أنها ناتجة عن غيرة إسلامية، وأحب أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض ملحوظاتي على المقال فيما يلي:

١- حينما دعوت إخواننا الأكراد بأنهم أحفاد صلاح الدين، إنما كنت أعني

استجاشة شعورهم الإسلامي بربطهم بقائد مسلم منهم، ولعلم الأخ الكريم أن الأكراد

العلمانيين يعتبرون صلاح الدين خائناً للقضية الكردية! هكذا يزعمون، ثم من قال

أن المعني بأحفاد صلاح الدين حزب البرزاني أو الطالباني بينما المقال يحذر من

التعامل معهم؟ !

٢- لا يمكن بحال أن يفهم القارئ للمقال أن فيه دعوة قومية، وقد بين المقال

أن من أسباب فشل انتفاضتهم كونها كانت ذات منطلق قومي ومعاذ الله أن يكون

ذلك الوهم في ذهن الكاتب.

٣- لا أدري كيف يفهم الكاتب أن الأصل في المقال هو انفصال الأكراد وقد

أكدت على خطأ ذلك، وأن أي توجه انفصالي سيعود سلباً على مصلحة هذا الشعب

المسلم، وسيستغل من أعدائه أبشع استغلال.

٤- لا يمكن أن أدعو إلى اللغة الكردية على حساب لغة القرآن الكريم، ولكن

لنكن واقعيين أكثر، فهل ندع دعوة إخواننا الأكراد وتوعيتهم حتى يتعلموا لغة

القرآن، أم أن دعوتهم بلغتهم ضرورة مع أهمية بل ضرورة تعلمهم لغة القرآن

الكريم؟ ! وهذا محل اتفاق والحمد الله.

٥- أما أن الأكراد يطالبون بحل تاريخي وذكر بعض الحلول، فهذا لسان

الكثيرين منهم، وتلك الحلول لا يعني وصفها بالتاريخية أنها صحيحة أو مطلوبة،

لكنها حديث الساعة ولا يمكن بحال أن تحل مشكلات المسلمين إلا بحلول إسلامية

مهما طال الزمان، وهذا ما نتفق عليه.

٦- أما ما ذكره الأخ الكريم في تعقيبه عن البرزاني فقد كنت أرغب ويرغب

غيري في توثيق ما ذكره عنه، وليس الإحالة إلى مجهول، وبخاصة وأن الرجل

قد أفضى إلى ما قدم، وإن كان الواجب ذكر الحقائق مهما كانت مرة.

جزى الله أخانا خيراً ووفقنا وإياه إلى ما يحبه ويرضاه.