للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

ماذا وراء أمواج السلام؟!

للإسلام مع يهود تاريخ حافل بالصراع تخللته صور عديدة لمكرهم وغدرهم

مصداقاً لقوله تعالى [ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين

أشركوا] ، ومؤامرات ابن السوداء وميمون القداح وآثارها الخطيرة في تاريخنا مسطرة وجهودهم في إفساد تراثنا الإسلامي ببث إسرائيلياتهم معروف وتظاهرهم بالإسلام للكيد له كما فعل (يهود الدونمة) ، الذين عملوا على إسقاط الخلافة العثمانية، لا يجهله أي قارئ للتاريخ الحديث، وقامت دولتهم على ثرى فلسطين المسلمة بدعم من الإنجليز الذين أعطوهم (وعد بلفور) عام ١٩١٧ مؤذناً بقيام دولتهم التي قامت فعلاً عام ١٩٤٨، ولم تفلح الحكومات العربية آنذاك في التعامل معهم ومواجهتهم، بل أُوقفت الزحوف المجاهدة المنطلقة لتحرير فلسطين المغتصبة بدعوى أن ذلك واجب الحكومات العربية التي انهزمت شر هزيمة، وتوالت النكبات في عصور القومية العربية والنزعات الثورية العلمانية، التي لم تكن سياساتها حيال العدو سوى الحرب الكلامية ومجرد التلويح باسترداد الأراضي المغتصبة ليس إلا! وكانت النتيجة المحتمة لتلك السياسات العجيبة الهزائم المتوالية في أعوام ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣ مما أوجد إحباطاً لدى الشعوب العربية التي لم تُعد الإعداد المطلوب للجهاد في سبيل الله وهذا ما أدى فيما ... بعد إلى السقوط في مستنقع الاستسلام للعدو بدءاً بقبول (مشروع روجرز) من قبل (عبد الناصر) إلى صلح السادات في كارثة (الكامب ديفيد) إلى الغرق في الوحل بمهزلة الحكم الذاتي في غزة وأريحا، التي مازال العدو يمسك بخناقها، ثم التوقيع بالصلح مؤخراً مع الأردن، حيث أعلن أن هذا الصلح يؤذن بإنهاء الحرب بين البلدين بعد وعد من أمريكا بالدعم الاقتصادي والتنازل عن ديونه، ومد جيشه بالسلاح، ولا ندري لحرب من؟!

والواضح أن ذلك الصلح مخطط له منذ عشرين سنة على الأقل! وهذا ما

أكدته الخطوات التطبيعية السريعة بينهما والمتمثلة فيما يلي:

١- الربط المباشر بين البلدين في الهاتف والكهرباء.

٢- فتح نقطتي عبور جديدتين للسياح والرعايا

٣- الإسراع بفتح ممر جوي بينهما وهو ما حصل بالفعل ٤ تعاون قوات

الأمن في البلدين لمكافحة الجريمة.

٥- استمرار المفاوضات حول الشؤون الاقتصادية تمهيداً للتعاون الثقافي

المستقبلي، والكاسب الوحيد في مسألة السلام هذا هو العدو لأمور منها:

١- نجاحه في تفريق الصف العربي والتفرد بكل دولة في سلام مهين

٢- التطبيع القادم في الأصعدة السياسية والإعلامية والسياحية، وأخطر من

ذلك التطبيع الثقافي الذي يعني إزالة كل ما في الكتب والصحف والمناهج من كون

اليهود أعداء لأمتنا، ولا ندري ماذا سيصنعون بما في الوحيين

٣- انتعاش الاقتصاد الصهيوني بخاصة بعد تطبيق إلغاء المقاطعة العربية

وهذا ما بشر به (بيريز) قومه في كتابه (شرق أوسط جديد)

٤- تفريط الأمة في بناء قوتها بناءً على هذا السلام الموهوم بينما العدو مسلح

نووياً واقتصادياً وإعلامياً، بما لا يدع مجالاً للمقارنة

إن موقفنا من العدو موقف عقيدة، وليست المسألة حاجزاً نفسياً يسهل هدمه،

يقول تعالى [ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم] . ولاشك أن

التداعي السريع على هذا السلام أو بتعبير أدق (التطبيع) هو تجاهل لموقف عقيدتنا

وجهل بحقيقة الصراع مع العدو، مما أدى إلى السياسات العقيمة على كل الأصعدة، حيث ووجه الاتحاد بالتفرق ووجهت القوة بالضعف والعقيدة بالأيدولوجيات الفاشلة.

إن الحل الإسلامي الذي يعرفه العدو ويخشاه مازال معطلاً من إعداد للعدة

وتجييش للجيوش وتربية للأمة التربية الجهادية وتحكيم لشريعة الله واستقلالية

للقرار بعيداً عن المؤثرات الأجنبية، وهذا الحل هو ما يخشاه قادة العدو، يقول (بن

جوريون) : «لا نخشى إلا الإسلام، هذا المارد الذي بدأ يتململ من جديد ويقول:

إن ما أخشاه أن يظهر في العالم العربي: محمد جديد»

إن واقعنا اليوم في خضم هذه الأحداث المتوالية يضع علامات استفهام كبيرة

تحتاج إلى جواب.

لماذا ينحى الإسلام من المواجهة وهو الحل الحاسم لغطرسة العدو؟

لماذا تضرب الحركات الإسلامية المجاهدة في كل بلد عربي عند التمهيد لكل

سقوط واستسلام للعدو؟

لماذا يصادر الرأي المعارض للاستسلام ويعتبر أهله دعاة انقسام وتفريق

للصفوف ويحاربون بكل الوسائل الإعلامية؟

لماذا تستخرج الموافقة للاستسلام للعدو بأساليب مزيفة وإدعاء أن ذلك رغبة

الشعوب مع محاولات إغرائها بوسائل مكشوفة لقبول تلك التوجهات؟ !

كيف يفرط في أراض إسلامية مغتصبة ويكتفى ببعض ما احتل بعد نكبة ٦٧

فقط، وما قبلها أليست تلك أراض إسلامية محتلة.؟ !

ولا ندري متى يُكَف عن التزوير وتسمية الأشياء بغير اسمائها، ففي هذه

الأيام يسمى هذا السقوط بسلام الشجعان! وما عهدنا الشجعان يفرطون في مبادئهم

ويتهاونون في حقوقهم.

وعلى كل حال يجب أن لا نيأس من روح الله ونصره، متى ما صدقنا معه،

وأعددنا العدة، وجاهدنا في سبيله بكل السبل الشرعية المتاحة ومن أعظمها إيقاظ

الحس الإسلامي في الشعوب الملبس عليها، ببيان حقيقة أعدائها والموقف منهم،

وتبشيرها بمثل قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- «لا تقوم الساعة

حتى تقاتلوا يهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي

فاقتله) [*] » ، فلماذا نعطي الدنية في ديننا والله تعالى يقول: [ولله العزة

ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون]


(*) رواه البخاري في صحيحه، باب قتال اليهود من كتاب الجهاد ج١/٢٣٢.