للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

أدركوا مسلمي بورما

قبل فوات الأوان [*]

د. محمد يونس [**]

يتعرض إخواننا المسلمون في إقليم «أراكان» في بورما إلى حرب شاملة

تقوم على القتل والتشريد والتعذيب، مخالفة لكل الشرائع ومصادمة لما يسمى

بحقوق الإنسان من قبل الطغمة الحاكمة البورمية البوذية، وهذا موجز عن أوضاع

هذا الشعب المسلم المضطهد، وما يعانيه من حرب عنصرية شديدة يتناساها العالم،

لكن حين تتعرض زعيمة المعارضة البورمية لمضايقة بسيطة لا تصل إلى «واحد

في الألف» مما يتعرض له المسلمون، تقوم الدنيا ولا تقعد، ويشنع على حكومة

«رانجون» بدعوى مخالفتها لحقوق الإنسان، أما المسلمون فلا مؤيد لهم، وقد

سبق لمجلة «البيان» أن تطرقت بالتعريف بهذه المنطقة من خلال دراسة موسعة

عن هذا الشعب في العدد (٥٢) .

- البيان -

«أراكان» المحتلة هي الدولة الإسلامية التي تكاد أن تُنسى من أذهان كثير

من المسلمين مع مرور الأيام والسنين، وهي تقع في جنوب غرب بورما البوذية

والساحل الشرقي من خليج البنغال، تحدها من الشرق سلسلة جبال أركان التي

تعتبر امتداداً لجبال هملايا وتجعل أراكان منفصلة تماماً عن بورما البوذية وتعطيها

شكل وحدة جغرافية مستقلة، كما تمتد حدودها من الشمال مع بنجلاديش نحو

(١٧٦) ميلاً، بينما يمتد ساحلها على خليج البنغال نحو (٣٦٠) ميلاً، ويتجاوز

عدد سكانها الأربعة ملايين ونصف المليون نسمة حوالي ٧٠% منهم مسلمون،

يعرفون باسم «الروهنجيا» و ٢٥ % بوذيون يعرفون باسم «الماغ» ، ٥ %

أقليات أخرى من النصارى والهندوس وعباد الظواهر الطبيعية!

ومازال المسلمون يعانون الأمرين من القمع الذي تقوم به الحكومة البورمية

البوذية منذ احتلال هذه المنطقة من قبل الملك البوذي (بودوبيه) عام ١٧٨٤ م وإلى

الآن ومما يحدر ذكره أن أماكن المسلمين الروهنجيا ليست في أركان فقط، وإنما في

العديد من المواقع بما فيها العاصمة رانجون.

وفي عام ١٩٩١ م استغلت حكومة بورما البوذية الأحداث التي حدثت بعد

أزمة الخليج الثانية، فاستأنفت مسلسل القتل والتعذيب والقتل والتشريد ضد مسلمي

أراكان الأبرياء، واستمرت المجازر والمذابح ضدهم لا لشيء سوى إصرار هذا

الشعب على عقيدته الإسلامية ومطالبته بالحرية والكرامة [وما نقموا منهم إلا أن

يؤمنوا بالله العزيز الحميد] [البروج: ٥] فكان نتيجة لتلك المجازر الوحشية،

وسياسة انتهاك الأعراض الجماعية، وتردي الأوضاع الأمنية، أن اضطر أكثر من

(٣٠٠) ألف مسلم روهنجيا من بينهم الأطفال والنساء وكبار السن إلى مغادرة

ديارهم إلى دولة مجاورة هي «بنجلاديش» وقد أجبرت هذه الهجرة الجماعية

المفاجئة بنجلاديش التي تعاني اضطرابات سياسية واقتصادية مستمرة على توقيع

اتفاقية مع بورما نصت على:

١- العودة الفورية والسريعة للمهاجرين إلى ديارهم.

٢- أن تقوم الحكومة البورمية بتعويض المسلمين عن كل ما فقدوه.

٣- السماح لمسلمي أراكان بحرية السفر والتنقل داخل البلاد وخارجها.

٤- أن تصدر الحكومة البورمية بطاقة الجنسية للمسلمين فور عودتهم إلى

بلدهم.

٥- تعويض المسلمين عند استخدامهم قسراً عمالاً لبناء السدود والطرق.

وفي الواقع أنه لم ينفذ أي بند من بنود هذه الاتفاقية بل العكس هو ما حدث

فقد استبدلت القوانين العنصرية بأخرى أشد صرامة، وأصبح التنقل للمسلمين في

أراكان أصعب من السابق، وازدادت عمالة السخرة والاحتجاز القسري وحوادث

القتل والتعذيب والاعتقالات واغتصاب النساء وإجبار الفتيات المسلمات على

الزواج من البوذيين، وإليكم فيما يلي بعض النماذج من هذه الممارسات التي

تركتبها الطغمة البوذية الحاكمة ضد المسلمين في أراكان فهي تساعد على إلقاء

الضوء على الوضع المأساوي الذي يمر به المسلمون في هذا البلد المنسي:

من الناحية الدينية:

١- هدم المساجد وتحويلها إلى مراقص وخمّارات ودور سكن.

٢- يتعرض العلماء والدعاة وطلبة العلم للامتهان والضرب، وإرغامهم على

العمل في المعتقلات.

٣- عدم السماح للدعاة بالانتقال من مكان إلى مكان لممارسة الأنشطة الدعوية، ولا يسمح بدخول العلماء والدعاة من الخارج لأعمال الدعوة والإرشاد بين إخوانهم

المسلمين.

٤- مصادرة أوقاف المسلمين ومقابرهم وتحويلها إلى مراحيض عامة أو

حظائر للخنازير والمواشي.

٥- يدخل أفراد الجيش البورمي البوذي في المساجد بأحذيتهم ونجاساتهم

حاملين زجاجات الخمر تحدياً لمشاعر المسلمين.

٦- غير مسموح للمسلمين ببناء المساجد أو المدارس ولا إصلاح القديم منها

كما لا يسمح لهم باستخدام مكبرات الصوت في الأذان.

٧- غير مسموح بأداء فريضة الحج للمسلمين من أراكان باستثناء عددقليل

ممن ترضى السلطات البورمية البوذية عن سلوكهم، وهذا من باب الدعاية أيضاً.

من الناحية الاجتماعية:

١- صدر في عام ١٩٨٢ م قانون جديد للجنسية والهجرة وبموجبه قرر أن

شعب أراكان المسلم شعب بلا وطن، وليس لهم حق تملك أي عقارات في الدولة

ولا ممارسة الوظائف في الدوائر والمؤسسات الحكومية.

٢- إجبار الفتيات المسلمات على الزواج من البوذيين.

٣- إصدار توجيهات من قبل السلطات البوذية بين وقت وآخر تهدف إلى

تحويل المجتمع المسلم إلى مجتمع إباحي.

٤- ترويج الخمور وإشاعة الفاحشة بين أبناء المسلمين الشباب على نفقة

الحكومة بالمجان.

٥- إرغام المسلمين على العمل بدون تعويض كبناء السدود، وحفر الخنادق

للجيش، وحمل بضائعهم إلى المناطق الجبلية النائية.

٦- إقامة مستوطنات بوذية جديدة بين قرى المسلمين بهدف تغيير التركيبة

السكانية في أركان، وعلى وجه الخصوص في مناطق الكثافة السكانية للمسلمين.

من الناحية الاقتصادية:

١- مصادرة أراضي المسلمين وأوقافهم وإقامة معابد البوذيين ومستوطناتهم

عليها.

٢- حجز قوارب صيد الأسماك التابعة للمسلمين ومصادرتها لأد نى سبب.

٣- عدم السماح للمسلمين ببيع محاصيلهم الزراعية، مما يؤدي إلى خسارتهم.

٤- منع المسلمين من شراء الآلات الزراعية الحديثة لتطوير مشاريعهم

الزراعية.

٥- عمليات السلب والنهب لأموال المسلمين تتم تحت إشراف عمال الحكومة.

٦- إلغاء العملات المتداولة بين وقت وآخر من دون تعويض المسلمين عنها

٧- إحراق محاصيل المسلمين الزراعية، وقتل مواشيهم

٨- عدم السماح للمسلمين بإقامة أي نوع من الصناعة في أراكان.

الموقف الحالي:

يتغلغل الخوف الدائم في قلوب الحكام البورميين من أن التنامي السكاني

للشعب المسلم هناك، لذلك يقومون بإكراه المسلمين على ترك شعائر دينهم

واعتناقهم للحضارة البوذية وثقافتها، وهذا يؤدي إلى منع المسلمين أن تقوم لهم

قائمة، وبالتالي ينجحون في مخططاتهم التي انتهجوها للقضاء على المسلمين منذ

أول يوم لاستقلال بورما، وللوصول إلى هذا الهدف فقد اتخذوا خطوات منها:

١- غير مسموح للنساء أن يتحجبن خارج المنزل.

٢- على النساء والفتيات المسلمات أن يخرجن للعمل في الحقول

٣- لا يسمح للشباب المسلمين بإعفاء لحاهم.

٤- غير مسموح للرجال المسلمين بارتداء زيهم المعتاد

٥- يجب على المسلمين الحصول على إذن مسبق قبل الزواج.

٦- إجبار الفتيات المسلمات على تناول موانع الحمل، بينما ممارسة هذا

العمل تعتبر خرق لقانون الدولة بالنسبة للبوذيات.

٧- غير مسموح للرجل المسلم أن يتزوج أكثر من واحدة.

٨- إرغام المسلمين على الانحناء للعلم البورمي.

٩- المراقبة المستمرة على المساجد والمدارس الدينية.

ولمتابعة هذه الخطوات التعسفية وتنفيذها قرروا بأن المسلم الذي يعفي لحيته

لا يقبض راتب عمله حتى يحلقها، ولا يسمح له بركوب الباصات والقوارب،

والنساء اللاتي يخرجن متحجبات يمزق حجابهن، ومنذ مطلع عام ١٩٩٤ م قامت

حكومة «رانجون» البوذية باجراءات بشعة تجاه علماء الدين والقيادات الإسلامية

في أراكان، في خطوة خطيرة ضد المسلمين هناك فقامت السلطات العسكرية

بالقبض على عدد كبير من العلماء والمشايخ واعتدت عليهم بالضرب والسجن،

وقامت سلطات السجن بحلق لحى العلماء والمشايخ وتشويه وجوههم، ولم يكتفوا

بهذه التجاوزات، بل وصل بهم الأمر إلى اغتصاب بنات هؤلاء العلماء والمشايخ

على أيدي أفراد القوات البوذية المسلحة.

وعلى صعيد آخر فقد تتابعت الأخبار الواردة من داخل أراكان بأن الطغمة

الحاكمة البورمية البوذية لا تزال تصر على تكرار الأسباب والعوامل التي أدت

بالشعب المسلم الروهنجيا إلى الهجرة والتشرد، وعلى عدم اعترافها بهؤلاء

المسلمين باعتبارهم مواطنين أصليين، بالإضافة إلى امتداد عملياتها الإرهابية

واجراءاتها التعسفية، واعتقال زعماء المسلمين، ونهب أموالهم واستباحة حرماتهم

وإرغام سكان القرى والمدن من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن كل يوم على

العمل بدون أي تعويض، كرصف الطرق في المناطق الجبلية، وحمل أسلحة

الجيش والعتاد إلى الغابات والمناطق الجبلية.

كما أن الطغمة الحاكمة البوذية البورمية شكلت مؤخراً قوة خاصة باسم

«الدفاع عن الحدود» (ناساكا) التي تضم رجال المخابرات السرية ووحدات انتحارية من الجيش ورجال الشرطة والجوازات، لملاحقة المسلمين، ووفقاً للنظام الأساسي الذي تشكلت بموجبه هذه القوة الخاصة، فقد أعطيت امتيازات مثل حق تنفيذ أي عملية بدون إذن رسمي سابق من قبل الحكومة، كما أن لها اتخاذ أي اجراءات تراها مناسبة ضد المسلمين دون الرجوع للقضاء أو المحاكمات ومقر هذه القوة ولاية أراكان المسلمة، لتمارس فيها ما تشاء من الإيذاء وصنوف التعذيب والقتل ضد المسلمين، ونفذت حتى الآن عشرات العمليات ضد المسلمين الأبرياء منذ أن تم تشكيلها وقتل خلالها عدد كبير من الشباب المسلمين وأودع مئات آخرون في السجون باتهامات باطلة، وفي الوقت الحاضر صار العلماء المسلمون على وجه الخصوص هدفاً لحملات هذه القوة.

وأخيراً قد اشتدت حدة اعتداءات الطغمة الحاكمة ضد المسلمين كثيراً ففي

الأسبوع الأول من شهر مايو ١٩٩٤ م تم اعتقال عدة مئات من المسلمين عشوائياً

في بلدتي «مونغدو وبوتهيدونغ» من بينهم (٦٤) امرأة وطفل، وهم يواجهون

الآن شتى أنواع التعذيب في السجون والمعتقلات.

وعمليات التعذيب والظلم قد تتعدى حدود ما كانت في السابق، فقد جرى

اعتقال ثلاثمائة مسلم في الفترة من ٢٣-٢٥/٥/١٩٩٤ م بما فيهم بعض عمد قرى

المسلمين والعاملين التابعين لهم، وهم يتعرضون في المعتقلات لعمليات التعذيب

على أيدي قوات (ناساكا) ، كما ذبح (١١) مسلماً من قبل هذه القوة الغاشمة في

«مير الله» وهي منطقة قيادة «علي تائنجو» جنوب بلدة «مونغدو» .

كما أجبرت القوات المسلحة البورمية العاملة في جنوب بلدة (مونغدو)

(٠٠٠ ر٢٠) مسلم من سكان القرى على نقل أسلحة الجيش وبضائعه من مكان إلى آخر، كما استخدموا باعتبارهم دروعاً بشرية في العمليات العسكرية ضد المجاهدين وخلال تلك العمليات تم قتل عدد كبير من هؤلاء المسلمين والفلاحين العاملين في أراضيهم باتهامات كاذبةأنهم على علاقة بالمجاهدين.

هذه هي الحالة التي يعيش في ظلها المسلمون، وبموجب حديث الرسول

صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد

الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» فإن مأساة

أراكان وقضية الشعب البورمي ليست مأساة وقضية شعب واحد، بل هي مأساة

جميع الأمة الإسلامية، بل مأساة الإنسانية جمعاء. إن قضية هذا الشعب تشكل

محنة مركبة ومضاعفة، وهي كارثة إنسانية كبيرة، وجريمة في حق المجتمع

الدولي وضد القانون الدولي، وإن إبادة جنس بشري أو فئة معينة داخل بورما لا

يعتبر شأناً داخلياً يخص بورما وحدها، لأنه يتعلق بحقوق الإنسان التي ينص عليها

ميثاق الأمم المتحدة، ويزعم الغرب أنه يدافع عنها.

فنناشدكم يا إخواننا أن تقوموا بواجبكم تجاه هؤلاء المسلمين المضطهدين في

رانجون على ايقاف ممارساتها التعسفية وممارساتها القمعية وحملات الإبادة المنتظمة

ضد المسلمين هناك، كما نناشد من خلال مجلة «البيان» الجهات المسؤولة في كل

بلد مسلم أن تقف وراء شعب في أراكان في كفاحهم لاستعادة حقوقهم المغصوبة من

الاستعمار البوذي البورمي وأن تمارس كافة الأساليب السياسية والدبلوماسية

والاقتصادية للحد من ممارساتها العدوانية تجاه هؤلاء المسلمين العزل، كما نأمل

تسهيل وسائل التعليم والمعاش والتنقل لهم ولأولادهم [وإن استنصروكم في الدين

فعليكم النصر] [الأنفال: ٧٢]

[واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين] [هود: ١١٥] .

من أخبار مجاهدي الروهنجا:

وردنا من الأستاذ «سعيد الرحمن» أمين عام منظمة تضامن الروهنجا ما

يلي من آخر أخبار المجاهدين هناك:

١- وقعت دورية مؤلفة من (٣٥) جندياً في كمين أعده مجاهدو المنظمة في

١٩/٥/١٩٩٤ م شمالي قرية «فانسي» التي تبعد (٤٨) كم شمال مدينة «بوتسمي

دونغ» في محافظة «أراكان» ، وقد قتل (١١) جندياً بورمياً في الكمين والجدير

بالذكر أن القوات البورمية العاملة في جنوب مدينة «مونج داو» أجبرت حوالي

(٠٠٠ر٢٠) مسلم من سكان القرى على نقل الأسلحة والقيام واستخدمتهم باعتبارهم

دروعاً بشرية في العمليات العسكرية ضد المجاهدين، وقتلت خلال العملية هذه

عدداً من الفلاحين بحجة أنهم من المجاهدين الروهنجا.

٢- بتاريخ ١٥/٦/١٩٩٤ م قامت مجموعة من مجاهدي الروهنجا بمحاصرة

ومهاجمة دورية تابعة للجيش البورمي في الموقع العسكري في «خاندونج» بينما

كانوا يستريحون في مضافة القرية شرقي فومالي على بعد (٦) أميال جنوب شرق

«بوتيدونج» ، وقد قتل (٧) من أفراد الدورية الثمانية فوراً، واستولى المجاهدون

على أسلحتهم، ثم قامت قوات المجاهدين بنصب كمين للقوة الحكومية المساندة،

وحدثت مواجهة ثانية مع القوات المتقدمة قتل خلالها عنصر من القوات البورمية

واضطرت باقي القوة إلى التراجع حاملة معها بعض الجرحى، وعادت قوات

المجاهدين إلى قواعدها سالمة.


(*) من بيان منظمة (الروهنجيا) أراكان بورما بتصرف بسيط ولها مجلة التضامن صوت المنظمة باللغة العربية وهي تستحق الاشتراك فيها لمساعدتها بالدعم لتواصل رسالتها في الدعوة والتعريف بالمسلمين هناك، وعنوانها: c/o Dr Mohammed Yunus P O Box ٧٩٥ Chittagong, Bangladesh.
(**) هو رئيس منظمة تضامن الروهنجيا الإسلامية.