للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

متى تستقل أمتنا تشريعياً؟ !

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى

آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

كل الدول في شتى أنحاء العالم لها أنظمة وقوانين تدين لها، وعليها تحافظ،

وتعادي وتوالي من أجلها.. لا ترضى أن تمس من قريب أو بعيد ووصل الأمر في

الاعتزاز بها أن ربطوا بينها وبين سيادة الدولة، واعتبروا أي مساس بهذه السيادة

يعتبر «خيانة عظمى» .

وأمتنا الإسلامية عبر تاريخها الطويل تؤمن إيماناً كاملاً بأن دين الإسلام هو

هويتها وشريعته هي دستور حياتها، وقيمه وأخلاقه هي منهاج تعاملها فيما بينها

ومع الآخرين، وكان ذلك سبباً مباشراً في وحدة الأمة وقوتها ومهابتها وبعد سنوات

وسنوات من البعد عن الإسلام الحق وشريعته الخالدة، استولى الطورانيون على

أطلال الخلافة العثمانية التي كانت تسمى آنذاك «الرجل المريض» بمؤامرة

محبوكة وضحتها شروط «كرازون» التي نفذها العميل الماسوني «أتاتورك»

والتي كان من أهم بنودها:

١- قطع صلة تركيا بالإسلام.

٢- وضع دستور مدني علماني.

وكانت الثمرة المرة لتلك المؤامرة أن تداعى الأعداء المستعمرون على جل

ديار الإسلام مستعمرين لها، محاولين تنفيذ الشروط نفسها في كل بلد احتلوه وبعد

سنوات من مقاومة المجاهدين لهم سلموا السلطات لنفر ممن صنعوهم على أعينهم،

فأسسوا الحكومات العلمانية التي قامت بعد ما سمي بـ «الاستقلال» ولا ندري أي

استقلال يزعمون والمستعمر مازال قائماً في النظم والقوانين السائدة، ولا ندري أي

استقلال يدعون وهم يعادون الإسلام ودعاته ويرفضون تطبيق الشريعة الإسلامية

بحجج استعمارية ترفض الإسلام ديناً ودولة..؟ ! بل زادوا عليها معاداة الدعاة إلى

الله، وسن القوانين المضادة لشرعه ومنعهم قيام أي توجه إسلامي مهما كانت صفته، بدعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، مع عدم ممانعتهم من قيام أي تنظيم غير

إسلامي حتى ولو كان شيوعياً أو بعثياً.

لقد شجعوا سياسات التغريب في الفكر والمجتمع، ومحاولة صنع أجيال

متمردة على الإسلام بالسياسات الإعلامية والتعليمية والسياحية.. وشنوا حملات

تشويه ضد الإسلاميين، ورموهم عن قوس واحدة، واتهموهم ظلماً وعدواناً

بالتطرف والإرهاب، ورفضوا بكل عنجهية الحوار الموضوعي معهم فكانت عاقبة

أمرهم خسراً.

وحتى تنطلي هذه اللعبة على الشعوب المغلوبة على أمرها، شغلوها بهموم

الحياة والبحث عن لقمة العيش، وزعموا بكل تبجح أن هذه الصحوة إنما مرجعها

فقر الشعوب وحاجتها، فدعوا الدول الأجنبية لبذل المزيد من المعونات والتنازل

عن ما ألحقته سياساتهم العقيمة من ديون للدول الأجنبية لكنها مازالت تعيش في فقر

ومسغبة وسوء أحوال وعنف مضاد، وما أصدق الحديث القدسي (من عادى لي ولياً

فقد آذنته بالحرب) .

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا يحاربون الإسلام وفيه عزتهم

ومنعتهم؟ ولماذا يناصبون دعاته العداء وهم لا يريدون إلا أن تكون كلمة الله هي

العليا؟ ! لا شك أن هذا هو الدليل الجلي على الانحراف عن منهج الحق ويؤكد ذلك

ما تضمنته أنظمتهم وقوانينهم من انتهاك للإسلام وتعاليمه ومحاربة لأوليائه، ولا

نجد تبريراً لذلك إلا ما يلي:

١- أن هؤلاء الحاكمين بأمرهم عاهدوا أسيادهم والشيطان على رفض شريعة

الله حتى آخر لحظة من حياتهم.

٢- الجهل المركب بالإسلام واعتباره مثل غيره من الأديان المحرفة، ولسان

حالهم أن الإسلام غير صالح للحكم لعدم مناسبته للعصر [كبرت كلمة تخرج من

أفواههم إن يقولون إلا كذبا] .

والحقيقة أن هؤلاء الحكام إن لم يكونوا عملاء بأفعالهم تلك فماذا يكونون؟ إذ

أن الجهل لم يعد مسوغاً كافياً لوصمهم به لأن كثيراً من المجامع العلمية العالمية

اعترفت بشريعة الإسلام وتميزها وشمولها وصلاحيتها، وأصبح ذلك معروفاً

ومتيسراً لكل باحث عن الحقيقة، ويبدو أنه زيادة على الأسباب آنفة الذكر فإن حب

السلطة والتمسك بها لما تؤديه من مصالح مادية ومعنوية له دوره أيضاً.

ولا ننسى أن ذلك بسبب تصورهم الخاطئ: بأن فتحهم المجال لدعاة الإسلام

وطرحهم المنهج الإسلامي، سيغري الشعوب بالموافقة على برامجهم وبالتالي

إعطاؤهم التأييد دون غيرهم، كما حصل لجبهة الإنقاذ الجزائرية.

ومازلنا نتساءل مع كل مخلص من أبناء هذه الأمة: إلى متى تُحرم الشعوب

الإسلامية من خيارها الأصيل؟ وحتى متى يُحال دون تحكيم الشريعة الإسلامية؟

وإلى متى يُحال دون تبليغ رسالة الإسلام دون غيره.

إن السابر لحال الحكومات العربية التي لا تقيم لشريعة الإسلام وزنا، يجد

أنها غير شرعية بالمعنى الشرعي الصحيح لمضادتها لشرع الله، وغير شرعية

نظاماً لظلمها لشعوبها وسلبها خياراتها المعلنة، ولمخالفتها حتى لدساتيرها التي

تنص غالباً على أن الإسلام دين الدولة، إذ أن ذلك صورة لا حقيقة لها.

إن الاستقلال حقاً أن تستقل بمبادئك ومنطلقاتك الأصيلة، والفخر حقاً أن

تطبق شريعة الخالق جل وعلا، لا أن تكون عالة على الأجانب، والعزاء لأمتنا

المغلوبة على أمرها في كثير من البلدان أنها وإن حيل بينها وبين ما تطالب به من

تطبيق الشريعة، فإن الظلم لا يدوم وإن دام مؤقتاً فإن عاقبة القائمين عليه وخيمة

وسينالهم الجزاء الأوفى دنيا أو أخرى.

إننا ندعو الحاكمين في الدول الإسلامية إلى تطبيق شريعة الله إثباتاً لصحة

إيمانهم [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم] ، وليساهموا في

حل إشكاليات مجتمعاتهم، لأن الشريعة الإسلامية مع ضبطها لأحوال العباد توجد

الضمير الحي الذي يفقده القانون، فقد ملت الشعوب جور ما تحكم به من القوانين

المستوردة، بل إن من المساجين من طالب بتحكيم شرع الله عليه وإخراجه، فليس

هناك ما يسوغ كل هذا التردد حيال تطبيق الشريعة الإسلامية.

إن دين الله قادم بإذن الله ولو وضعت في طريقه السدود والقيود، وعلى

الدعاة إلى الله أن يعملوا جاهدين لتبليغ رسالتهم على المنهج النبوي وبكل الوسائل

المشروعة، وأن لا يتعجلوا قطف الثمار، وأن لا يتيحوا للأعداء فرصة للنيل منهم

أو الحيلولة دون بلاغهم، وصدق الله العظيم: [ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم

أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون] ، وقوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا

استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم] ، ذلك كلام الله تعالى، وعده ووعيده، ومن أصدق من الله قيلا؟!