للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[هذه حقيقة مجلس الأمن]

نظرات في مواقفه من قضايا المسلمين

د. محمد طاهر حكيم

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دور مجلس الأمن ومهامه في تحقيق الأمن

والسلام العالميين إبان تعرض المسلمين لمآس ونكسات وويلات من أعدائهم في

شتى أنحاء المعمورة ولا سيما في البوسنة وفلسطين وكشمير على سبيل المثال لا

الحصر.

وظن بعضهم أن مجلس الأمن سيفرض الأمن ويعيد السلام إلى المناطق

المنكوبة، ويحقق الأهداف التي قام من أجلها وهي إقامة العدل ونصرة المظلوم

وردع المعتدي، وغاب عن هؤلاء أن المنظمة الدولية غدت أداة طيعة في أيدي

الأقوياء لتحقيق خططهم وتنفيذ مآربهم.

إن مجلس الأمن تتحكم في قراراته خمس دول فقط الأعضاء الدائمون وهم:

أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين، التي تسعى من خلال قرارته

لتحقيق مصالحها الخاصة وفرض سيطرتها على الدول الضعيفة والإسلامية منها

بالذات، ويقال عن أي قرار يصدر عن هذا المجلس بأنه قرار دولي أو يعبر عن

إرادة المجتمع الدولي وهذا عجيب وما أكثر عجائب هذا الزمن ومنها أن يقال عن

القرار الصادر من خمس دول بأنه «دولي» ويفرض على باقي دول العالم دون

أدنى حق لها في ابداء الرأي أو الاعتراض عليه، بل إنه بإمكان دولة واحدة من

هذه الدول الخمس إفشال أي قرار لا يعجبها بصرف النظر عن مواقف بقية الدول،

ومع هذا يقال عن أي قرار يصدر عن مجلس الأمن بأنه قرار دولي.

خذ مثالاً شعب البوسنة المسلم، وما حدث له من وحشية وهمجية لا نظير لها

حيث يعيش شعب بكامله تحت الإرهاب، والحكم العسكري، ونظام المعسكرات

الذي يذكرنا بأساليب «النازية» أو «الفاشية» أو «الشيوعية» ومجلس الأمن

الذي يتبجح بالدفاع عن حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي وحق جميع شعوب

الأرض في العيش في سلام متباطئ متخاذل لأن هناك بعض الأعضاء الدائمين في

المجلس لا يرون ما يراه العالم ودوله وشعوبه قاطبة، فهل بعد هذا يصح أن يقال

عن أي قرار يصدر من مجلس الأمن بأنه قرار دولي؟

أين مكمن التزوير؟

إن مجلس الأمن لا يعبر عن المجتمع الدولي بل هو يعبر عن هيمنة أعضائه

الدائمين على «القرار الدولي» ولذا يحسن تسميته بـ «مجتمع القوة» أو

«مجتمع الخاصة» أو «مجتمع النخبة» الذي يحكم باسم المجتمع الدولي، ولذا فإن تسمية قراراته بالدولية زور وباطل.

إن هذا الوضع القائم ما هو إلا امتداد لحقبة الاستعمار الذي ولى بمظهره

العسكري ليحل بمظهره السياسي، فهذا المجلس في الحقيقة أصبح مجلس استعمار

وليس مجلس أمن، وهذا ما تؤكده أفعال أعضاء المجلس وتصريحاتهم، فهم لا

يرون ضرورة الرجوع إلى مجلسهم أو استصدار القرار من مجلسهم فيما تقوم به

دولهم من أعمال عدوانية أو تأديبية كما يسمونها تجاه الدول الأخرى ولا سيما

الإسلامية بل تنطلق دولهم في تعاملها مع هذه الدول من منطلق القوة والنظرة

الاستعمارية الماثلة في مخيلتهم فوق القرار وأنهم قادة العالم وحكامه كما لو كانوا في

أيام استعمارهم العسكري.

فأمريكا تتدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية وتقتل وتعتقل من تشاء

وتضرب مثلاً ليبيا بالقنابل عام ١٩٨٦م وبريطانيا تكتسح الفوكلاند والاتحاد ...

السوفيتي السابق يحتل افغانستان ويقتل مئات الألوف من الناس ويدمر البلاد،

ويهدد الدول المجاورة بحجة الدفاع عن أفغانستان ولم يعبأ بقرارات الأمم المتحدة

حتى خرج بسياط المجاهدين.

وحينما سئلت «تاتشر» رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، لماذا لم

تستصدر بريطانيا قراراً من مجلس الأمن في حرب فوكلاند؟ فأجابت قائلة: «إن

البريطانيين ليسوا عرباً» .

القرارات بين الضعفاء والأقوياء:

ثم إن قرارات مجلس الأمن تفرض على الدول الضعيفة ولا سيما الإسلامية

منها، كما تفرض على هذه الدول العقوبات الاقتصادية والتجارية والعسكرية،

والمقاطعة الدولية إذا لم تخضع لرغبة وهيمنة مجلس الأمن بل وتدرج أسماؤهم في

قائمة الدول المساندة للإرهاب والمنتهكة لحقوق الإنسان.. الخ.. كما هو حال

بعض الدول الإسلامية المعروفة للجميع، أما الدول الكافرة والمحتلة لأراضي

المسلمين والتي تحظى بمساندة وتأييد أعضاء مجلس الأمن الدائمين فلا تلزم بتطبيق

أي قرار صادر عن مجلس الأمن ولا يفرض عليها أي عقوبات إلا صورياً ذراً

للرماد في العيون بل هي في كثير من الأحيان تعربد يمنة ويسرة وتهزأ بقرارات

المجلس «الموقر» دون أن يثير ذلك حفيظة المجلس أو أن يكون فيه التحدي

للمجتمع الدولي، وهذا يؤكد أن المجلس لن يقف مع أي قضية للمسلمين مهما كانت

إذا كان الطرف الآخر فيها من غير المسلمين.

فهذا الرئيس الصربي المجرم، لما سأله بعض الصحفيين الأجانب عن مصير

أكثر من (٦٠) قراراً للمنظمة الدولية، ولماذا لم ينفذها الصرب، فالتفت إليهم

المجرم ضاحكاً وقال: إننا غير مسؤولين عن تنفيذ هذه القرارات لأن صربيا تنفذ

القرارات الصربية لا قرارات الأمم المتحدة، وقال: لا توجد أي قوة ستحول بيننا

وبين أهدافنا، ولن يستطيع أحد أن يقف في وجه المصالح الصربية في يوغسلافيا، وأن الصرب مستعدون لمجابهة العالم كله في ذلك.

ومنذ أيام وقف رئيس وزراء العدو الصهيوني وقال: على العرب أن يعطوا

الكثير من التنازلات والمرونة في محادثات السلام وعليهم أن ينسوا الأراضي

الإسرائيلية! والقدس تماماً! لأنها صارت مسائل لا تقبل مناقشة، وأن أي نقاش

حولها إنما هو حديث في الوقت الضائع لن يقدم ولن يؤخر.. إلخ.

وخطب رئيس وزراء الهند يوم استقلال الهند وقال: إن كشمير جزء لا

يتجزأ من الهند وإن أي كلام حول استقلالها أو تقرير مصيرها مجرد حلم باكستاني

صعب المنال، وعلى الكشميريين أن يدركوا أنهم هنود، ومن أراد أن يكون

باكستانياً فعليه مغادرة أراضي الهند، يعني الأراضي الكشميرية.

أجوبة وتصريحات مليئة بالتحدي والغطرسة والصلف، والسبب أنهم يعلمون

أن قرارات مجلس الأمن حبر على ورق، وأنها لا تنفذ عليهم بل يعلمون أن الدول

الكبرى توافقهم بل وتساندهم وتشجعهم على ما يقومون به من احتلال وأعمال

إجرامية وإلا فما معنى قول «كاراجيتش» زعيم صرب البوسنة، وهو يتساءل

باستغراب، «لماذا يتظاهر الجميع بذرف الدموع على البوسنة؟ إن هؤلاء

المتظاهرين بدموعهم يتحدثون إلينا في الغرف المغلقة بطريقة مختلفة، وهذه

الطريقة هي: إراحة الذبيحة وحد الشفرة، وكيف تفسر سكوت الدول الكبرى على

احتلال اسرائيل الأراضي الإسلامية العربية وإبعاد أهلها عنها؟

دعني أسأل بريطانيا العظمى عما سيكون عليه موقفها لو أن فرنسا وألمانيا

قامتا باقتطاع جزء من الأراضي البريطانية، واعتبرت ذلك الجزء حزاماً أمنياً لها، دعني أسأل جميع أعضاء المجلس عما إذا كان ضم القدس المحتلة يختلف عن

ضم النازية للنمسا.. إلخ.

على من تنفذ القرارات؟

ثم أود أن أسأل أعضاء المجلس الدائمين: أرونا قراراً واحداً صدر عن

مجلس الأمن في صالح المجتمع الإسلامي قد دخل حيز التنفيذ؟

هناك أكثر من (٦٣) قراراً دولياً في قضيةالبوسنة لم ينفذ منها قرار واحد

وكأن الصرب يعرفون هذه الحقيقة فاستمروا في مذابحهم وجرائمهم في ظل الحماية

الدولية، وقد عبر عن هذا الواقع المرير وزير الخارجية البوسني في مؤتمر

صحافي عقده في لندن بقوله» إن المنظمة العالمية عار على مجتمعنا المعاصروإننا

سنقوم برفع الشكوى إلى المحكمة الدولية ضد هذه المنظمة الدولية العاجزة عن

حماية شعبنا بل لمشاركتها في المجازر المرتكبة في البوسنة، إن المنظمة الدولية

سلبت منا الحق الأساسي في الحياة وحق الدفاع عن أنفسنا «.

اتخذ المجلس أكثر من مائة قرار لصالح القضية الفلسطينية أشهرها القرار

» ٢٤٢ «الذائع الصيت الذي أكاد أجزم أن الأوراق التي كتب عليها قد بليت فهل نفذ منها قرار واحد؟

وفي قضية كمشير المسلمة اتخذ المجلس أكثر من ١٣ قراراً لم ينفذ منها قرارٌ

واحدٌ، بل لا يوجد أي دور للمجتمع الدولي في منع الجرائم التي ترتكبها قوات

الاحتلال الهندوسي يومياً ضد شعب كشمير المسلم الأعزل.

المجلس يستجيب لمن؟

وعندما دخلت قوات جورجيا إلى» أبخازيا «ووجه الأبخاز» ١٤ «نداء

عاجلاً للأمين العام سعياً للتدخل الدولي حماية للأرواح البريئة، لم تكلف الأمانة

العامة نفسها مشقة الرد عليها، عندها فطن الأبخاز إلى أنه لا قيمة للنداءات والذل

والهوان والاعتماد على الآخرين فوحدوا جهودهم في ملاحقة العدو بشجاعة وبسالة،

ووقعت المفاجأة:» شيفرنادزة «بنفسه يقوم بنداء عاجل للأمين العام، يرجوه فيه

سرعة التدخل، وجاء الرد في هذه المرة سريعاً، فقد تم إرسال مبعوثي الأمم

المتحدة الذين دعوا لاجتماع عاجل بين الطرفين، وتم الاجتماع باتفاق على انسحاب

الجورجيين من» سوخومي «لكن الاتفاق لم ينفذ، وانتظر الأبخاز مصداقية الأمم

المتحدة، ولكن دون جدوى، عندها خرجوا على قلب رجل واحد فحرروا عاصمتهم

وإن أخرجوا منها بتدخل الروس ولكن إلى حين بإذن الله.

وفي جزر مورو يعاني ستة ملايين مسلم من الحصار المفروض عليهم من

قبل قوات الصليبي راموس، وفي طاجكستان يوجد أكثر من مائتي ألف مسلم

شردهم الشيوعيون عبر الحدود الطاجيكية، وفي باكو تحتل القوات الأرمينية

النصرانية ٢٠ في المائة من أراضي أذربيجان وتضع يدها على ٣٨ مدينة آذرية

وفي الصومال ولبنان.. مآس وأحزان، ولا وجود لمجلس الأمن.

الحقيقة أننا نحن المسلمين نبالغ في حسن الظن بمجلس الأمن عندما نلجأ إليه، ونتوقع منه أن ينظر إلى قضايانا بعين العطف والرحمة أو على الأقل بعين العدل

والإنصاف.

حقيقة يجب أن نعيها:

وتغيب عن أذهاننا حقيقة مهمة وهي: أن المجلس عبارة عن التكتل اليهودي

(أمريكا) النصراني (بريطانيا وفرنسا) الشيوعي (روسيا والصين) ، فهل يرجى

للمسلمين خير من هؤلاء؟ أليس هؤلاء هم أعداؤنا، أليس الله قد حذرنا منهم ومن

والاعتماد عليهم وموالاتهم؟ ألم يخبرنا الله تعالى وهو أصدق القائلين [لتجدن أشد

الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا] فكيف نأمل الخير ممن حذرنا الله

منهم.

هل نتوقع مناصرة قضايانا ممن زرعوا النبتة الخبيثة (اسرائيل) في قلب

العالم الإسلامي؟ أم نتوقع ذلك من روسيا وهي التي لطخت يديها بدماءالمسلمين

الأبرياء في دول آسيا الوسطى وأفغانستان وهي التي تزود إسرائيل باليهود والأيدي

الفنية الماهرة، وتزود مجرمي الصرب بالأسلحة ضد مسلمي البوسنة العزل.

أما فرنسا فلها موقفها من قضايا المسلمين بعامة ومن قضية البوسنة بخاصة

فعندما قام ميتران بزيارته المشبوهة (لسراييفو) قال للرئيس المسلم علي عزت:

» ليكن في علمك بوضوح أن فرنسا لن تسمح مطلقاً بوجود دولة على عتبات أوروبا يحكمها المسلمون «.

وقد عبر نائب الرئيس البوسني أيوب غانيتش عن موقف الأوروبيين من

قضية بلاده، فقال: إن أوروبا أظهرت وجهها الحقيقي، وإن تدمير البوسنة وفناء

أهلها سيكون على يد أوروبا وليس على يد الصرب فقط.

فهل نأمل مناصرة قضايا المسلمين من هذه الدول، أم نأمل ذلك من الصين

العضو الخامس في المجلس وهي التي لا زالت تستعمر تركستان الشرقية وتعمل

التقتيل والتهجير حيال المسلمين هناك وتزود مجرمي الصرب بالأسلحة والمعدات.

هذه بركات بطرس!

هل نتوقع الخير بل الحياد من بطرس غالي الذي يمتلئ قلبه حقداً على

الإسلام والمسلمين والذي يفتقد لروح المبادرة الإنسانية والشجاعة السياسية في

ممارسة مهامه ومنصبه؟ فقد تطوع في أول مؤتمر صحفي يعقده بعد اختياره

لمنصبه بأن أعلن أن القرار ٢٤٢ غير ملزم لإسرائيل، وقد سبق في دراسة

منشورة له أن قال بعدم إلزامية ذلك القرار، ولم يكن ذلك التصريح المدهش سوى

بداية لمسلسل من المواقف العفنة والمعادية للمسلمين، وهي مواقف أثارت كثيراً من

الاستنكار حتى في وسائل الإعلام الغربية، ومن هذه المواقف:

الضغط على مسلمي قبرص دون اليونانيين والنصارى.

تجاهلها المتعمد لقضايا المسلمين الملحة كفلسطين وكشمير وبورما وأبخازيا

وغيرها.

وأما موقفه من الحرب المسلطة على المسلمين في البوسنة، فقد كان موقفاً

متخاذلاً بل متواطئاً مع الجزارين الصرب ضد المسلمين، فقد دعا الصرب والغرب

في بداية الحرب أن يحكموا الحصار حول البوسنة حتى لا يدخل إليها المجاهدون

المسلمون للدفاع عن إخوانهم فتتحول البوسنة إلي أفغانستان أخرى ثم عندما طلب

منه التدخل لوقف المذابح الصربية أجاب قائلاً: هذه حرب الأثرياء وليس عندنا

مال، ثم فيما بعد أصر على أن لا يكون لقوات الأمم المتحدة أي دور في حماية

شعب البوسنة وموقفه هذا قد انتقد حتى من بعض الغربيين فقد وصفته» كيرك

باتريك «السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة بقولها (إنه شخص قصير

النظر وتصرفاته غير إنسانية لأنه لم يعلن الحرب دفاعاً عن البوسنة) ، وقد كتبت

عنه ست مقالات طويلة اتهمته فيها بأنه (المسؤول الوحيد عن إبادة الشعب البوسني

المسلم وسيأتي يوم يقدم فيه الحساب الطويل أمام العالم عن تواطئه مع الصرب) ،

أما مهازل المناطق (غير الآمنة) والتي تسمى زوراً بالآمنة فهي سخرية كل من لديه

أدنى ذرة من ضمير.

ماذا فعل الوسيط وقوات هيئة الأمم؟

مأساة المنظمة الدولية في البوسنة لا تنتهي عند هذا الحد بل كان من أكبر

مآسيها وسيطها» ديفيد أوين «البريطاني الذي صمم تصميماً صربياً، وتقول عنه

زوجة السفاح» سلوبودان «رئيس صربيا (إن أوين أحد أفراد عائلتنا فهو دائماً

معنا ... في كل مرة يزور بلجراد ينزل ضيفاً على بيتنا.. يأكل ويشرب معنا ...

وكانت مهمته إيجاد تصفية عادلة محايدة للحرب كوسيط دولي ولكن المهمة الحقيقة

التي قام بها ويقوم بها هي تقطيع أوصال البوسنة كما وصفه مذيع» بي بي سي «

وعلق الصحفي الانجليزي» جون سويني «على خارطة أوين لتقسيم الجمهورية

المنكوبة بقوله (أما أوين فإنه يجلس بابتسامته الذئبية، ويتوسط لتقطيع البوسنة ...

هذا للصرب.. وهذا للكروات.. والفتات للمسلمين) ، يقول ذلك الوسيط الدولي

المزعوم: (إن مسألة الضربات الجوية الغربية ضد الصرب هي خدعة بشكل أو

بآخر ... وإن دور الأمم المتحدة هناك ينطوي على أكثر من خدعة) قالها بسهولة

وكأن البشرية كلها لا قيمة لها عنده.

ويأتي بعد هذا دور القوات الأممية التي أرسلت إلى هناك لتؤمن الخائفين

وتدافع عن المظلومين وتستر عورات المضطهدين إلى آخر مصطلحات الرحمة

وحماية الإنسان التي ترفع لواءها قوات الأمم المتحدة في كل مكان، فماذا فعلت هذه

القوات؟

ذكرت صحيفة» الجارديان «الصادرة في ٢٨ اغسطس ١٩٩٣م عدداً من

تهم الفساد الموجهة إلى جنود الأمم المتحدة في سراييفو وأخطر هذه التهم أن هذه

القوات تقوم بالمتاجرة بالمخدرات وتهريبها، وقال المراسل: إن الجنود الفرنسيين

الذين يعملون تحت قيادة الأمم المتحدة يقومون بعمليات اغتصاب واسعة ضد

المسلمات، وأنهم كانوا يعطون الصرب شحنات الأغذية والأدوية مقابل إعطائهم

نساء مسلمات بوسنيات من المعتقلات لاغتصابهن.

وقال مراسل» الديلي تلغراف «: إن ضباطاً كباراً من الأمم المتحدة هم

الذين كانوا يشرفون على أسواق الدعارة في البوسنة. وذكرت» نيويورك نيوز «

الصادرة في ١٧/٥/١٤١٤ هـ، أن أكثر من خمسين ضابطاً من فرنسا وكندا

وأكرانيا ونيوزيلندة ودولة افريقية لم يذكر اسمها كانوا يترددون على معتقل يديره

الصرب يعج بالأسيرات من النساء المسلمات اللاتي أجبرن على ممارسة البغاء.

هذه بعض أعمال وجرائم ذوي القبعات الزرقاء، لكن السؤال: من يتولى

التحقيق في ذلك إذا كان الخصم هو الحكم؟

آخر مهازل المنظمة:

وتأتي بعد هذا آخر مهازل المنظمة الدولية في اختيار هيئة المحكمة الدولية

لمحاكمة مجرمي الصرب على جرائم الحرب وكانت المفاجأة، فقد تم استبعاد أي

قاض مسلم من عضوية المحكمة المذكورة، أما الأكثر غرابة فهو اختيار قاض

هندوسي من ماليزيا التي يشكل المسلمون فيها أكثر من ٧٠ % من سكانها واختيار

قاض نصراني من مصر التي تزيد نسبة المسلمين فيها عن ٩٢% في المائة

واختيار قاض زرادشتي من باكستان التي تزيد نسبة المسلمين فيها عن ٩٠ %.

والمضحك أن المجرمين الذين سيحاكمون أمام المحكمة مطلقون ويستقبلون

استقبال الأبطال والقادة في لندن وباريس ونيويورك وواشنطن وجنيف، والأخطر

من هذا كله أن الدول العظمى الأعضاء في مجلس الأمن التي طالبت كثيراً بتأسيس

هذه المحكمة تتراجع الآن عن تقديم زعماء الصرب للمحاكمة باعتبار أن جلوسهم

إلى مائدة المفاوضات يشفع لهم، أما محاكمتهم فتعرقل مسيرة السلام.

إن المرء يقف حائراً أمام تصرفات هذه المنظمة التي تكيل بمكيالين وتزن

بميزانين فهي لا تحب نصرة المسلمين أو حتى السماح للآخرين بمساعدتهم أو حتى

حمايتهم أو حتى حماية الأبرياء منهم لكن عندما يكون الأمر متعلقاً ببعض الجنود

غير المسلمين فيظهر الوجه الآخر للمنظمة الدولية فتقلق وتحزن على بضعة جنود

أسبان ولا تتأثر على تقتيل مئات الآلاف من المسلمين وتشريدهم وتهجيرهم

واغتصاب نسائهم ونهب ممتلكاتهم.

إن هذا الشعور الذي ينتابنا نحو هذه المنظمة وسكرتيرها يجعلنا نكرر ونرفع

صوتنا مع الكاتب الذي يقول: (إن عالمنا مليء بالأكاذيب وإن هيئة الأمم وميثاق

حقوق الإنسان كذب في كذب وحماية الشعوب من التفرقة العنصرية كذب في كذب

وحماية الدول من الإعتداء هو كذب في كذب) ، وكذلك نكرر مع الرئيس علي

عزت (إن الغرب حينما يتعلق الأمر بالإسلام مستعد لأن يخون مبادئه وقيمه التي

ينادي بها) .

الحقيقة الغائبة:

إن الحقيقة الناصعة التي لا تحتاج إلى إثبات هي أن قضايانا لن يحلها أحد

سوانا (وما حك جلدك مثل ظفرك) وإن أمة لا تملك الدفاع عن نفسها لا تستحق

الحياة والبقاء، والحقيقة أن ما اغتصب بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ذلكم هو المنطق

البدهي الذي تشهد له حقائق التاريخ الإنساني قديماً وحديثاً، فلولا ذلك لما خرج

الرومان من العالم العربي في عصر الفتوحات ولما طرد المسلمون الصليبيين

المعتدين الغزاة من أراضيهم، ولما غادرت فرنسا الجزائر وأمريكا فيتنام وروسيا

افغانستان.

لكن إلى متى نظل نتشبث بمجلس الأمن؟ وإلي متى نبقى مخدوعين بـ

» المجتمع الدولي «؟ إن شرور اليهود والهندوس والصليبيين والشيوعيين واعتداءاتهم على المسلمين لن تقهرها» شرعية دولية «ولا قرارات شجب وإدانة واستنكار، وإنما تهزمها وحدة المسلمين واتفاقهم وقوتهم وتفوقهم التقني والعلمي والعسكري، والاتحاد والتعاون فيما بينهم في كل المجالات ولا سيما المجالات الدفاعية والعسكرية.

والله من وراء القصد..