للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

الأصول الاجتماعية والفكرية للتيارات الإسلامية المعاصرة

المؤلف: نبيل ياسين

عرض: محمود السيد الدغيم

جرى الصراع في معظم الوقائع القديمة تحت رايات الخلافات الدينية والمذهبية، فالجهاد كان في سبيل نشر الإسلام والدفاع عن حقوق المضطهدين، وذلك ما لم يرق لأعداء الإسلام الذين قاوموا الإسلام على جبهتين إحداهما خارجية والثانية داخلية.

أما على الجبهة الخارجية فأخذ الصراع شكل حروب تنوعت طرقها بين

الهجوم، والهجوم المعاكس، والدفاع الإيجابي، والدفاع السلبي ... كل ذلك ضمن

إطار الاستراتيجيات الثابتة، وأنواع التكتيك المتغير، وكان اتساع رقعة الأرض

الخاضعة لفئة ما وضيقها مرهوناً بقوتها العسكرية والمعنوية وتناسق التكتيك مع

الاستراتيجية، ولذلك أصبحت مساحة الأراضي المفتوحة بين مد أيام القوة، وجزر

أيام الضعف، ولكن عمليتي المد والجزر لم تنسحبا على المعتقدات الدينية عموماً

كما هو الحال بالنسبة للمساحات الأرضية المفتوحة، وعن ذلك نشأت دار الإسلام

ودار الحرب، وتنوعت الأحكام الشرعية والتكليفية الخاصة بالمقيمين ضمن دار

الإسلام ودار الحرب بما ينسجم مع تحقيق المصلحة الفردية للشخص مع مراعاة

مصلحة الأمة.

أما على الجبهة الداخلية فقد اتخذ الصراع نمطاً آخر اعتمد على المؤمنين

بعقيدة أو فكر الطرف المعادي، والطامحين إلى تحقيق مصالح فردية خاصة

تترواح بين الكسب المادي لقاء خدمات التجسس والولاء، والطموح إلى السلطة

ولو في ظل العدو، أو التحرر من القيم الدينية والأخلاقية التي تقف حائلاً دون

تحقيق الملذات والشذوذ، ومن هنا نشأت تيارات التبشير بالمعتقد المعادي والفكر

المعادي، والتقت مع تيارات التمرد الداخلي المكونة من الصعاليك والناقمين

والفاشلين والحاقدين على كل ما هو أصيل، والعاقدين آمالهم على العدو في تحقيق

ما يرغبونه من بدع مرفوضة.

وعلى مر العصور حافظت التيارات المعادية على المعنى ولكنها غيرت القافية، وما يعنينا هنا هو ذكر التيارات التي عادت العرب والمسلمين، وسبب ذلك العداء هو الحقد الدفين الذي كان ومازال يتأجج في صدور الفرس المجوس والروم، لأن المسلمين استطاعوا دك عرشي كسرى وقيصر منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهود الخلفاء الراشدين من بعده، ثم ازداد حقد الشعوبيين على الخليفة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - لأن أمير المؤمنين معاوية أرسى الأسس القوية لدولة إسلامية بقيادته قاعدتها دمشق وسلطانها ممتد من جنوب آسيا حتى جنوب أوروبا، متخذاً من جزيرة قبرص قاعدة بحرية تنشر هيبة دمشق في عموم سواحل البحر الأبيض المتوسط (بحر الشام) بعدما كان يسمى (بحر الروم) ، وعلى الجناح الشرقي كانت البصرة سيفاً مسلطاً على رقاب من أحرقوها فيما بعد.

ولذلك نرى الآن أعداء الأمة العربية والإسلامية يبدؤون هجومهم بنيران

حامية على أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - مطلقين عليه صفات رخيصة

لا يجب أن تطلق إلا عليهم.

وقد تنوعت أسلحة الهجوم على الإسلام، ورفعها أعداؤه سراً وجهراً أمثال

أبي لؤلؤة المجوسي والهرمزان، وعبد الله بن سبأ ومن جاء بعدهم من الشعوبيين

والزنادقة، وأتباع الفرق العاملة على تشتيت شمل الأمة وإضعافها عن مقاومة

العدوان الخارجي، حتى آلت إلى ما آلت إليه من التمزق والتشرذم والخضوع

للأعداء بشكل مباشر أو غير مباشر، مكشوف أو مستور ديني أو سياسي.

ولقد لعب المستشرقون من مؤيدي روما الكاثوليكية أو نيويورك البروتستانتية

أو موسكو القيصرية الرومية الأرثوذكسية دوراً هداماً، وينخرط في هذا المنخرط

مبشروا الماركسية اللينينية، والماوية، والكيم ايلسنغية، وفي ذيل قائمة أعداء أمتنا

يأتي الفرس متلفعين بالجبة الخمينية، ومتعممين بعمائمها متسلحين بالمذهبية

الطائفية داعين إلى القضاء على المسلمين السنة.

في سنة ١٩٧٣م صدرت الطبعة الأولى من كتاب أدونيس «الثابت

والمتحول» ، وصدرت الطبعة الثانية مع بعض الإضافات سنة ١٩٩٤م، وردّ النقاد على أفكار أدونيس الهدامة التي رعاها مشرفه الخوري «بولس نويا اليسوعي» في جامعة القديس يوسف في بيروت، وقد نشر (ملحق آفاق) دراسة للأستاذ/ وليد نويهض حول الطبعة الأخيرة لكتاب أدونيس على مدى ثلاثة أسابيع ابتداء من يوم الأحد ٧/٨/١٩٩٤م، و ١٤/٨/١٩٩٤م ثم ٢١/٨/١٩٩٤م.

لقد أوضح الأستاذ وليد نويهض أن «محاولة أدونيس في مطلع السبعينات لم

تكن جديدة، لكنها كانت مبكرة في طرح الخطوط العريضة للنقاش، كما أنها جاءت

في سياق مناخات سياسية - أيديولوجية يسارية وتغريبية حاولت السطو على

التراث من خلال إسقاطات نظرية تأثرت في جانب منها بالمستشرقين الليبراليين

في أوروبا والولايات المتحدة، وفي جانبها الآخر تأثرت بمحاولات المستشرقين

الماركسيين في قراءة الإسلام والتاريخ الإسلامي» .

وقد تطرق أدونيس في كتابه لموقف السلطة من الفقهاء والمثقفين وموقفهم منها، وقد بذل جهداً كبيراً لإثبات صحة أفكاره الهدامة، والدعاية لها، تحدوه في ذلك

نزعة مذهبية باطنية ضيقة.

وأصدر «سيد محمد القمني» عن «دار سينا» في مصر كتاباً عنوانه:

«الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية، مدخل إلى قراءة الواقع الاجتماعي لعرب الجاهلية، وإفرازاته الأيدولوجية» ، والكتاب صادر سنة ١٩٩٠ م على ضوء المنهج الماركسي الذي يعتبر الدين الإسلامي حزباً هاشمياً حاز السلطة حينما «أعلن النبي المنتظر» (ص ١٣) ، والكتاب لا يعدو أن يكون هجوماً رخيصاً على المسلمين، ولاسيما قريش بعامة وبني أمية وبني هاشم بخاصة.

كانت تلك مقدمة ضرورية ولاسيما ذكر ما كتبه أدونيس وسيد القمني لأن نبيل

ياسين لم يذكرهما رغم أنه قد سطا على أفكار الكتابين فاختزل منهما ومن بعض

المنشورات الشيوعية هذا «البيان» الذي سماه «الأصول الاجتماعية والفكرية

للتيارات الإسلامية المعاصرة» ، كما سطا على ما كتبه اليهودي المصري «أحمد

صادق سعد» عن الإنتاج الآسيوي، وهو يذكرنا بالبيانات والمنشورات الشيوعية

التي شوهت أفكار المخدوعين في هذا القرن، ورغم أن شيوعيي العالم استفاقوا من

غيبوبتهم، فإن الشيوعيين الناطقين بالعربية مازالوا يهذون بالفكر الماركسي، رغم

لجوئهم إلى البلاد الرأسمالية ومعيشتهم على حساب الرعاية الاجتماعية فيها،

وممارسة نشاطاتهم في حي سوهو وشوارع الغرام! !

يقدم الكاتب نفسه بادعاء أنه مفكر علمي مناقض للأصوليين والمتطرفين!

الذين يرفضون الشيوعية والرأسمالية، ويتقوقعون ضمن إطار الفكر القومي!

والفكر الإسلامي! ورغم حملته «العرمرمية» على تزمت القوميين والإسلاميين!

واستغرابه تشددهم، فإنه يتناول أحوالهم بشكل يدل على تزمته وتعصبه وقذفه من

يخالفه الرأي بتهم غير صحيحة ولا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب الذي تقمص

الازدواجية في نقاشه، حيث يتضح للقارئ أن الكاتب ركز هجماته على محورين

رئيسين هما الفكر القومي، والفكر الإسلامي، ولكنه لم يكن عادلاً في هجومه على

هذين الفكرين لأنه ركز هجومه بشكل انتقائي وتجاهل التيارات التي توافق هواه،

فجاء الكتاب معبراً عن التعصب الشيعي ضد المسلمين السنة، ولاسيما السلفيين،

كما عبر الكاتب عن التعصب الشيوعي ضد القوميين ولاسيما العرب منهم، وهكذا

سقط المؤلف في بؤرة التعصب الذي يدّعي نقده، وصار كتابه أشبه ما يكون

بمنشور «نضال الشعب» الشيوعي، أو «الفتوى الإلهية» الملالية.

وكرر الكويتب نفس الكلام عدة مرات على نفس المحاور، ويمكننا تلخيص

محاور هجماته فيما يلي:

١- قال المؤلف: «بدأت العلاقة بين المثقف والسلطة الدينية تتوتر منذ نشأة

الدولة الأموية ... » (ص ١٠) ، ثم شن هجومه على الخليفة «عثمان بن عفان،

ومعاوية بن أبي سفيان» - رضي الله عنهما - (ص١٢) ، وهاجم الدولة الأموية

التي «عززت مصالح وامتيازات بني أمية أولاً ثم الفئات القبلية الموالية لها ثانياً»

(ص٣٣) ، ثم كرر الهجوم على الخليفة عثمان - رضي الله عنه - وادعى أن

معاوية «استولى على جميع أراضي الصوافي في العراق بالذات وأقطعها لنفسه

وأفراد عائلته وعشيرته» (ص٤٥) ، ثم ادعى أن معاوية «عمل على تحويل

الفقهاء ورواة الحديث إلى رجال دين! مرتبطين بالدولة» (ص٥٠) وكأن علماء

المسلمين - في نظره - مثل رفاقه الذين يؤيدون من يدفع أكثر، ثم عاود الكَرّة

على معاوية فقال: «إن الملكية الاجتماعية بشكلها الذي ظهر في زمن الرسول

والخلفاء الراشدين، تدمرت نهائياً في زمن معاوية، وحل محلها نهب منظم واسع

النطاق استند إلى إرهاب الدولة ... » ، هكذا فهم الكاتب تطور الدولة الإسلامية،

فضيق أفقه وتعصبه الشيعي منعاه من رؤية مآثر معاوية الذي طور نظام الحكم

الإسلامي بشكل منفتح على قضايا عصره، وهذه مأثرة يذكرها المنصفون من أعداء

معاوية لأن إنكارها يدل على الغباء والجهل والتعصب الأعمى.

٢- شن نبيل ياسين هجوماً بعد مرور ٨٠٠ سنة على صلاح الدين الأيوبي،

رحمه الله، لا لشيء سوى أن صلاح الدين عزز مواقع الخلافة العباسية في مصر، وقضى على النفوذ الفاطمي الذي أصبح مرتبطاً بقوات الاحتلال الصليبي،

متجاهلاً مآثر صلاح الدين في توحيد الشام ومصر وكسر شوكة الصليبيين، ولم ير

من تاريخه المشرف سوى اصطدامه بالزنادقة العبيديين وادعى المؤلف: أن مصر

شهدت «في عهد صلاح الدين ظاهرة المساعدة على نشر التحريف الديني عن

طريق إنشاء التكايا والزوايا، وتشجيع الدراويش للقضاء على الفكر الفاطمي

الشيعي الذي ازدهر في مصر!» (ص١٨) هكذا يصور الكاتب الانحرافات عن

الشريعة الإسلامية بصورة الفكر، ويصور تصحيحها بصورة التحريف، وهذا ليس

بغريب أن يصدر عن شيعي وشيوعي في الوقت نفسه! ! ثم كرر نفس التهمة ضد

صلاح الدين وأضاف أن صلاح الدين «وسع الإقطاع العسكري» (ص٤٣) ، ثم

هاجم الأيوبيين بتكرار الكلام السابق (ص٥٨) و (ص٧٧) ، وهكذا يتباكى على

العبيديين ويذم صلاح الدين والأيوبيين، تعصباً للشيعة وحقداً على السنة لا أكثر

ولا أقل، والتاريخ شاهد على فضل صلاح الدين، وكان من الأجدر به لو ذكر لنا

خيانة الوزير ابن العلقمي ودوره في سقوط بغداد سنة ٦٥٦ هـ.

٣- هاجم الكاتب المسلمين السنة السلفيين هجوماً رخيصاً يدل على حقده

وسوء عقيدته وتعصبه، حيث هاجم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال:

«ظهر ابن تيمية أيضاً، ذلك السلفي الذي عارض المنطق وكرّس الفكر الطائفي،

وهاجم القياس في الإسلام بالاشتراك مع ابن قيم الجوزية، مثلما هاجم الفكر الديني

للحركات السياسية والاجتماعية المعروفة في تاريخ الإسلام، والواقع أن فكر هؤلاء

المنظرين الدينيين هو الفكر الديني السائد حالياً، ومن المهم أن نذكر أن فكر هؤلاء

قد تشكل في فترات الانحطاط السياسي والاجتماعي والثقافي وظهور موجات

الاستبداد الديني بشكلها الصارخ، وفي فترة حاجة الدولة إلى جهاز أيديولوجي يبرر

استبدادها السياسي وصبغه بالصبغة الدينية ... » (ص٢٢) .

لقد عمد المؤلف إلى التعمية والتهم الباطلة متهماً شيخ الإسلام ابن تيمية -

رحمه الله - بالهجوم على «القياس في الإسلام» ، وهذا كذب صريح لأن ابن

تيمية نقد «القياس الأرسطي» نقداً منهجياً، وشأنه في ذلك شأن علماء أصول

الفقه السنة وقد أيد قياس أصول الفقه باعتباره الميزان المستقيم، وعقد للقياس كتاباً

خاصاً في كتاب «المسودة» في أصول الفقه (ص ٣٢٧-٣٨٨) ، قال فيه:

«القياس العقلي حجة يجب العمل بها، ويجب النظر والاستدلال به بعد ورود الشرع، ولا يجوز التقليد فيه، وقد نُقل عن الإمام أحمد الاحتجاج بدلائل العقول، وبهذا قال جماعة الفقهاء والمتكلمين من أهل الإثبات» المسودة في أصول الفقه، ص ٣٢٧) .

وهذا الاستشهاد يبين لنا أن الأمر اختلط على هذا المتعالم الذي لا يفرق بين

أنواع القياس، وابن تيمية ليس وحيداً في نقد القياس الأرسطي بل هناك من نقده

قبله كأبي سعيد السيرافي (ت ٣٦٨ هـ) والباقلاني (ت ٤٠٣ هـ) وأبي المعالي

الجويني إمام الحرمين (ت ٤٧٨ هـ) ، وكان هؤلاء العلماء قد تنبهوا إلى القصور

والخلل والعجز في القياس الأرسطي منذ قرون عديدة، ثم جاء فلاسفة أوروبا

ليكرروا نقد القياس الأرسطي وهذا واضح في كتابات: جون استيوارت مل

(١٨٠٦-١٨٧٣ م) ولويس كارول (١٨٣٢-١٨٩٨ م) وفرنسيس هربرت برادلي

(١٨٦٤-١٩٢٤ م) وبرتراند رسل (١٨٧٢-١٩٧٠ م) .

ومن الجدير بالذكر أن ابن تيمية ألف كتاباً معروف بـ «القياس في الشرع

الإسلامي، أثبت فيه أنه لم يرد في الإسلام نص يخالف القياس الصحيح» (طبع

المطبعة السلفية بالقاهرة سنة ١٣٤٦ هـ) ، وله كتاب آخر عنوانه «الرد على

المنطقيين» (طبع في الهند بومباي ١٣٦٨ هـ/١٩٤٩ م) ، وله كتاب جدلي هو

«منهاج السنة النبوية» ويقع في تسعة مجلدات.

أما عن موالاة شيخ الإسلام ابن تيمية للسلطة، فهو افتراء سمج يدل على

الجهل المبرمج، لأن مواقف شيخ الإسلام ضد استبداد الحاكم مشهورة وسنواته

الطويلة في سجن قلعة دمشق خير شاهد على دحض افتراءات المدعو نبيل ياسين

وأشباهه من أعداء أهل السنة.

ويتابع المذكور هجومه على السلفيين فيقول: «وهذه الأفكار جمعت بين

أفكار أبي الأعلى المودودي وأفكار الحركة الوهابية ذات الطابع البدوي المعادي

للمدنية، والطابع السلفي الذي أعطى صفة أصولية لا تتناسب ومنطلقات الوهابية

التي تتميز بطابع طائفي ظهر في حملات الإبادة التي شنها الوهابيون على مدن

الشيعة المقدسة مثل كربلاء والنجف في القرنين الماضي والحالي، وهي جزء من

رد البداوة على المدنية ... » (ص٢٧) ، وهكذا يسفر الكاتب عن تعصبه الشيعي

وحقده على السلفيين، وبذلك يفقد مصداقية الكاتب المحايد أو العادل أو الصادق.

ويكرر هجومه على السلفيين (ص٣٢) ويحملهم مسؤولية التطرف حيث يقول: «تعتبر المنطلقات السنية الوهابية المهد الذي تربت فيه التيارات السنية

المتطرفة المعاصرة، وقد تميزت الدعوة الوهابية بكونها عودة إلى المحافظة

والسلفية أكثر من كونها عودة إلى الأصول، ومن غير الصائب اعتبارها فكراً

أصولياً، ولذلك ترفض الدعوة الوهابية (الأعرابية) - وهذه التسمية أَخَذْتُها من

القرآن في وصفه لفهم الأعراب للإسلام - التعايش مع العصر على ضوء معطيات

الحاضر، كانت الدعوة الوهابية نتاج مجتمع قبلي يتسم بالبداوة والأعرابية على

النقيض من الإسلام الذي فتح آفاق العرب على المدنية والحضارة خارجاً من

المجتمع التجاري المكي، وهنا يكمن التناقض بين الوهابية والأصولية

الإسلامية» ! (ص٤٠) .

هكذا يخلط نبيل ياسين الحابل بالنابل، ويخرج عن حياد العلماء إلى صفوف

السوقة الحاقدين، ويصف السلفيين بصفة (الأعراب) ، وهو أشد كفراً ونفاقاً من

الأعراب والشاهد عليه كتابه، ويدعي أن «الدعوة الوهابية على النقيض من

الإسلام، وهذا التجديف يستحق إقامة حد الجلد بالنعل على نبيل ياسين، لأن

السلفيين» الوهابيين «أصح إسلاماً منه ومن أمثاله من أنصار السبأية اللينينية.

٤- هاجم المذكور المذاهب السنية الأربعة، أي الحنفي والمالكي والشافعي،

والحنبلي، وادعى أن بقاء الحركات الدينية» في دائرة النفوذ الاجتماعي والثقافي

والسياسي للفكر الديني المحافظ فكرياً والمتطرف سياسياً يعود إلى الماضي، إلى

الالتحاق بالفكر الديني للمذاهب السنية التي ظهرت خلال القرن الثامن بعد تصفية

وتنقية لكثير من الأحكام التي ارتبطت بالدولة ولذلك ادعت أنها ترجع إلى الأصول، وفي الواقع أن الأصولية هي تقليد المذاهب الأربعة في عصر ولادتها وليس

أصولية نشأة وظهور الإسلام، ورداً من الفقه! على الدولة اتسمت هذه المذاهب

بمواقف متزمتة، لكن الدولة عادت وتكيفت مع عملية احتواء هذه المذاهب التي

أصبحت من جديد فكراً للدولة المذهبية الطائفية بعد أن التحقت الدولة بهذه المذاهب

في وقت متأخر ... « (ص٤٢-٤٣) .

ترى لو كان أهل السنة متطرفين كما يزعم نبيل ياسين، فهل كان من الممكن

بقاء أتباع المذاهب الأخرى بينهم في معظم أقطار الأكثرية السنية؟ ولماذا يتحدث

عن التطرف السني ويتجاهل عصابات الاغتيال الشيعية من الحشاشين وأمثالهم

وصولاً إلى ميلشيات حزب الله بفروعه التي روعت المسيحيين والسنة والشيعة

على حد سواء في لبنان وغير لبنان؟ الجواب لأن نبيل ياسين منحاز للمافيا

الباطنية.

ويتكرر الهجوم على السنة (ص٥١) و (ص٥٨) و (ص٧٧) ، ودوافع الهجوم

مذهبية بحتة، إذ ما من هجوم على السنة إلا ويلازمه نواح على حقوق

المستضعفين الشيعة! .

٥- هاجم الكاتب الرموز السنية بشكل عام، فبالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً

فقد شن هجماته على العباسيين (ص١٩) ، والسلاجقة (ص٢١) و (ص٥٧)

و (ص ٦٥) ، والعثمانيين (ص٢٣) و (ص٣٦) و (ص٤٩) و (ص٥٠)

و (ص ٥٧) و (ص٥٨) و (ص٦٠) و (ص٦٥) ، وحسن البنا وسيد قطب (ص٢٧) و (ص٦١) ، والمجاهدين الأفغان (ص٣٩) ، والإخوان المسلمين (ص٤٢) وجمعية الدعوة الإسلامية (ص٧٥) .

ولم يتورع عن تحميل هؤلاء السنة مسؤولية تخلف الأمة الإسلامية لأنهم

قمعوا الفكر الشيعي التقدمي والشيوعية، على حد زعمه، فهم أعداء للماركسية

والرأسمالية، لأنهم مسلمون أصوليون قوميون معادون للثقافة والتقدم! !

٦- مقابل الهجوم على أهل السنة اتخذ نبيل ياسين مواقع الدفاع عن الشيعة

والشيوعية، فهو مع الزنادقة أمثال» ابن المقفع وبشار بن برد.. الذين كانوا

ضحايا العلاقة بين المنطق والإسلام « (ص١٠) ، وهو مع الشيعة ضد الأمويين

(ص١٢) ، ومع الشيعة ضد السنة في العراق (ص٥٧) ، ومع القدرية لأنها تعارض

الجبرية (ص١٣) و (ص١٤) ، ومع» أهم الاتجاهات الفكرية في الإسلام وهي

جمعية إخوان الصفا «! ! (ص١٥) حسب رأيه، وهو من مؤيدي» كتاب ألف

ليلة وليلة « (ص٢٧) ولاسيما القسم الخاص بالشبق الجنسي بنوعيه، ومع

الشيوعيين ضد الإسلاميين (ص٦٧) و (ص٦٩) و (ص٧٠) و (ص٧٩-٩٢) ،

وفي القسم الأخير يدعم آراءه بوقائع ندوة» عوامل نهضة القوى الدينية المنعقدة في

قبرص سنة ١٩٨٧ م «والتي لخصتها مجلة النهج - الشيعية - كما يستشهد

بتقارير الأحزاب الشيوعية التالية: الحزب الشيوعي الإيراني» تودة « (ص٨٤) ، والحزب الشيوعي التركي (ص٨٥) ، والحزب الشيوعي البحريني (ص٨٦) ،

والحزب الشيوعي الأردني (ص٨٦) ، والحزب الشيوعي السوداني (ص٨٨) ،

و» الإجماع الماركسي العربي « (ص٨٨) .

وأتبع الكتاب بملاحق ذكر أنه نشرها في جريدة الحياة سنة ١٩٩٣ م دون

تحديد تاريخ نشرها، وهي» مصائر المثقفين في عصر الخلافة الإسلامية «

(ص ٩٣) ،» ليبرالية التراث.. أصولية المعاصرة « (ص٩٩) ،» دراسات في الأوضاع الاقتصادية للدولة الإسلامية الأولى « (ص١٠٥) .

وقد هاجم المؤلف الفكر القومي، والدولة القومية (ص١٦-١٧) و (ص٤٩)

و (ص٥٣) و (ص٧١) و (ص ٨٣) و (ص٨٤) ، لما لهذا الفكر من ارتباط بالأمويين!! وهكذا تتضح هوية موضوعية الكاتب ونزاهته.